......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 3 أبريل 2016

ثبوت الطلاق وابتداء العدة بين الفقه الإسلامي وقانون الأسرة الجزائري

لقد تحدثت في مقالين سابقين عن المادة [8] – من قانون الأسرة الجزائري - المتعلقة بتعدد الزوجات ، وعن المادة [11] المتعلقة بالولي في النكاح ، وقد رأينا كيف خالف فيهما المشرع الجزائري الفقهَ الإسلامي بمختلف مذاهبه.
ومن المواد التي جاءت مخالفة للفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه أيضا ، المادة:[49] المتعلقة  بثبوت الطلاق ، حيث اعتبرته ابتداء من صدور الحكم غير مراعية لوقت تلفظ الزوج بالطلاق ، مما أدى إلى تناقضات على عدة مستويات ، نبينها في ما يأتي :

 جاء في المادة 49 - من قانون الأسرة الجزائري المعدل -:

"لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر".

يُفهَم من هذه المادة حصر وسيلة إثبات الطلاق في الحكم الصادر من الجهة القضائية ، و هذا يعني تجريد الطلاق الذي قد يتلفظ به الزوج من كل قيمة قانونية ، وهذا يناقض الشريعة الإسلامية على مختلف مذاهبها الفقهية ، من أن الطلاق يثبت من حين  صدوره عن الزوج ، و أن ابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق ، كما أن ابتداءها في الوفاة عقيب الوفاة ؛ فالعبرة في العدة  بطلاق الزوج ، لا بحكم المحكمة بالطلاق ، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء[1] ، إلا أن المادة [49] جاءت مخالفة لهذا الاتفاق ، فنصت على أن الطلاق لا يثبت إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر.

ويترتب عن تطبيق هذه المادة بروز ظاهرة ازدواجية العدة في حالة تلفظ الزوج بالطلاق وتأجيل رفع الدعوى أمام المحكمة لاستصدار حكم الطلاق .

v    فتبدأ العدة الشرعية من تاريخ الطلاق الصادر من قبل الزوج.
v    وتبدأ العدة القانونية من تاريخ صــــــــدور الحكم بالطـــــلاق.

وهنا يتجلى التناقض المحتمل بين الشريعة الإسلامية وقانون الأسرة على عدة مستويات.

فإذا افترضنا وقوع الطلاق من قبل الزوج بتاريخ: 2016/01/01م . وتم رفع الدعوى القضائية لاستصدار حكم الطلاق بتاريخ: 2016/4/25 (أي بعد فوات العدة الشرعية) فالقانون يتيح مجالا للصلح في أجل أقصاه ثلاثة أشهر بعد رفع الدعوى، فإذا عقد القاضي جلسة الصلح بين الزوجين يوم: 2016/05/25م وتم الصلح بينهما فإن الرجعة تتم بدون عقد جديد طبقا للمادة [50].

"من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج إلى عقد جديد، ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد"

وهذا ما لا يتفق والشريعة الإسلامية ؛ لبينونة الطلاق  بعد انقضاء العدة الشرعية ، فيحتاج الزوج في هذه الحالة إلى إبرام عقد شرعي جديد.

كما يمكن تصور تناقضات أخرى حسب الافتراض السابق ، منها- على سبيل المثال لا الحصر- :

v    يجوز خطبة المطلقة – بعد فوات عدتها الشرعية – شــــرعا ولا يجوز ذلك قانونا.

v  إذا توفي زوج المطلقة – بعد فوات العدة الشرعية – فلا ميراث لمطلقته شرعا ، ولكنها ترثه قانونا لعدم انفكاك الرابطة الزوجية قضائيا.

وكان ينبغي أن تربط جلسة الصلح الواردة في المادتين:[49] و [50] بفترة العدة الشرعية ، فتكون صياغة المادتين على النحو الآتي :

المادة 49: ((لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من قبل القاضي خلال فترة العدة الشرعية)).

المادة 50: ((من راجع زوجته أثناء فترة العدة الشرعية في الطلاق الرجعي لا يحتاج إلى عقد   جديد، ويحتاج إلى عقد ومهر جديدين بعد فوات العدة أو صدور الحكم بالطلاق)).

أو كان ينبغي تفادي هذه  التناقضات بالنص على إصدار حكم الطلاق بأثر رجعي يعود إلى وقت تلفظ الزوج بالطلاق ، أما أن يبقى نص المادتين على ما هو عليه الآن فستترتب عنه تناقضات مصادمة للشريعة الإسلامية على مختلف مذاهبها الفقهية.




[1] انظــــر:

- الموسوعة الفقهية الكويتية ، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت ،الطبعة الأولى، دار الصفوة - مصر-ج 29 ص 326.

- الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ . تأليف الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ . الناشر : دار الفكر - سوريَّة – دمشق . ج 9 / ص 612 وما بعدها.


- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي  الشوكاني ،  دار ابن حزم ، الطبعة الأولى ج2/ ص 397

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق