من المعلوم أن للأسرة مكانة عظيمة في المجتمع ؛ فالمجتمع إنما يتكون من الأسر ، والأسرة تتكون من الأفراد، كالبناء الذي
يتكون من الأسس واللبنات، وبقدر قوة الأسس وقوة اللبنات وانتظامها يكون البناء
صرحا شامخا، وحصنا راسخا، كذلك المجتمع الإنساني إنما يكون صالحا بصلاح
أفراده وأسره التي يتكون منها ، فإذا صلحت الأسر صلح المجتمع ، وإذا فسدت الأسر فسد
المجتمع ......
ولأجل ذلك اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغا
وجعلها الخلية الأولى في المجتمع ، و أحكم صياغة نظامها أحسن إحكام ، وأتقن
تشريعاتها خير إتقان ، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة من شؤونها إلا وبينها وشرع لها من
الأحكام ما يحفظ كيانها من جانب الوجود أو العدم.
وعلى هذا النهج سار قانون الأسرة الجزائري
الصادر عام 1984م ، فاهتم هو الآخر بشؤون الأسرة
وعرفها – في المادة [2] - بأنها:" الخلية الأساسية للمجتمع وتتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية وصلة
القرابة ". وسن من القوانين ما يحفظ مصالحها ويدرأ مفاسدها ، وقد جاءت نصوصه مستمدة من أحكام الشريعة
الإسلامية على مختلف مذاهبها الفقهية ، فقد ورد في
ديباجة
المشروع التمهيدي ما يلي[1]:
"اعتمدت اللجنة في وضع هذه النصوص على المصادر
الأساسية التالية: - القرآن الكريم- السنة
النبوية الثابتة ثبوتا مقبولا عند علماء الحديث- الإجماع-
القياس- الاجتهاد- الفقه على المذاهب الأربعة
وعلى غيرها في بعض المسائل..."
ونصت
المادة 222 على ما يلي: ((كل ما لم يرد النص
عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية))،
فهذا
النص
يسمح للقاضي بالعودة إلى أحكام الشريعة الإسلامية – دون تحديد لمذهب فقهي
معين – إذا عُرِضت عليه مسألة لم يرد بشأنها نص قانوني.
وقد ظل قانون الأسرة كذلك – منذ صدوره سنة
1984م إلى غاية سنة 2005م حيث أدخلت عليه بعض التعديلات ، التي عطلت مواد قانونية كانت مستمدة من الشريعة
الإسلامية مباشرة .
و
يعود فتح ملف تعديل قانون الأسرة بالدرجة الأولى إلى المنظمات النسوية، التي
استطاعت تمرير مطالبها مستقوية بالمتغيرات الدولية ، التي كان من أبرزها إعادة
النظر في مسألة حقوق الإنسان ، وخاصة حقوق المرأة والطفل ، وفقا لما نصت عليه
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر ، منها : "اتفاقية سيداو" أو "CEDAW " وهي عبارة عن اختصار للكلمات الآتية:
و تسمى أيضا "اتفاقية بكين"، وقد بدأت تنشط رسميا عام 1981 م ووقعت عليها الجزائر في 22 ماي 1996م ، و هي اتفاقية دولية هدفها الظاهري الاهتمام بقضايا المرأة في العالم والدفاع عنها ، وجعلها مثل الرجل في كل شيء ؟ إلا أنها تتضمن في باطنها تهديدا خطيرا للأسرة المسلمة ، وإفسادا للفطرة الإنسانية عموما ، وما جاء فيها من بنود مصادم لنصوص الشريعة الإسلامية ، وغريب عن ثقافة وأعراف مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، ومن جملة بنودها:
"Convention on the Elimination of All Forms of
Discrimination Against Women"
وتعني باللغة العربية "اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز
ضد المرأة"
"أو بتعبير آخــــــــــر المساواة
الكاملة المطلقة بين الرجل و المــــــرأة "
و تسمى أيضا "اتفاقية بكين"، وقد بدأت تنشط رسميا عام 1981 م ووقعت عليها الجزائر في 22 ماي 1996م ، و هي اتفاقية دولية هدفها الظاهري الاهتمام بقضايا المرأة في العالم والدفاع عنها ، وجعلها مثل الرجل في كل شيء ؟ إلا أنها تتضمن في باطنها تهديدا خطيرا للأسرة المسلمة ، وإفسادا للفطرة الإنسانية عموما ، وما جاء فيها من بنود مصادم لنصوص الشريعة الإسلامية ، وغريب عن ثقافة وأعراف مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، ومن جملة بنودها:
v تساوى المرأة مع الرجل في الميــــراث.
v إباحة الإجهاض
ما دام برضــا الزوجين .
v إباحة الزنا ما
دام برغبة وموافقة الفتاة.
v للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها دون موافقة أهلـــــــها.
v للمرأة الحق في التخلص
من زوجها لأي سبب بالخلع.
v للمرأة رفض الأعمال المنزلية لأنها أعمال بغير أجــر.
ونتيجة
لمصادقة الجزائر على هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي تؤكد على
ضرورة إعادة النظر في حقوق المرأة ، من خلال إعادة النظر في التشريعات
الداخلية ... أمر فخامة رئيس الجمهورية بإنشاء لجنة لمراجعة قانون الأسرة متكونة
من 52 عضوا، تابعة لوزارة العدل برئاسة السيد :"محمد زغلول " ( رئيس
المحكمة العليا). حيث أدخلت على قانون الأسرة بعض التعديلات ، التي عطلت مواد قانونية كانت مستمدة من الشريعة
الإسلامية.
ومن
ضمن التعديلات التي حاد فيها قانون الأسرة عن الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه - تمشيا مع ما نصت عليه اتفاقية سيداو - : تعديل
المادة[11] المتعلقة
بالولي.
جاء في المادة 11:(الأمر
رقم 05 ـ 02 المؤرخ في 27 فبراير 2005):
"تعقد المرأة الراشدة
زواجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص آخر تختاره.
دون الإخلال بالمادة 7 من هذا القانون, يتولى زواج القصر أوليائهم وهو الأب, فأحد
الاقارب الاولين والقاضي ولي لمن لا ولي له"
نلاحظ
من خلال الجزء الأول من هذه المادة ، أن القاعدة القانونية أصبحت ضمنية وليست
صريحة ، بمعنى أن إضافة عبارة " أو أي شخص آخر
تختاره"، جعلت حضور الولي وعدمه سواء.
فما
الفائدة من الحديث عن "الولي" ما دام مميعا إلى درجة أن المرأة التي
تريد الزواج في مقدورها جر أي شخص من
الشارع وتقديمه لموظف مصلحة الحالة المدنية أو الموثق على أنه وليها ؟ وقد كان نص المادة قبل التعديل :" يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين
والقاضي ولي من لا ولي له".
وبهذا
يكون قانون الأسرة المعدل قد خالف الفقه
الإسلامي بمختلف مذاهبه في هذه المسألة.
فقد اتفق الجمهور غير الحنفية على اشتراط الولي في النكاح
، فلا يصح الزواج إلا بولي، لقوله تعالى: "فلا تعضُلوهن أن ينكحن أزواجهن" [البقرة:232] قال الشافعي: هي أصرح آية في اعتبار
الولي، وإلا لما كان لعضله معنى. ولقوله صلّى الله عليه وسلم : «لا نكاح إلا بولي»
(أخرجه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ) وهو لنفي
الحقيقة الشرعية ، بدليل حديث عائشة: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها
باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا
فالسلطان ولي من لا ولي له» (أخرجه البيهقي
في سننه الكبرى ج 7/ ص 105 حديث رقم:
13378) .
ولا يصح حمل الحديث الأول على نفي الكمال؛
لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية ، أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي.
والأحناف حينما صححوا النكاح بلفظ المرأة جعلوه موقوفا
على إجازة الولي ، و الأولياء – عند جميع الفقهاء- هم قرابة المرأة: الأدنى فالأدنى[2]،
الذين يلحقهم العار إذا تزوجت بغير كفء، وكان المزوج لها غيرهم[3].
أما
أن يكون ولي المرأة " ... أي شخص آخر تختاره"
فهذا ما لم يقل به أحد من أهل العلم ، فالحنفية الذين
صححوا النكاح بلفظ المرأة قد اشترطوا لصحة النكاح
ألا يكون العاقد ولياً أبعد مع وجود الولي الأقرب المقدم عليه : وهو شرط
نفاذ عند الحنفية، فإن زوج الولي الأبعد مع وجود الأقرب منه، كان العقد موقوفاً
على إجازة الولي الأقرب.
وهو شرط صحة عند الشافعية والحنابلة ، فلا
يصح زواج الولي الأبعد مع وجود الأقرب ، إلا إذا كان هناك مانع كالجنون واختلال
النظر بهرم أو خَبَل (فساد في العقل)، والصغر، والحجر بسفه، والعضل (أي المنع من
الزواج بغير حق).
وقال المالكية: إن كان الولي الأقرب غير
مجبر كالابن والأخ والجد والعم، كان العقد صحيحاً مكروهاً. وإن كان الأقرب ولياً
مجبراً (وهو الأب) فسخ العقد أبداً، إلا إذا أجازه الولي الأقرب[4].....
واشتراط
الولي في الزواج إنما هو في مصلحة المرأة ؛ لان الزواج له مقاصد متعددة، والمرأة
كثيرا ما تخضع لحكم العاطفة ، فلا تحسن الاختيار، فيفوتها حصول هذه المقاصد ،
فمنعت من مباشرة العقد وجعل إلى وليها ، لتحصل على مقاصد الزواج على الوجه الأكمل . وفي عدم
اعتبار الولي ضياع لتلك المصالح كلها ؛ كما أنه ذريعة إلى التفكك الأسري وتغريب المجتمع الجزائري وخروج
البنات عن طاعة أوليائهن ....... علاوة على مخالفته
للفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه.
وقد جاء هذا التعديل نتيجة لاتفاقية سيداو كما أسلفنا ، ومن
هنا ندرك مخاطر هذه الاتفاقية على مجتمعنا ، فهي من جملة
المخططات الهادفة إلى سلخ الأمة عن هوتها وأصالتها وقيمها بضرب مكوناتها الأساسية ، وهي الأسرة التي تقوم – في
الإسلام - على الطهر والعفاف والتماسك والاحترام المتبادل بين مكوناتها وأركانها.
وأمام هذه المخاطر التي تهدد مجتمعاتنا يجب
على المسلمين عموما وعلى أهل العلم خصوصا أن يقفوا صفا واحدا في وجه هذه المخططات
الرهيبة ، الرامية إلى طمس شخصية الجزائريين وتغريبهم بسلخهم عن قيمهم الأصيلة ، وزعزعة
بنيانهم العقائدي والثقافي والاجتماعي ...
[2] الآباء والابناء
أولى من غيرهم ، ثم الاخوة لابوين، ثم الاخوة لاب ، أو لام، ثم أولاد البنين ، وأولاد
البنات، ثم أولاد الاخوة، وأولاد الاخوات، ثم الاعمام، والاخوال، ثم هكذا من بعد
هؤلاء.
[3] الفِقْهُ الإسلاميُّ
وأدلَّتُهُ . تأليف الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ . الناشر : دار الفكر - سوريَّة
– دمشق . ج 9 / ص 75
[4] الفِقْهُ
الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ . تأليف الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ . الناشر : دار
الفكر - سوريَّة – دمشق . ج 9 / ص 78
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق