......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 23 يناير 2015

محاضرة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعنوان :

الإساءة إلى سيد الكائنات
           أبعاد ودلالات

الحمد لله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، وأكرمنا بهذه الشريعة الإسلامية الواضحة الغراء  ،  القائمة على أساس جلب المصالح و درء المفاسد ، فمن اتبع هداها نال سعادة الدنيا والآخرة ، و من جحدها وكفر بها حشر في زمرة الأشقياء الجاهلين ، والكفرة الفاجرين .
والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين ، وسيد الأولين والآخرين ، محمد بن عبد الله أكرم الرسل ، وأفضل البشر ، وأول العظماء الخالدين ،  صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وصحابته أجمعين ، ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين . أما بعد /

مقدمة

أمام هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام ، ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ، يتعين على المسلمين عموما وأولي المواهب خصوصا أن يتحركوا للدفاع عن نبيهم ورسالته الخالدة ، كل منهم حسب طاقته وجهده ، فأمة الإسلام أمة خيّرة ، بل هي خير الأمم على الإطلاق ، وخيريتها متوقفة على مدى دعوتها للحق ، وحمايتها للدين ومقدساته ، ومحاربتها للباطل بمختلف أشكاله ، والأصل في ذلك قوله  تعالى   : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله "[آل عمران  110]
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان "  رواه مسلم
فتغيير المنكرات على ثلاث مراتب : التغيير باليد ، والتغيير باللسان ، والتغيير بالقلب ، وذلك حسب طبيعة المنكر المراد تغييره ، وطبيعة الشخص الهام بتغييره .
·      فيجب التغيير باليد على كل من تمكّن من ذلك ، بشرط ألا يُؤدّي التغيير باليد إلى حصول مفسدةٍ مماثلة لذلك المنكر أو أكبر منه ، فمن الأصول الشرعية الثابتة : "الضرر لا يزال بمثله و لا بما هو فوقه من باب أولى ". ومنها أيضا:  " إذا كانت المفسدة هي الغالبة درأناها ولا نبالي بفوات المصلحة".
·      فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى التغيير باللسان .
·       فإذا عجز عن التغيير بالفعل والقول  ، فلا أقل من تغيير المنكر بالقلب ، وهذه المرتبة الأخيرة  فرض عين على كل مكلف ، فلا يُعذر أحد بتركها ؛ لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد : جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس. "  
وإذا أهملت الأمة القيام بهذا الواجب وضيعته بالكلية ، كانت مهددة بنزول العقوبة الإلهية عليها ، واستحقاق الغضب والمقت من الله تعالى ، والمتأمل في أحوال الأمم الغابرة ، يجد أن بقاءها كان مرهونا بأداء هذه الأمانة ، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر شيء من أخبار تلك الأمم ، ومن أبرزها أمة بني إسرائيل التي قال الله فيها : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون( المائدة : 78 - 79 ) .
و ما هذه الحاضرة المختصرة في نصرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلا إسهاما متواضعا في تغيير المنكر ومحاربة الباطل باللسان ، حسب طاقتنا وجهدنا ؛ إذ " لا تكليف إلا بقدور ".
وقد هيكلت هذه المحاضرة على النحو الآتي:

المطلب الأول : الإســـــاءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قديمة متجــــددة
المطلب الثاني : عوامل الإســـــاءة  إلى النبي محمد صلى الله عليه وســـــلم
    العامل الأول:  الحســـــــد والعــــــلل المرضـــــــية الكــــــامنة في النفــــوس
العامل الثاني: استهداف الرســـــالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم
 العامل الثالث: التخــــوف من المد الإســـــــــــــــــلامي في البلاد الغــــربية
    العامل الرابع:  إشعال نار الحرب بين العالم الإســــــــلامي والعــــــالم الغربي
 العامل الخامس: كون فرنسا تمثل عمق الصليبية الحاقدة على الإســــــــــلام
العامل الســـــادس : تخلـــــــــف المسلــــــــــين وفســــــاد أخـــــــلاقــهـــم
المطلب الثالث : نصرته  صلى الله عليه وسلم من مقتضيات الإيمان والمحبة
كالمطلب الرابع : كيفية نصــــــــرته  صـــــلى الله عليه وســـــــلم  وآلياتــــــها



         المطلب الأول: الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قديمة متجددة

الإساءة إلى الأنبياء  - عموما – سنة قديمة ، فهي سنة جارية من سنن الله تعالى في التعامل مع أحبائه وأصفيائه  ، فلا أحد أكرم عليه من أنبيائه ورسله ، ومع ذلك ما منهم من أحد  إلا وقد أوذي من وقومه أذى كبيرا ، قال تعالى: "وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ" (الأنعام34).وقال تعالى- في شأن نبيه نوح عليه السلام - :" .. وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ "( هود 38- 39).
أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد لاقى من الإساءة والإيذاء أنواعا كثيرة ، قال صلى الله عليه وسلم:
"لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال " [أخرجه الترمذي في أواخر باب الزهد . وقال هذا حديث حسن صحيح]

من صنوف الإساءة التي تعرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

1- ما رواه عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فى حجر الكعبة إذ أقبل عقبة ابن أبى معيط فوضع ثوبه فى عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل ابو بكر حتى أخذ بمنكبه ، ودفعه عن النبى صلى الله عليه وسلم وقال ك أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ؟. [صحيح البخاري:ج3/ص1400 ح3643]

2-  ومنها ما رواه عبد الله ابن عمر قال : بينا النبى صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش ، جاء عقبة ابن أبى معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر النبى صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه ، فجاءت فاطمة رضى الله عنها فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك . [أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" ح3854]

3- ومنها ما رواه الطبرى وابن اسحاق أن بعضهم عمد الى قبضة من التراب فنثرها على رأسه وهو يسير  فى بعض سكك مكة ، وعاد إلى بيته و التراب على رأسه ، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب و هى تبكى ورسول الله يقول لها : "يا بنية لا تبكى فإن الله مانع أباك".

4- ومنها ما كانوا يواجهونه به من فنون الهزء و الغمز و اللمز كلما مشى بينهم أو مر بهم فى طرقاتهم أو نواديهم ، قال الله تعالى :"وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ "(الانبياء36). وقال تعالى "وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا" (الفرقان41).

5- ومنها أنه حينما ذهب إلى أهل الطائف يعوهم إلى الإسلام  ردوا عليه رداً منكراً، وأغروا به سفهاءهموعبيدهم يسبونه ، ويصيحون به
وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجليه صلى الله عليه وسلم  لتدميان ، وزيد ابن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه عدة شجاج..
ولقد استقبل صلى الله عليه وسلم  تلك المحن كلها راضياً ، وتجرع تلك الشدائد كلها صابراً محتسباً ،  ولو شاء  أن ينتقم من السفهاء الذين آذوه وأساءوا إليه  لفعل ، ولكنه صلى الله عليه وسلم  لم يشأ أن يفعل ذلك ؛ لأنه إنما بعث رحمة للعالمين .
فقد جاءه ملك الجبال ، وقال له "....قد بعثنى ربك إليك لتأمرنى بأمرك فما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [ الجبلين] فقال رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً". [النسائي في سننه الكبرى رقم 7706].

6- ومنها ما لقيه صلى الله عليه وسلم من النافقين كان أدهى وأمر ، فقد أساءوا إليه ظاهرا وباطنا ، وخير دليل على ذلك حادثة الإفك ، التي روج لها المنافقون ، وتولى كبرها أبي بن سلول ، حتى ظلت المدينة ليالي وأياما تخوض في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلما وزورا، ثم نزلت براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
 وقد كان ما سمعه صلى الله عليه وسلم من كلام ابن أبى مسوغاً كافياً لأن يأمر بقتله بحسب الظاهر ، ولكنه صلى الله عليه وسلم استقبل الأمر بصدر أرحب من ذلك ، فلما جاءه عبد الله بن أبي بن سلول يعرض عليه صلى الله عليه وسلم أن يتولى هو قتل أبيه إذا كان الرسول يريد أن يحكم بذلك ، ولكنه فوجئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يكن متوقعاً حينما قال له: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا ، فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". [سنن الترمذي:ج5/ص417 ح3315]

فما أعظم محمدا وما أرحمه وما أحوج العالم إليه ، فهو كالشمس التي أعدت ليهتدي الناس بنورها في ظلمات البر والبحر؛ بحيث يجد كل ناشد للكمال  في شخصه صلى الله عليه وسلم  ما يقر عينه ، ويريح ضميره ، ويشرح صدره ، وينير السبيل أمامه ،  إلا أن ذلك قد تعذر على من حبسوا أنفسهم في سجون الرذائل والدنايا ؛ حتى عميت قلوبهم وانطمست بصائرهم ، فبدل أن يلتمسوا أشعة مضيئة من نور محمد  صلى الله عليه وسلم راحوا يؤذونه ويسيئون إليه ، وصدق الله العظيم إذ يقول : "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [الحج44]  وكما قال الشاعر :
قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمد               وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من ســـقمِ

المطلب الثاني: عوامل الإساءة  إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم

و لا تزال الإساءة إلى خير الأنام متواصلة إلى يومنا هذا - لأنها سنة مطردة -  ومن ذلك الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت في بلدان غربية عديدة  ، آخرها ما نشرته مجلة شارلي الفرنسية ، على إثر الهجوم التي تعرضت له ، وهذه الإساءات المتكررة لها أبعادها ودلائلها ، ولها عواملها ودافعها ، وعلى المسلمين وعقلاء العالم أن يدركوا تلك الحقائق ، التي نذكر منها:

  العامل الأول : الحسد والعلل المرضية الكامنة في النفوس

فالذين أساءوا إلى نبي الهدى والحرمة لم يفعلوا ذلك عن جهل بحقيقته ، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وقد قال الله تعالى - في أقوام من قبلهم قد تشابهت قلوبهم -  : " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " (البقرة146).
فكونهم فعلوا ذلك عن جهل بنبوته وسمو مكانه احتمال بعيد ..؟ وإنما بدافع الحسد ، وهو داء عضال قديم قدم الإنسان نفسه ، وسببه:
أن النفوس العليلة تضيق وتختنق من شدة الغيظ عندما ترى إنسانا اكتملت في نفسه خصائص العظمة ، وتكاثرت عليه مواهب الله ونعمه ، فلن تستريح تلك النفوس حتى تزول النعمة، أو تنطفئ معالم العظمة ، أو يتحقق الإخفاق لأصحابها ،  وهيهات أن يتم لهم ذلك ؛ فقد اقتضت حكمة الباري جل ثناؤه أن تتكاثر النعم على المحسود ، وأن تأكل نار الحسد أصحابها .
إن يحسدونني فإني غير لائمهـــم       غيري من الناس أهل لفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهموا        ومات أكثــرنا غيـظا مــــــا يجـــــــــــدوا
فلم يبق أمام الحاسدين ما يروحون به عن ضمائرهم ، وينفسون به عن بركان غيظهم  الذي يكاد يفجر صدورهم، إلا التعليقات المسيئة ، والتشويهات المتعمدة  للآثار الطيبة لأولئك العظماء ، ومهما تنوعت وسائل الإساءة فهي عائدة إلى هذه العلة المنتنة ، قال لشيخ محمد الغزالي               - رحمه الله - مبرزا أساب هذه الرذيلة - : "إن الدميم يرى في الجمال تحدّياً له، والغبي يرى في الذكاء عدواناً عليه، والفاشل يرى في النجاح إزراءً به، وهكذا  !! فماذا يفعل النوابغ والمبرزون ليريحوا هذه الطبائع المنكوسة؟" وصدق القائل :
إذا محاسني التي أدل بها        كانت ذوبا فقلي كيف أعتذر
وقال الكاتب الأمريكي الشهير ديل كارنيجي: " كثير من الناس يجدون تشفّياً في اتهام شخص يفوقهم ثقافة أو مكانة أو نجاحاً.." وضرب أمثلة عديدة لذلك لا يتسع المقام لعرضها ، فها أنت ترى العلماء والعقلاء - من أي ديانة كانوا- متفقين على تقرير هذ الحقيقة المرة .
ولنرجع إلى القرآن العظيم  لنضبط به أفكارنا وقوم به تصوراتنا ، فهو يصور هذه الحقيقة ، ويكشف عن ملابساتها في العديد من آياته ، و من ذلك : قوله تعالى : " أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا "(النساء54).
وقال تعالى :"وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(البقرة109).
 فهم يودون رد المؤمنين عن الدين الذي جمع الله به أمرهم ، والدافع لذلك هو  الحسد الذي فاضت به نفوس هؤلاء الكفرة الفجرة تجاه الإسلام والمسلمين ، وما زالت تفيض ، وهو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال تنبعث كما نشاهد .
 وقد كشف القرآن للمسلمين عن هذه الحقيقة ليعرفوها ، ويعلمون أنها السبب الكامن وراء كل الجهود المبذولة لزعزعة العقيدة في نفوسهم؛ وردهم بعد ذلك إلى  الكفر الذي كانوا فيه ، والذي أنقذهم الله منه بالإيمان ، أو الحيلولة بين الإسلام ودخول الناس فيه ......
وأمام هذه الحقيقة المرة التي تنكشف فيها القصد السيئ والحسد اللئيم ، يدعو القرآن المؤمنين إلى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد ، والشر بالشر ، ويدعوهم إلى الصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره ، وقتما يريد :{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

  العامل الثاني : استهداف الرسالة الإسلامية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم4

فالإساءة لا تستهدف شخص النبي صلى الله عليه وسلم  بقدر ما تستهدف الرسالة التي جاء بها ، فهي من جملة الصراع القائم بين الحق والباطل ، وهو صراع مستمر إلى يوم الدين ، وقد كشف لنا القرآن المجيد عن طبيعة أعداء الإسلام  أيا كان ديانتهم وتوجهاتهم ، وما يضمرونه من الأحقاد لهذا الدين ومعتنقيه ، وأنهم لا يهدأ لهم بال و لا يستريح لهم ضمير حتى يوقفوا مسيرته الربانية الهادفة إلى إسعاد البشرية في عاجلها وعاقبة أمرها ، قال تعالى:" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ "(البقرة120).
 وَ[ لَنْ] للتأبيد كما قال الزمخشري ، وهي كذلك هاهنا ، فلن يأتي يوم يرضى فيه هؤلاء القوم عن محمد وأتباعه ما داموا متمسكين بإسلامهم ، فإن انسلخوا عن دينهم رضي اليهود والنصارى عن ذلك واطمأنوا به ، وعدم رضاهم عن الإسلام يدفعهم إلى محاربته وإبادة معتنقيه إن اقتضى الأمر ، قال تعالى:" وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  "( البقرة 217).
فانظر إلى قوله تعالى : " وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ... " ففعل[لا يزال] يفيد الدوام والاستمرارية ، وهذا يعني أن قتالهم لنا لن يتوقف إلى غاية إخراجنا ع ديننا ، وإذا أبينا الارتداد عن ديننا ظل القتال متواصلا ، قد يكون هذا القتال عسكريا ، وقد يكون قتالا فكريا ثقافيا .
ولكي يكون المؤمنون على على دراية بما يبيت لم من مكائد ودسائس أوضح القرآن لهم هذه الحقائق ، بل وكشف لهم عما تخبئه الضمائر ، حيث قال تعالى: " قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ"(آل عمران118)

وما هذه الإســـــاءات المتكررة إلا أحد أنواع الحرب المعلنة على الإسلام ومعتنقيه .
وكل ما بدا لنا من أحقاد وعداء هو جزء ضئيل مما خفي وراء الصدور و الستور . 

  العامل الثالث : التخوف من المد الإسلامي في البلاد الغربية .

فمما لاشك فيه أن الإسلام ينتشر بسرعة في البلدان الغربية ، فعلى الرغم من حملات الدعاية المعادية للإسلام لتشويه تاريخه وحضارته ومبادئه ، يسارع الكثير من الغربيين إلى اعتناق الإسلام ، متخطين حواجز البيئة الثقافية والاجتماعية ، ومتخطين الواقع المر لتخلف المسلمين وصورتهم المشوَّهة ، التي تعاون على رسمها المسلمون بتخلفهم ، والحاقدون من الغربيين بمكرهم ، ومع ذلك كله لا زال الإسلام هو الدين الأكثر انتشاراً في العالم وفي التاريخ ، وهذا أمر طبيعي ؛ لأن الإسلام هو دين الفطرة ، الذي تتقبله العقول والطباع السليمة ، وتهنأ في رحابه النفوس ، وتستريح في ظله الضمائر .....
 وهذه الحقيقة قد أكدها الباحثون من المشتغلين بدراسة الأديان ،  وتقاريرهم وأقوالهم في ذلك كثيرة ، نذكر منها:
·   تقول الكهنوتية الأمريكية كارول أنوي : "الإسلام هو أسرع الأديان انتشاراً في أمريكا الشمالية".
·    ويقول الدكتور هستون سميث : "إن الإسلام في هذا العصر كما في العصور السابقة أسرع الأديان إلى كسب الأتباع المصدّقين".
·   ويقول المبشر جون تكل : "الإسلام آخذ في الانتشار رغم أن الجهود التي تبذل في سبيله تكاد تكون في حكم العدم".

والخلاصة: هذا المد الإسلامي المتنامي في الغرب يخيف المناوئين الإسلام كثيرا ؛ لأنهم يرون  الإسلام أعدى أعدائهم ؛ لذلك يتخوفون منه ، ومن ثم  يحاربونه بشتى الوسائل والطرق ، التي من جملتها الإساءة إلى النبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ، والهدف من ذلك واضح ، وهو : صد الناس عن  الدخول في هذا الدين" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" ) التوبة  ( 32.

  العامل الرابع :  إشعال نار الحرب بين العالم الإسلامي والعالم الغربي

وهذا عامل آخر للإساءة ، وهو عامل قديم متجدد ، أبطاله اليهود عموما ، والموساد خصوصا ، فالاحتمال الأكثر ورودا أن  يكون من وراء  تفجير " شارلي إيبدو "  - و ما  تبعه من الإساءة وأعمال العنف المعادية لإسلام في فرنسا وغيرها – أياد يهودية تعمل في الخفاء ، وغايتها إيقاد نار الفتنة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ، مستغلين الضروف التي يمر بها العالم عموما والأمة الإسلامية خصوصا ؛ فمن طبيعة هؤلاء القوم - منذ القدم -  المكر والخداع وإثارة الفتن ، وإشعال نار الحروب  ، وفي القرآن العظيم : "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (المائدة64) فهم يوقدون نار الحروب بالإِغراء وقالة السوء ، و التحريش بين الأفراد والجماعات ، وبين الأمم والشعوب ، والواقع التاريخي شاهد على ذلك ، ولو أجري تحقيق دولي عادل ودقيق لانتهى في الأخير إلى أن أغلب مصائب العالم سببها اليهود ، بما في ذلك تفجير مقر مجلة شارلي  ، ولو كان منفذه المباشر من أتباع الدين الإسلامي ؟ وقد توعد الله جل جلاله بإطفاء ما يوقدون من نار الحروب ؛ فلن يفلحوا فيما أرادوه أبدا.
لكن على عقلاء العالم  - من أي ديانة كانوا- التفطن لهذه الحقيقة المرة ؛ لئلا يصيبوا قوما بجهالة فيصبحوا على ما فعلوا نادمين

 العامل الخامس : كون فرنسا تمثل عمق الصليبية الحاقدة على الإسلام.

و لا يفوتنا في هذا الصدد الكشف عن حقيقة تاريخية مؤلمة ، وهــــــــي : أن فرنسا تمثل  عمق الصليبية الحاقدة على الإسلام ومعتنقيه ، والدلائل على ذلك لا حصر لها ، وأبرزها ما فعلته في الجزائر من أساليب لم يشهد التاريخ لها مثيلا ،  فلم تكن حملتها على الجزائر سنة 1830م، مجرد هجوم عسكري غرضه تأديب الداي حسين حاكم الجزائر الذي ادعت فرنسا أنه أهان قنصلها في الحادثة الشهيرة المعروفة بحادثة المروحة، بقدر ما كانت حملة صليبية هدفها القضاء على عقيدة التوحيد لتحل محلها عقيدة الصليب ، وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله:
" الاستعمار الفرنسي صليبي النزعة ، فهو - منذ احتل الجزائر- عاملٌ على مَحْوِ الإسلام لأنه الدين السماوي الذي فيه من القوة ما يستطيع به أن يسودَ العالم ، وعلى مَحْوِ اللغة العربية لأنها لسانُ الإسلام ، وعلى محو العروبة لأنها دعامة الإسلام ، وقد استعمل جميع الوسائل المؤدية إلى ذلك ، ظاهرة وخفية ، سريعة ومتأنية."
ومن تلك الوسائل التي أشار إليها البشير الإبراهيمي:
1)  إطلاق العنان للمبشرين والمنصِّرين للعمل على تنصير أكبر عدد ممكن من الجزائريين، وحملهم على الارتداد عن عقيدتهم الإسلامية، وذلك باستعمال كل وسائل الإغراء والترغيب التي أتيحت لهم.
2)  تشجيع الإلحاد والتمكين لعوامله في النفوس، فقد رضي الاستعمار بالإلحاد من الجزائريين إذا هو عجز عن تنصيرهم ؛ لأن الغاية هي محاربة الدين الإسلامي .
3)  التشويه والتحريف لحقائق الإسلام بتشجيع الطرق الصوفية المنحرفة ، وتقديمها على أساس أنها تمثل الإسلام الصحيح ، وأنها هي الوصية على الدين في هذه البلاد، وأن من كان يريد التدين بالإسلام والاحتفاظ بعقيدته الدينية ، فما عليه إلا الالتزام بما تسير عليه هذه الطرق، لأن ما تدين به وتمارسه من طقوس هو الدين الصحيح، وأما ما عداه فكله باطل وضلال.
4)  محاربة اللغة العربية باعتبارها الوسيلة إلى فقه الدين ومعرفة أحكامه والاطلاع على تعاليمه، فلكي يتم له فصل المسلمين الجزائريين عن دينهم، كان لا بد من فصلهم عن وسيلتهم لتعلم الدين وتطبيقه وهي اللغة العربية.. لذلك لم يتوان الاستعمار منذ البداية في إعلان الحرب على اللغة العربية، من خلال العمل على غلق الكتاتيب القرآنية ومكافحة التعليم العربي والتضييق على كل ما من شأنه أن يبقي على اللغة العربية ويحافظ على وجودها.. وفي المقابل ألزم الاستعمار المدارس بتعليم اللغة الفرنسية والعمل على ترسيخها على ألسنة الجزائريين.
5)  تحريف التاريخ وطمس الهوية الحضارية الجزائرية ؛ لكي ينس هذا الشعب أمجاده ، و يتصور حقائق تاريخه تصورا مقلوبا مشوها ، حتى تضعف فيه ملكة التأسي بأسلافه الذين مضوا ، لأجل ذلك  كان الاستعمار الفرنسي يحارب التاريخ الإسلامي والتاريخ العربي والآداب العربية من أساسها ، لما يعلمه من تأثير التاريخ والآداب في إحياء الشعوب، خصوصا التاريخ العامر بالمفاخر المملوء بالمآثر، كتاريخ الإسلام عموما وتاريخ العرب بوجه خاص .  
 ومن مظاهر تزييف التاريخ وقلب حقائقه: نشر دعاوى تقول بأن الجزائريين منحدرون من نفس الأصل الذي ينحدر منه الفرنسيون ، وأنهم جميعا أحفاد للغاليين ، ولذلك فإن الجزائريين فرنسيون في الحقيقة، وما عليهم إلا أن يقتنعوا بهذه الدعوى ويحرصوا على الإخلاص لفرنسا والذوبان فيها ونسيان ما سوى ذلك من أفكار وقيم ومفاهيم.
6)  مسخ الخُلُق الإسلامي ونشر الرذائل في المجتمع ،حيث حرص الاستعمار الفرنسي على نشر الإباحية في واقع المجتمع الجزائري ، وتشجيع السلوكات اللا أخلاقية المنحرفة ، حتى يتحول الفرد الجزائري إلى مجرد حيوان هَمُّهُ شهواتُه، فينشغل عندئذ بالعمل على إشباع شهواته وينسى حقيقته وواجباته المنوطة به والمتمثلة في العمل على التحرر من رق الاستعمار وقيوده.
7) و لما أبى الشعب الجزائر أن يحيد عن أصله قوبل بأبشع جرائم  التقتيل والاضطهاد والتعذيب والإبادة الجماعية ؛ و تفنّن مصاصوا الدّماء من قادة الجيش الفرنسيّ في التنكيل بالجزائريين ، وابتدعوا من أساليب التّعذيب والقتل ما لم يكن يخطر على بال أحد قبل ذلك ، وجرائمهم في ذلك غير خافية و لا تحتاج إلى دليل ،  والعجيب أنهم كانوا يتحدّثون عن جرائمهم البشعة بكلّ فخر ونشوة واعتزاز؟
·   فهذا الجنرال الدمويّ "مونتانياك" الذي كان يقود الجيش الفرنسي الاستعماري بنواحي سكيكدة، كتب بتاريخ 02/02/1942م رسالة إلى الرّئيس الفرنسيّ يتباهى فيها بوصف ما كان يقترفه في حقّ الشّعب الجزائريّ الأعزل، قال فيها:" كنّا نلاحق العرب حيثما وجدناهم ونستولي على كلّ ما بأيمانهم من النساء والأطفال والقطعان والأشياء الثمينة... وفيما يتعلق بالنساء، فإنّنا نأخذ بعضهنّ سبايا ونقايض الباقي بالخيل أو نبيعهن في المزاد العلني مثل الحيوانات"  .
    ويقول في كتابه "رسائل جندي" واصفا القمع الوحشيّ في إحدى المعارك:" لقد أحصينا القتلى من النّساء والأطفال فوجدناهم ألفين  
    وثلاثمائة، أمّا عدد الجرحى فلا يكاد يذكر، لسبب بسيط هو أنّنا لم نكن نترك جرحاهم على قيد الحياة."
·   أمّا الجنرال " كافينياك " فإنّه هو الآخر لا يجد أيّ حرج في الاعتراف بجريمته في إبادة قبيلة بني صبيح عام 1844م، فيقول: " لقد تولّى الجند جمع كميات هائلة من أنواع الحطب، ثمّ كدّسوها عند مدخل المغارة التي حملنا قبيلة بني صبيح على اللجوء إليها بكل ما تملك من متاع وحيوانات، وفي المساء أضرمت النيران وأخذت الاحتياطات كي لا يتمكن أي كان من الخروج حيا  ."      
وهذا قليل من كثير و لو ذهبنا  نعد جرائم الاستدمار الفرنسي لأعينا إحصاؤها  ، إلا أنها جرائم يستحيل نسيانها ، ولا يستغرب من أولي هذه الأساليب المؤلمة أن يسيئوا إلى سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم ؟ كما لا ينتظر منهم أن يحسنوا صحبة أتباعه يوما ما ؟

 العامل السادس : تخلف المسلين وفساد أخلاقهم

لا أحد ينكر ما للأخلاق الحسنة من تأثير بالغ في النفوس ، إذ هي مجبولة على الانجذاب – طوعا – إلى محاسن الأخلاق ، كما هي مجبولة على النفرة من أضدادها ، وفي الحديث: "  إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق[1] " . ولهذا كانت وظيفة النبي محمد إتمام كل خلق كريم ، قال صلى الله عليه وسلم  :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[2] ".  وروي عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قال  : "  أدبني ربي فأحسن تأديبي [3] "  يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله - : " فإذا نظرت إلى عصر النبوة وجدت أن محمدا عليه الصلاة والسلام رباه الله جل جلاله ليربى العرب به ، وربى العرب به ليربى بهم الناس أجمعين !!  [4]"
وإن هذا القول لجدير بالتأمل ،  فإن الله تعالى قد أدب نبيه بذلك الأدب الرفيع لنتأدب نحن بآدابه ، فإذا تأدبنا نحن بآدابه تأدب العالم كله بآدابنا ، و لكن هل نحن – حقا- من الطراز الذي يؤدب الناس أجمعين ، أم أننا نحتاج إلى من يؤدبنا  ؟ ! و ما أخال الإجابة عن هذا السؤال خافية على ذي بصيرة ! فأوضاع الأمة الإسلامية قد أضحت مكشوفة للعالمين ، في مختلف الأصعدة والميادين ؟؟ 
وماذا قدمنا للناس لكي يقتدوا بنا ويتأدبوا بآدابنا  ؟   فإن النفوس كما جبلت على من أحسن إليها ، فقد جبلت أيضا على الاقتداء بمن يفوقها قدرا ، في أي مجال من المجالات ، والإنسان الناجح في حياته لا تجده إلا محترما مسموع الكلمة ، أما الفاشل فهو محل ازدراء وسخرية وحري ألا يصغى إليه إذا نطق  ، ولعل هذا هو السر الذي جعل الكثير من شبابنا – فتيات وفتيانا – يندفعون إلى تقليد الغربيين ؛ لما رأوا عدنهم من مهارات وأخلاق كان ينبغي أن توجد عندنا لا عندهم ، أذكر على سبيل المثال لا الحصر :
1- اتحادهم وتضامنهم في مختلف المجالات ، وقد رأيناهم كيف وقفوا صفا واحدا في حادثة " شارلي " ، بينما نحن يأكل بعضنا بعضا عيانا ، وأوضاعنا المؤلمة غير خافية ، ولو ذهبنا نعدد مواطن التفرق والتطاحن والخذلان في أمتنا لأعيانا إحصاؤها .....
2- صناعتهم وأعمالهم بصفة عامة في غاية الجودة والإتقان ، بينما أكثر أعمالنا تكاد تكون مغشوشة .
فمن المستفيد من التوجيه النبوي الشريف : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم  عملا أن يتقنه [5] ! "
3- نظافتهم في البيئة والمحيط تكاد تسحر العقول بحسنها و روعة جمالها ، بينما غاصت الكثير من شوارعنا بالقاذورات المتعفنة ، فمن المستفيد هنا من التوجهات النبوية :
" إن الله جميل يحب الجمال [6]" " فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود [7]" " ...وإماطة الأذى عن الطريق صدقة[8] "
ولنقس على هذه الأمثلة نظائرها ، وما أظننا على إحصاء ذلك قادرين ، لنعلم بعدئذ أننا أسهمنا في الإساءة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم   ، وأننا عن ذلك أمام الله لمسئولون ، وأن مشكلتنا الكبرى تكمن في انهيار أخلاقنا ، و رحم الله البشير الإبراهيمي  إذ يقول : " ...إن علتكم التي أعيت الأطباء واستعصت على حكمة الحكماء ، هي من ضعف أخلاقكم ووهن عزائمكم ......... وإن أول أمتكم شبيه بآخرها عزوفاً عن الفضائل ، وانغماساً في الرذائل ، فلم يزل بها هذا القرآن حتى أخرج من رعاة النعم ، رعاة الأمم ، وأخرج من خمول الأمية أعلام العلم والحكمة ، فإن زعم زاعم أن الزمان غير الزمان ، فقولوا : ولكن الإنسان هو الإنسان[9]"
بل إن إنسان اليوم يملك من الوسائل ما لا يملكه إنسان الأمس ، مما يمكنه من أداء رسالة الإسلام  للناس في سائر الأوطان ، دون أن يمسسه نصب أو لغوب ، فبإمكاننا- إذن : أن نفرض على الآخرين احترامنا ، ونجعلهم يرمقوننا بالبهابة ولإعزاز ، فقط علينا أن جعل الرسول صلى الله عليه وسلم   قدوتا وإمامنا.

المطلب الثالث : نصرته صلى الله عليه وسلم من مقتضيات الإيمان والمحبة

وبعد بيان عوامل الإساءة إلى سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم ننتقل إلى بيان حقيقة أخرى ، وهي : أن الإيمان به صلى الله عليه وسلم
يقتضي محبته وإيثاره على غيره ، قال تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  "(التوبة24).
فالآية لكريمة تتضمن دليلا واضح الدلالة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم ، وفيها أيضا تهديد ووعيد لمن آثر شيئا على محبة الله ورسوله،
فإذا كان بقاؤك في بيتك مع أهلك وأموالك أحب إلى قلبك من تضحياتك في سبيل نصرة نبيك فأنت فاسق ، وأنت مهدد بعقوبة من الله بين حين وآخر ، هذا ما تقرره الآية السابقة.
وفي الحديث :" لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " [أخرجه مسلم رقم 178]. وفي مسند أحمد عن زهرة بن معبد عن جده قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال والله يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء الا نفسي" ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه" قال– أي عمر - :" فأنت الآن والله أحب إلى من نفسي" ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم" الآن يا عمر" [مسند الإمام أحمد رقم 18981]. أي الآن بلغت حقيقة الإيمان .  وإذن : الإيمات لا يتحقق إلا بمحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ومحبته تقتضي التضحية بالمال والنفس والولد في سبيل نصرته صلى الله عليه و سلم .
" فلا إيمان بغير محبة و لا محبة بغير نصرة ولا نصرة بغير تضحية "

  نماذج من نصرة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه و سلم

ولأجل هذا نجد الصحابة الكرام - رضي اله عنهم – يضربون أروع الأمثلة في البرهنة على  صدق محبتهم للنبي صلى الله عليه و سلم  من خلال ما قدموه  من تضحيات بكل ما يملكون في سبيل نصرته صلى الله عليه و سلم ، حسبنا من ذلك :
1- ما قام به أبو كر  الصدق رضي لله عنه حين الهجرة ، فلما لجأ  إلى غار ثور رفقة الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم أبى إلا ن يسبقه إلى دخول الغار ؛  ليجعل نفسه فداء له صلى الله عليه و سلم مما يحتمل أن وجد في الغار من أفاعي و سباع  أو أي كروه.....وقبل ذلك كان قد سخر أمواله وابنه وابنته وراعي أغنامه في سبيل نصرته صلى الله عليه و سلم.
·   حيث أمر ابنه عبد الله أن يترصد  أخبار المشركين  وتحركاهم نهارا، ثم يأتيهما ليلا بما يكون معه من أخبار ذلك اليوم .
·   وأمر ابنته أسماء ذات النطاقين بأن تزودهما بما يحتاجان إليه من طعام شاب طيلة بقائمها في غار ثور.
·   وأمر مولاه عامر بن فهيرة  أن يرعى غنمه نهارا ثم يريحها عليهما إذا أمسى إلى غار ثور ؛ ليطعما من ألبانها ؛ وليمحوَ بها آثار  ولديه عبد الله وأسماء بين مكة والغار.
2- وفي غزوة حد وقد اشتد تكالب المشركين على رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمطروه بوابل من السهام ، نجد الأصحاب الكرام رضي الله عنهم يقدمون أرواحهم رخيص دون رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم في نشوة وسرور ، غير مبالين بشيء في سبيل نصرته صلى الله عليه و سلم ، إذ أقبلوا يمدون نحورهم دون نحره صلى الله عليه و سلم حتى قتل معظمهم .
·   روى البخاري عن أنس : " أنه لما كان يوم أحد  إنهزم الناس عن النبى صلى الله عليه وسلم  وأبو طلحة بين يدى النبى مجوّب عليه بجحفة له   ( أي مترس عليه يقيه بنفسه من السهام ) وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع ، ويشرف النبى صلى الله عليه وسلم (أي يرفع رأسه ليرى أين تقع سهام طلحة)  ينظر الى القوم فيقول أبو طلحة : بأبى أنت وأمى لاتشرف ؛ يصيبك سهم من سهام القوم ، نحرى دون نحرك" .
·   وترّس أبو دجانة نفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنبل يتلاحق فى ظهره وهو منحن على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتحول .
·   وترّس زياد ابن السكن نفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل هو وخمسة من أصحابه .
·   وكان آخرهم عمارة ابن يزيد ابن السكن ، فقاتل دونه صلى الله عليه وسلم حتى أثبتته الجراح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنوه مني ، فوسده قدمه ، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
·   وشاع فى الناس أثناء ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، ودخل الرعب فى قلوب بعض المسلمين ، فوقفوا حيارى مندهشين وقد ألقوا بيديهم إلى الأرض، فصاح فيهم  أنس ابن النضر قائلا : ما يحبسكم عن القال ؟ قالوا قد قتل النبي ؟ فقال : وما تصنعون بالحياة بعده ؟  قوموا فموتوا على ما مات عليه ، ،ثم قال : اللهم إنى أبرأ إليك مما يقول هؤلاء ( يعني المنافقينوأعتذر إليك مما يقول هؤلاء (يعني ضعاف الإيمانوانطلق يشد على المشركين بسيفه حتى قتل ، وقد وُجد بجسده سبعين طعنة فما رفه إلا أخته ، عرفته بشامة له.
·   وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "من رجل ينظر ما فعل سعد ابن الربيع أفى الأحياء هو أم فى الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد ، فنظر فإذا هو جريح فى القتلى وبه رمق ، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى أن أنظر أفى الأحياء أنت أم فى الأموات ..! قال : أنا فى الأموات ، فأبلغ رسول الله عنى السلام ، وقل له إن سعد ابن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جازى نبي عن أمته ، وأبلغ قومك منى السلام وقل لهم : إن سعد ابن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص غالى نبيكم صلى الله عليه وسلم ولكم عين تطرف ، قال الأنصارى : فلم أبرح حتى مات .
أريتم هذه البطولات النادرة التي لم تشهد الدنيا مثلها ، وهذه التضحيات الرائعة في سبيل نصرة الحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم ؟ ذلك هو دليل الإيمان الحق ، وعنوان المحبة الصادقة ، فما أرخص الحب إذا كان زعما وكلاما ، وما أثقله عندا يكون تضحية وفداء وإقداما ؟

  إن نصرناه صلى الله عليه وسلم نصرنا  أنفسنا وإن خذلناه خذلنا أنفسنا

وفي هذه الأيام التاريخية الصعبة التي يتعرض فيها سيدنا ومولانا محمد إلى الإساءة ، والتشوهات المتعمدة لمآثره ورسالته ، يجب على كل محب أن يتحرك سريعا لنصرته والذود عنه ، كل حسب طاقته وجهده ، وما أحوجنا إلى تلك النصرة لنبرأ بها ذمتنا أمام الله وأمام التاريخ ، ولننال بها الرضى من ربنا والشفاعة من نبينا .
فثمرة نصرته صلى الله عليه وسلم عائدة إلينا نحن ما هو إلى نصرتنا في احتياج ؛ لأن الله كما تعهد بحفظ كتابه:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ:" (الحجر9).  فقد تعهد أيضا بنصرة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم فقال جل ثناؤه :" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبة40).
فإن أبينا نصرته صلى الله عليه وسلم فإن الله سينصره اليوم وغدا وإلى يوم الدين ، كما نصره يوم أن أخرجته قريش من مكة ولجأ إلى غار ثور ، حيث نصره – كما جاء في بعض الروايات - بأضعف المخلوقات ، وهي العنكبوت "وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت41).
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت عــــلى         خير البــــــــرية لم تنســـــــج ولم تحم
عناية الله أغنت عن مضــــــــــاعفة         مـــن الدروع وعن عالٍ من الأطـم

فإن تقاعسنا نحن عن نصرته صلى الله عليه وسلم فإن جنود الله [ومنها العنكبوت] لن تتأخر عن نصرة خير البرية صلى الله عليه وسلم ،
"وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ"(المدثر 31).
لكننا إن خذلناه خذلنا أنفسا وألقينا بأيدينا إلى التهلكة ، "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة195). ومن التهلكة القعود عن نصرته صلى الله عليه وسلم ، كما قال أبوا أيوب الأنصاري :" نحن أعلم بهذه الآية إنما نزلت فينا -  يعني معشر الأنصار - صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشَهِدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نَجِيَا ، فقلنا: قد أكرمنا الله الأنصار بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونَصْرِه ، حتى فشا الإسلام وكثر أهلُه، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما. فنزل فينا: " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد(راجع تفسير بن كثير ج1 ص) .

المطلب الرابع: كيفية نصرته  صلى الله عليه وسلم  وآلياتها

نصرة النبي صلى الله عليه وسلم عبادة وقربة نتقرب بها إلى الله ؛ لذلك ينبغي أن تتم بالوسائل المشروعة ، لكي تكون مقبولة عند الله تعالى ؛ وإنما يقبل الله أخلص الأعمال وأصوبها ، وبناء على ذلك فلا تصح النصرة بالتهور والهمجية ، والعنف و التطرف ،  والإرهاب بمختلف أشكاله ، فالإسلام بريء من التطرف أيا كان نوعه ، وليس من منهجه درء السيئة بالسيئة  أو تغيير المنكر بالمنكر ، أو المسيرات المشتملة على أعمال العنف والشغب ، فمثل هذه الأفعال لا تتم بها نصرة ولا يخدم بها دين و لا ترفع بها راية و لا تحصل بها مثوبة ؛ لأنها من جملة  المفاسد المطلوب درؤها شرعا ، " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة205). وقد نهانا الشارع حتى عن الأفعال المباحة إذا غلب  على ظننا أنها تؤدي إلى مفسدة راجحة ،  قال ـ سبحانه و تعالى ـ : " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " [ الأنعام : 108 ] .
ووجه الاستدلال : أن سب آلهة المشركين حمية لله ، و إهانة لآلهتهم ، وتوهينا لشأنها أمر مباح بل هو عبادة ، ولكن الشارع الحكيم منعه ، لكونه وسيلة إلى سبهم لله جل جلاله ، فكانت مفسدة مسبته تعالى  أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم ، فكان هذا كالتنبيه بل هو كالتصريح على منع الوسائل المؤدية إلى الفساد ، فوجب ترك كل فعل جائز مؤد إلى مفسدة قطعا أو ظنا ، و هذا ما يعرف في اصطلاح أرباب الفقه والأصول بـــ : "سد الذرائع " .
وإننا حينما نقوم بأفعال همجية ضررها أكثر من نفعها – زاعمين أننا ننتصر لنبينا - نكون قد أسهمنا في الإساءة إلى الإسلام ونبي الإسلام ، وساعدنا على إنجاح المؤامرة التي تحاك ضدنا ؛ فأعداؤنا ينتظرون منا ردود فعل من هذا القبيل ، ليتخذوا  منها دلائل على الطعن في الإسلام ؛
ولهذا تعين معالجة القضايا الطارئة بالوسائل المشروعة ، التي لا تتضمن مفاسد للدين والعباد والبلاد ، وما الفائدة من طلقة فارغة تحدث
دويا و لا تصيب هدفا ؟ .
والوسائل المشروعة لنصرة النبي على نوعين :
 أحدهما : من اختصاص أرباب القرار ، المخولين باتخاذ ما يرونه مناسبا من الإجراءات ، ومن ذلك :
·      المقاطعة للبلدان التي تقر الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
·   رفع دعاوى أمام القضاء الدولي  للمطالبة بتجريم المسيئين للأديان السماوية ورموزها .
·      إصدار بيانات رسمية منددة ومـُـدينة للإساءة وإقرارها .
·   الدعوة إلى مسيرة رسمية  في أحد البلدان لإسلامية - على غرار مسيرة باريس - يرفع فيها شعار : " لا للإرهاب الفكري أو العسكري " ، وبيان بأن الإرهاب الفكري - ومنه لإساءة إلى الأنبياء – أخطر من الإرهاب العسكري ؛ لما يثيره من فتن وكراهية بين الشعوب ، ولكونه ذريعة إلى لإرهاب العسكري .
 وقد رأينا كيف غضبت فرنسا لما أحرق علمها ، وطالبت بمعاقبة من فعل ذلك ، وهذه حجة عليها ، وبيان ذلك:
أن حرية التعبير إذا كانت لا تعني الإساءة إلى الرموز الوطنية ، فمن باب أولى ألا تعني الإساءة إلى الرموز الدينية ؛ لكون هذه الأخيرة أعظم قداسة من الأولى ، فمثل هذا الكلام ينبغي أن يقال على مستويات رسمية ليكون له تأثيره ومداه ، و هو واجب على كل من قدر عليه ، يثاب على فعله ويعاقب على تركه ؛ لأن التكليف الشرعي يكون على حسب قدرات المكلفين ومواهبهم ، فذو السلطان يُكلف بما لا يُكلف به من لا سلطان له ، كما أن الغني يُكلف بما لا يكلف به الفقير،  والعالم يكلف بما يكلف به من لا علم له.......    

والثاني : بإمكاننا أن يفعله جميعا :
ويتم ذلك بوسائل عديدة ، تعود في مجملها إلى أمرين اثنين ، وهما : الصبر والتقوى ، لقوله تعالى :"وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " (آل عمران120)
ووجه الاستدلال : أن الصبر كما يعني حبس النفس على ما تكره ، فهو يعني أيضا التزام الهدوء وضبط النفس ومعالجة الأمور بحكمة وتأني ، وانتظار الفرصة المناسبة للرد وعدم التهور والاندفاع الذي لا يحقق نصرا ولا يضر عدوا ........
والتقوى لفظ عام يشمل التزام الشريعة بامتثال أوامرها واجتناب نواهيها ، ويشمل طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع هديه والتحلي بشمائله ، و محاربة نقائضها من الفساد الأخلاقي والثقافي والفكري في شتى مجالات الحياة ومختلف جوانبها ، وذلك من خلال تكثيف الجهود لتعريف الأمة بسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم وما تتضمنه من دروس ومبادئ وأحكام ، وبيان منهجه صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتربية ، وتبصيرها ببعد ما يحاك ضدها من مؤامرات مع بيان كيفية التعامل مع ذلك في إطار المنهج الإسلامي القويم.........
فبالتزام هذه الطريقة نفوت الفرصة على أعدائنا ، وسوف يعود كيدهم إل نحورهم ولن ينالوا خيرا إن شاء الله:"وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ... ". هذا وعد من الله ولن يخلف الله وعده ، ولن يضيع جهد أعمالنا .... "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف90)




[1]  أخرجه البيهقي  في  ( شعب الإيمان ) باب  ( في حسن الخلق ) [57]  . ( فصل في طلاقة الوجة و حسن البشر لمن يلقاه من المسلمين ) رقم الحديث ( 8054 )
[2] أخرجه البيهقي  في  ( السنن الكبرى ) كتاب ( الشهادات ) باب ( بيان مكارم الأخلاق ومعاليها التي من كان متخلقا بها كان من أهل المروءة التي هي شرط في قبول الشهادة على طريق الاختصار ) رقم الحديث : (21301)
[3] -  أخرجه عبد الكريم بن محمد بن منصور أبو سعد التميمي السمعاني فى ( أدب الإملاء والاستملاء) تحقيق : ماكس فايسفايلر. نشر : دار الكتب العلمية – بيروت-الطبعة الأولى ،1981 م . ص 1 .
 - وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني : " ضعيف وقال ابن تيمية معناه صحيح ، ولكن لا يعرف له إسناد ثابت ، وأيده السخاوي والسيوطي " انظر: ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) نشر: دار المعارف- الرياض - الممكلة العربية السعودية - الطبعة :الأولى 1992م / ج 1 / ص 72 .
[4] انظر : خطب الشيخ محمد الغزالي . ج 4 / ص 33
[5] رواه أبو يعلى أحمد بن علي المتوفى سنة [307هـ] في مسنده عن عائشة رضي الله عنها ، رقم الحديث (4386) وقال محقق المسند حسين سليم أسد: " إسناده لين "
[6] أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب ( الإيمان ) باب ( تحريم الكبر وبيانه ) رقم الحديث (147 )
[7] أخرجه الترمذي في سننه ، في ( أبواب الأدب ) ، باب : ( ما جاء في النظافة )  رقم الحديث : (2799 ) قال الألباني : ضعيف
[8]  أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب ( سقي الماء )  رقم (422) قال الألباني : صحيح
[9] انظر : أحمد طالب الإبراهيمي ،  آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي ، نشر: دار الغرب الإسلامي ، الطبعة 1/ 1997م  ج1/ ص163
   

هناك تعليقان (2):

  1. سلام الله عليك يا استاذي الفاضل واشكرك شكرا جزيلا على هذه المواضيع بشان نصرة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم
    وصراحة اعجبني اسلوبك وقد صرت من اصادين العلم والمعرفة وهذا ليس اطراء ولامدحا لكنه الحقيقة تقال فجزاك الله خير ا ونفع الله بك وواطال الله بقاءك والسلام اخوك محمد ع البويرة

    ردحذف
  2. بارك الله فيك أخي الكريم وأسأل الله أن يجعلنا كما تقول ، و لا تنسانا من صالح دعائك.

    ردحذف