......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 25 ديسمبر 2014

مسالك النجاة " المسلك الثاني: المحاسبة"

مسالك النجاة
المسلك الثاني: المحاسبة
محامد
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن أهدانا الله ، نحمده تعالى على  تفضله وإنعامه ولطفه وإحسانه ، ونسأله المزيد من أفضاله ، ونشهد أن لا إله ألا الله  وحده لا شريك له ، شهادة نستعد به إلى يوم لقائه ، يوم لا ينفع مال و لا بون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى وأنزل  عليه الكتاب بالحق ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبهم بإحسان إلى يوم الدين.
"    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ    "
مقدمة  
أيها الإخوة الكرام : لا زلنا مع مسالك النجاة ، وقد تكلمنا في الجمعة السابقة عن مسلك اليقظة ، وسنتحدث اليوم عن المسالك الثاني من مسالك النجاة ، وهو : مسلك المحاسبة.
وأذكر بأن المراد بالمسالك : الطرق التي ينبغي أن يسلكها العبد لينجو من المهالك ؛ فيصل سالما إلى سيده ومولاه ، فلا تتحقق النجاة إلا لمن سار مع هذه المسالك ، وقد اعتمدت في إعداد هذه السلسة على كتابين عظيمين هما :
1- مدارج السالكين لابن القيم.
2- إحياء علوم الدين للغزالـي.
حقيقة: المحاسبة
أولا : حقيقة المحاسبة :لغة: العد والتقدير وحسن التدبير،  والقائم بالمحاسبة يسمى حسيبا أو محاسبا ، ومنه :"اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"[الإسراء14] ، أى محاسبا.
وفي الاصطلاح الشرعي: هــــى: " أن يتصفح العبد أعماله وأقواله قبل الشروع فيها  وبعد الفراغ منها " كما قال عمر بن الخطاب "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ...". فهي شبيهة بالمحاسبة التجارية ، فالتاجر ينظر في رأس ماله وما حققه من ربح أو خسارة ، وطالب النجاة رأس مال دينه الفرائض ، وربحه النوافل ، وخسارته المعاصي .
أقسام لمحاسبة
وعلى هذا فالحاسبة ثلاثة أقسام: محاسبة قبل القول و العمل،ومحاسبة بعد القول والعمل،ومحاسبة على ما مضى من الأيام
أولا: المحاسبة قبل القول و العمل:
بأن تسأل نفسك : لماذا أتكلم ؟ ولماذا أعمل ؟
* وهل الكلمة التي سأتكلم  بها فيها مصلحة أم فيها مفسدة ..؟
* وهل العمل الذي أنا بصدد الإقبال عليه فيه نجاتي أم فيه هلاكي ؟  وهل أنا أبتغي به وجه الله ؟ أم أبتغي به السمعة والشهرة والرياء ... ؟  فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا  ما كان صوابا خالصا ، قال الحسن- رحمه اللّه-: "رحم اللّه عبدا وقف عند همّه ، فإن كان للّه مضى، وإن كان لغيره تأخّر".
روي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عيه وسلم قال:" إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه وإن كان غيا فانته عنه "[كنز العمال حديث رقم :43150]. و روي عن ابن الجوزي أنه كان:"إذا أراد أن يعظ الناس مرَّغ وجهه في التراب وسأل الله أن يفتح له القلوب". وهل يفتح القلوب أو يكتب القبول إلا الله ؟
ثانيا: المحاسبة بعد القول والعمل: وهـــــي نوعان:
أحدهما: أن تنظر لعملك وتستغفر الله مما شابه من رياء وسمعة ، وتردد الدعاء المأثور: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه" ، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ قوله تعالى: "وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" [الزمر:47]. فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف ، وقال: "يا ليت أن الله تقبل مني مثقال ذرة ؛ فإن الله يقول:      "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "[المائدة:27].
والثاني: أن تحاسب نفسك على الفرائض والوجبات:
v   فإن وجـــــــــــــدت أنك قد أديــــــتها على الوجـــــــه الأكـــــمل حمدت وشكــــرته.
v   و إن وجدت أنك ضيعتها من أصلها شرعت في قضائها وتبت إلى الله و استغفرته.
v   وإن وجـــــــــــدت أنـــــك أديتــــها ناقصــــــة شـرعت في جبر النقصان بالـنوافل.
ثالثا: المحاسبة على ما مضى من الأيام:
وذلك بأن يحاسب النفس على جميع  ما مضى من عمره ، يوما يوما ، وساعة ساعة ، كما روي عن توبة ابن الصمة - وكان محاسبا لنفسه -  فحسب يوما فإذا هو ابن ستين سنة ، فحسب أيامها فإذا هي 21500 يوم ، فصرخ قائلا:                    " يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب " ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت ، فسمعوا قائلا يقول:"يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى".
 هكذا ينبغي أن يحاسب العاقل نفسه ...يحاسبها على الأنفاس ، وعلى المعاصي  بالقلب أو بالجوارح ، ولو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره ، لامتلأت داره في مدة يسيرة من عمره ، ولكننا نفعل المعاصي ثم ننسى أو نتناسى بأن الملكين قد حفظ علينا كل أعمالنا ، ثم يوم القيامة سنواجه بها ، فتحصل لنا المفاجئة الكبرى: "يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ "(المجادلة6) ورحـــم الله من قال :
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته المنايا أن يــــــــــتوبا
أنا العبد الذي أضـــــحى حــــزيناً على زلاته قلقاً كئـــــيبا
أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
فيا أسفى على عمر تقضى ولم أ كسب به إلا الذنــــــــوبا
ويا حزناه من حشري ونشري بيوم يجعل الولدان شـــيبا
فيا من مد في كسب الخطايا خطاه أما آن الأوان أن تتوبا
دليل المحاسبة وقوال العلماء فيها
لقد دلت على المحاسبة أدلة كثيرة ، منها :
1- قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " ، فهذه إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال ، وهل صالحة لئن نلقى الله بها أم لا ؟
2- قوله تعالى :"ولا أقسم بالنفس اللوامة " قال الحسن - في تفسيرها- " لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه - أي لا تجده إلا محاسبا لنفسه - ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بأكلتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه".
3- عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الكيس من دان – حاسب - نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله" [سنن ابن ماجه حديث رقم:4260].
4- قال ميمون ابن مهران:"لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه ".
5- قال الحسن:"المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله ، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبه".
6- قال الغزالي :"فعرف أرباب البصائر من جملة العباد ، أن الله تعالى لهم بالمرصاد ، وأنهم سيناقشون  في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات ، وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة ...... فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه ، وحضر عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته ، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وقادته إلى الخزى والمقت سيئاته".

الخاتمة
أيها الإخوة الكرام: هذا هو المسلك الثاني من مسالك النجاة ،  المحاسبة ، ففكيف هو حالنا معها  ؟ وأين  نحن من أرباب البصائر وقد رأينا من أحوالهم ما رأينا ،  وللمحسبة أهمية عظيمة ؛ إذ لا تتحقق النجاة إلا بها ، ومن فـــوائدها:
1)    تحقيـق السّعادة في الدنيا والآخـــــــرة.
2)    أنها تثمر محبّة اللّه تعالى ورضـــــوانه.
3)    أن المحاسبة دليل على صلاح الإنسـان.
4)    ا أن المحاسبة تقي من مزالق الشّيطان.
5)    أنها دليل على الخوف من اللّه ، ومن خاف اللّه نجا ، ومن نجا بلغ المنزلة.

وسنتحدث في لقاء آخر -  إن شاء الله تعالى- عن أركان الحاسبة .

فصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    لوتتكرم شيخنا باتمام أركان المحاسبة

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بارك الله فيك شيخنا وزادك الله علما وادبا
    لو تتكرم باتمام الموضوع أركان المحاسبة

    ردحذف