......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

من أسباب قوة المؤمن


مقدمة
الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .  
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين"(التوبة: 119) 
أما بعد / فيا أيها الإخوة الكرام : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" [أخرجه مسلم وابن ماجة وأحمد]
القوة المرادة : هي قوة الإيمان ؛ لأن القوة من دون إيمان قوة ظالمة لا خير فيها ، فالإيمان هو الذي يسير القوة إلى الوجه الصحيح ، ويستخدمها في مجالات الخير.
و الإنسان في هذه الحياة الدنيا   تعترض طريقه عقبات عديدة ، ومعوقات كثيرة، و تصرفه عن غايته صوارف مختلفة ، فكان  بحاجة ماسة إلى القوة ، التي تشد أزره وتأخذ بيده ، وتذلل له العقبات ، وتقهر أمامه الصعوبات ، وتنير له الطريق،  قال تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً"  [سورة النساء28] . و لو خلقه الله قوياً لاستغنى بقوته عن الله ، وحينما يستغني الإنسان بقوته عن الله يشقى باستغنائه ، فخلقه الله ضعيفا ليفتقر إلى الله في ضعفه فيسعد بافتقاره ،  فالإنسان في طبيعته ضعيف مفتقر – دوما - إلى قوة تدعمه ، و تحميه و تنصره، و تنير الطريق أمامه ..
ومن هنا فخطابنا اليوم هو بحث عن أسباب القوة الإيمانية ، لأن القوة العارية عن الإيمان قوة حيوانية لا خير فيها .
السبب الأول: الإيمان بالله والتوكل عليه
المؤمن قوي ؛ لأنه يستمد قوته من الله العلي الكبير القوي العزيز الغني ، الذي يؤمن به ويتوكل عليه ويعتقد أنه معه حيث كان ، وإذا كنت مع القوي فأنت قوي، وإذا كنت مع العزيز فأنت عزيز، وإذا كنت مع الغني فأنت غني، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل على رستم قادة جيوش الفرس ، قال له رستم : من أنت، وما أنتم ؟..قال ربعي: نحن قوم بعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. هدا رجل قوي يقف على أرض صلبة ، غير حائر ولا مضطرب ؛ لأنه عرف الله وتوكل عليه ، وفي الأثر : " لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال "
وقال تعالى في شأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – وقد أحاطت بهم جيوش الكافرين من كل جانب - :"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" ] 174 سورة آل عمران [. فإذا أصابك  الخوف فافزع إلى " حسبي الله ونعم الوكيل " ترددها بلسانك وتعتقدها بجنانك ، فلن يمسسك سوء بإدن الله تعالى .
إذن : هذا أحد مصادر قوة المؤمن، فهو مع الحق الثابت الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً ،
السبب الثاني: الإيمان بالخلود
من عوامل قوة المؤمن أنه يؤمن بالخلود، فالموت تذوقه النفس، لكن النفس لا تموت، قال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[سورة آل عمران185]
خُـلِقَ  الـنّاسُ  لـلبَقَاءِ فضَلّتْ      أُمّــةٌ  يَـحْـسَبُونَهُمْ  لـلنّفادِ
إنّـما يُـنْقَلُونَ مِـنْ دارِ أعْـما      لٍ إلــى دارِ شِـقْوَةٍ أو رَشَـادِ
فالمؤمن يستمد قوته من الخلود الذي يوقن به، فحياته ليست هذه الأيام المعدودة في الأماكن المحدودة، إنما هي حياة الأبد، فهو  ينتقل من دار إلى دار، ومن ثم فليس عنده فزع من الموت، ليس عنده فزع الخروج من الدنيا ؛ لأنه مؤمن بالخلود ، إنه يؤمن بحياة طيبة بعد الموت ، كما قال تعالى: " يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي" [سورة الفجر24].  
          وما الموت إلا رحلة غير أنها       من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي                                            
 ولأجل هذا كان المسلمون الأوائل يستبسلون في الجهاد ، غير عابئين بالموت ، و لا شاعرين بالخوف .
السبب الثالث: الإيمان بالقدر
فالإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن، كل شيء بقضاء من الله وقدر. والمؤمن يستمد قوته من القدر الذي يؤمن به ، فهو يعلم أن ما أصابه من مصيبة بإذن الله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ، وشعاره السرمدي: " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [سورة التوبة51]
و يعتقد المؤمن أن رزقه مقسوم ، وأن أجله محدود ، قال عليه الصلاة والسلام: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله، وأجملوا في الطلب، واستجملوا مهنكم"[أخرجه ابن أبي شيبه عن عبد الله بن مسعود، وأخرج ابن مردويه عن الحسن ].
الرزق مقسوم، والأجل محدود، فلا يستطيع أحد كائناً من كان أن يحول بينك وبين ما قسم الله لك من رزق ، ولا يستطيع أحد كائناً من كان أن ينتقص ما كتب الله لك من أجل ، فلم الخوف إذن :  هذه العقيدة تعطينا ثقةً لا حدود لها ، وتمنحنا قوةً لا تقهرها قوة البشر، وقد كان الرجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، يذهب مع رسول الله مجاهداً، فيعترض سبيله المثبطون ويخوفونه من ترك أولاده، فيقول : علينا أن نطيع الله  كما أمرنا ، وعلى الله أن يرزقنا كما وعدنا ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا على الله رزقها"  ]سورة هود38[. وكلمة (على) إذا جاءت مع لفظ الجلالة تفيد أن الله ألزم نفسه برزق العباد تفضلا منه ومنة لأنه تعالى لا يجب عليه عقلا فعل شيء.
وكان المعوقون، والخاذلون يذهبون إلى زوجته، زوجة هذا الصحابي فيثيرون مخاوفها على رزقها، ورزق عيالها، إذا ذهب زوجها مع رسول الله، فتجيبهم بثقة واطمئنان: زوجي أعرفه أكّاَلاً، ولا أعرفه رزاقاً، فإذا ذهب الأكال بقي الرزاق.
فالاعتقاد بالقضاء والقدر يورث الجرأة والإقدام والشجاعة والبسالة والثبات، واحتمال المكاره، ومقارعة الأهوال ويجعل صاحبه قوياً.
الخاتمة
والنتيجة : أيها الإخوة الكرام: أنك إذا كنت مع الله - تتوكل عليه وتؤمن بقضائه وقدره وتصدق بوعده- فأنت الغني ،                   و أنت العزيز، وأنت القوي ، فليس بينك وبين أن تكون قوياً إلا أن تعرف الله وتطيعه  فيما أمر، و تتوكل عليه ، وتقوي صلتك به ،ِ يقول الله تعالى : " نَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً  إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً  وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ ...." [سورة المعارج 22 ]
الهلوع: إذا مسه الشر كان جزوعاً، وإذا مسه الخير كان منوعاً ،  إلا المصلين…..المصلي ليس هلوعاً، ولا جزوعاً، ولا منوعاً ؛ لأنه استمد القوة من الله ، من دون أن تتصل بالله فأنت ضعيف ، وأنت هلوع ، وأنت جزوع ، وأنت منوع ، هذا شأن الإنسان ، أي إنسان في أي مكان وزمان ، إن الإنسان قبل أن يعرف الله ، قبل أن يتصل بالله ،  قبل أن يستمد القوة من الله ، فهو خُلق هلوعاً ، شديد الخوف تخور قواه لأدنى تهديد ، ينهار لأدنى ضغط ، إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين ، هؤلاء الذين اتصلوا بالله عز وجل استمدوا منه القوة ، استمدوا منه الشجاعة، والثبات. والحمد لله رب العالمين . 

هناك تعليق واحد:

  1. السلا عليكم شيخنا الفاضل هذه وصلة فيها الدعاء الختامي الذي تفضلت بي يوم الغحتفال بالمولد النبوي بمسجد عقبة بن نافع مشتةتاجروت بارك الله فيك شيخنا
    www.youtube.com/watch?v=JAS8y4wmM-Q

    ردحذف