......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 1 يناير 2014

تعوذوا بالله من فجاءة النقمة


تعوذوا بالله من فجاءة النقمة
 الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة لعباد الله المتقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد/ أيها الإخوة الكرام:
أخرج مسلم في صحيحه ، والحاكم النيسابوري في مستدركه ، والبيهيقي في شعب الإيمان – كلهم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُـــــولِ اللَّهِ  - صلى الله عليه وسلم -:
"  اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِك"[1]
لقد ورد في هذا الدعاء المبارك الاستعاذة من أربعة أمور ، هــي:
1-    زوال النعــمـــــة .
2-    وتحــول العافيـة .
3-    فجــاءة النقمـــة .
4-    وجميع سخط الله.
والاستعاذة: هي : طلب الحفظ  والحماية من الله تعالى ، فإذا قال أحدنا : "أعوذ بالله " فمعناه :أنه يحتمي بالله ويستجير به من الشرور، ولا أحد يستغني عن الاحتماء بخالقه والالتجاء إليه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم على قدره وجلالته كان دائم التضرع والاستكانة لربه، يسأله من خير ما عنده ، ويستعيذ به من الشرور كلها ، وقال صلى الله عليه وسلم:"الدعاء مخ العبادة" . أي جوهرها ولبها ، فعلينا أن حفظ هذه الأدعية المأثورة وندعو بها في صلواتنا وخلواتنا ؛ اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم ، ولأنه إذا واظب المسلم على الدعاء فحريٌّ أن يُستجاب له، فالله تعالى قد أمر بالدعاء ووعد عليه بالاستجابة ، فقال جل ثناؤه:
" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: من الآية60].
 ولله  در القــــــائل:
وَإِنِّي لأَدْعُــو الله وَالأَمْرُ ضَيِّقٌ ... عَلَيَّ فَـمَا يَنْفكّ ُأَنْ يَتَفَـــــــــرَّجَا
ورُبَّ فَتَى ضَاقَتْ عليه وُجُوهُه ... أَصَاب لَه في دعوَة اللهِ مَخْرَجا

وبعد هذه المقدمة ، نود أن نقف قليلا ما أحدى الآفات العظيمة التي استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منها ،ألا وهي" فجــاءة النقمـــةفكَانَ مِنْ دُعَائه صلى الله عليه وسلم:  "اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".
فما هي فجاء النقمة التي تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم ، و التي ينبغي أن يتعوذ منها كل مسلم ومسلمة ؟
بعض الناس يحسب أن فجاءة النقمة هي المصائب التي تأتي فجأة ، وبعضهم يحسبها الموت الذي يأتي فجأة ، أي من غير مرض و لا كبر ؟ وهذا ليس بصحيح ؛ لأن الموت فجأة ليس نقمة ، وإنما يكون كذلك إذا مات صاحبه وهو مقيم على المعصية .
وإذن : ففجاءة النقمة - التي تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم – :
هي أن يأتي الموتُ أحدَنا وهو على معصية الله تعالى...وهو لا يزال يُسَوِف في التوبة ...
يقول لنفسه سوف أتوب ....
·        سأحافظ الصلاة في وقتها عندما تستقر أموري...
·        سأطيع والدي وأحسن إليهما عندما تتحسن ظروفي....
·        سأؤدي  فريضة الحج عندما أنتهي من بناء المنزل وزاوج الأولاد.....
·         سـأقرأ القرآن ... سأتصدق...سأفعل الخير...سوف أكون عبدا صالحا..
·        سأرد المظالم والحقوق إلى أهلها...سأكف عن المخدرات وارتكاب الفواحش والموبقات....
وهكذا هو دائما يؤخر التوبة ، وذات وهو على ذلك الحال، وفجأة ، ودون شعور ، ودون سابق إنذار ، وجد نفسه  توجه إليه الأسئلة الآتيــــــــــــــــــة:
-         من ربك ؟
-         ما دينك ؟
-         من الرجل الذي بعث فيكم؟
-         أين أمضيت عمرك؟
-         أين أفنيت شبابك؟
-         من أين كسبت مالك وفيما أنفقته؟
-         وما ذا عملت بعلمك ؟
-         ولماذا ضيعت الصلاة ولم تؤد الزكاة؟
-         ولماذا أسأت الجوار ، ولماذا آذيت العباد؟..................
تلك هي فجاءة النقمة التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر له ما تقدم وما تأخر من ذبه .
حينها ينادي ذلك المغرور بأعلى صوته ، قائلا كما أخبر القرآن العظـــــيم :
"حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ " (المؤمنون99).عند ذلك يأتيه الرد القاطع الذي تذوب لهول سماعه القلوب: "كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (المؤمنون100).
يطلب الرجوع ، ولات حينَ رجوع !! يندم ، ولات حين مندم ..يريد أن يفر، ولات حين مناص...هناك كثيرون يردون أن يتوبوا ، وضمائرهم تؤنبهم ، ولكن مشكلتهم أنهم يسوفون ، و قد لا  يأمن أحدهم من فجاءة النقمة !! لأن الله تعالى يقول:" وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت "
فيا من تمرّ عليه سنة بعد سنة، وهو لا يزال في غفلة وسِنة، ويا من يأتي عليه عام بعد عام ، و هو لا يزال غارقا في بحر الخطايا والآثام ، أما آن لك أن تنتبه من غفلتك فتصطلح مع بارئك ذي الجلال والإكرام ؟!  الذي"..يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل."
دقات قلب المرء قــــــــائلةً له      إن الحياة دقــــــائقٌ وثوانِ
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها      فالذكر للإنســـان عمرٌ ثانِ

قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملي".
فتوبوا إلى الله - أيها المسلمون- لعلكم تفلحون ، وتعوذوا بالله من فجاءة النقمة ، فاللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِك. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


[1] - صحيح مسلم. كتاب : "الرقائق" [50]. باب: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفُقَرَاءُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ وَبَيَانُ الْفِتْنَةِ بِالنِّسَاءِ"[1].رقم الحديث :[ 2739]. - المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري. كتاب:"الدُّعَاءِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ". رقم الحديث : [1946] .- شعب الإيمان للبيهقي. " الثالث و الثلاثون من شعب الإيمان و هو باب في تعديد نعم الله عز و جل ". رقم الحديث [4544].

هناك 5 تعليقات:

  1. تلميذك جمال مرابط1 يناير 2014 في 4:41 م

    جزاك الله خيرا ياشخيي الفاضل اسال الله ان يزيدك علما وان اكون خطيبا مفوها مثلك امين

    ردحذف
  2. تلميذك جمال مرابط1 يناير 2014 في 4:47 م

    حزاك الله عنا وعن الاسلام خيرا

    ردحذف
    الردود
    1. بارك الله فيك يا أخي جمال مرابط وإن وفاءك لدليل على طيب معدنك

      حذف
  3. بارك الله فيك ونفع بك العباد والبلاد

    ردحذف
  4. شكرا على كل ما تقدمه وأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك

    ردحذف