......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 30 مايو 2013

خمس وصايا للممتحنين



محامد
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، شهادة نستعد بها إلى يوم لقائه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، أرسله الله على فترة من الرسل وحاجة من البشر ، فهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة ، وفتح به آذانا صما وأعينا عميا وقلوبا غلفا ، وما فارق الدنيا عليه الصلاة والسلام حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه  أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد /
مقدمة
أيها الإخوة المؤمنون : في هذه الأيام سيقبل أبناؤنا وبناتنا على امتحانات  الباكلوريا  ، وسيُمتحنون ويختبرون فيما حصلوه من معارف و علوم ، وستُوَجَّهُ إليهم أسئلة  لا يعرفون مضمونها على وجه التحديد ، لذلك قد يفاجئون بها أثناء الاختبار ، ولهذا كان لهذه الاختبارات هيبةً في نفوس الطلاب ، و في نفوس آبائهم وأمهاتهم على حد سواء ، ونسأل الله تعالى أن يوفق جميع أولادنا للنجاح .  
وبهذه المناسبة الهامة نوجه لأولادنا بعض الوصايا سائلين الله تعالى أن ينفعهم بها وجميع المؤمنين والمؤمنات.
الوصية الأولى : تقوى الله مفتاح النجاح
وأول ما نوصي به أبناءنا وبناتنا أن يتقوا الله عز وجل فيما أمر ونهى ، فإن تقوى الله هي مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة ، " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" وقال تعالى : " واتقوا الله ويعلمكم الله وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " (البقرة:282) فتحقيق التقوى سبب للحصول على العلم المعرفة ، قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى): وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه ، أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يلقى إليه ، وقد يجعل في قلبه ابتداء فرقاناً أي فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل ، ومنه قوله تعالى: "يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " (الأنفال:29) فلنجعل من هذه المناسبة فرصة للاصطلاح مع الله تعالى ،  فإنه لا معلم إلا الله ، و لا مثبت إلا الله ، و لا مسدد إلا الله ، ومن أيده الله فلا خاذل له ، ومن خذله الله فلا مؤيد له ، و من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة.
ومن أعظم الآفات التي تذهب أنوار العلم والمعرفة الوقوع في المعاصي والمخالفات الشرعية ، كما قال الشافعي رحمه الله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي **  فأرشدني إلى ترك المعاصي
 واخبـــرني أن العـــلم نــــور **  و نور الله لا يُعـــطى لعاصي
الوصية الثانية : الإيمان بقضاء الله وقدره يمنح القوة والشجاعة
ومما نوصي به أولادنا أن يقووا إيمانهم بقضاء الله وقدره ، وهو أنَّ يعلموا أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم وأنَّ ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ، وأنهم لو فَعَلوا ما فَعَلوا فلن يَغيروا  قضاء الله وقدره ، لأنه لا يمكن لأحد أن يفعل خلاف ما قدَّرَ الله . والإيمان بالقضاء والقدر من شأنه أن يمنحهم القوة والشجاعة ؛ فيتوجهون إلى مقاعد الامتحان بثقة وعزم وثبات ، غير مترددين ولا خائفين ، موقنين بأن ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن .
 وليس معنى ذلك أن يتواكلوا ويتركوا تقديم الأسباب ، كلا  ثم كلا ! فالمؤمن يقدم ما استطاع من أسباب ، ويعد ما استطاع من قوة ، ثم يتوكل على الله وحده ، ويطلب منه العون والمدد ، فإن حقق مراده فبها ونعمت ، وإن خفق رضي بقضاء الله وقدره ، وقال حينئذ: ( قدر الله و ما شاء فعل ) وفي الحديث عن سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام : " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " (رواه ابن ماجه في سننه ج1/ص31 حديث رقم  79)
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، فَابْلُ مِنْ نَفْسِكَ الْجَهْدَ ، فَإِنْ غُلِبْتَ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " (أخرجه أحمد في مسنده  6 / 24 / 24483 )
الوصية الثالثة : الدعاء من أقوى أسلحة النصر
ومما نوصي به في هذا المقام : الاستعانة  بالدعاء فإنه من أنفع الأدوية وأقوى الأسلحة ، وعلى الآباء والأمهات أن يعينوا أولادهم بالدعاء أيضا ، فيدعون الله تبارك و تعالى أن يلهمهم و يسدد إجابتهم ، فالله تعالى بقول : " وقال ربكم ادعون أستجب لكم " وقال تعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان "
ومن شروط إجابة الدعاء :
الإِخلاصُ للهِ رب العالمين - وأَن يَبْدأ في دعائه بحمدِ اللهِ والثناءِ عليه ثُمَّ بالصلاة على النَّبِّي ويختم بذلك – وأن يجزم في الدُّعاءِ ويوقن بالإجابةِ – و أن يلح في الدُّعاء فيكرره في تذلل وتضرع وخشوع  - وألا يستعجل فلا يقل دعوت فلم يستجب لي فيترك الدعاء فيهلك - و ألا يسأل إلا الله وحدهُ .
الوصية الرابعة :  الغش من اكبر انواع الفساد
والحذرَ الحذرَ من أساليب الغش ، فإن الغش ليس من أخلاق المسلمين لقوله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من غشنا فليس منا والمكر والخديعة في النار" (رواه ابن حبان في «صحيحه) " فهذا الحديثُ دليلٌ قوي على تحريم الغِشِّ بجميع أنواعه ، وأنَّ الغاشَّ مخالفٌ لأمر النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهديْه ، وأنَّه خارجٌ عن صفات المسلمين وهديهم .
والغاش لا يمكن أن يحقق نجاحا أبدا ، فهو وإن أجاب إجابة صحيحة عن طريق الغش ، إلا أنه ستدور عليه الدوائر ولو بعد حين ، و هذا أمر مؤكد لا ريب فيه ، يصدقه الواقع التاريخي للغاشين ، وتدل عليه – أيضا - عموم النصوص الشرعية الكثيرة ، منها :
- قوله تعالى : " إن الله لا يهدي كيد الخائنين " والغش خيانة .
- وقوله تعالى : " إن لله لا يصلح عمل المفسدين " والغش من أكبر أنواع الفساد ، وأي فساد أكبر من :
أن يكون طبيبنا مزور ، ومعلمنا مزور ، وإمامنا مزور ، وقائدنا العسكري أو السياسي مزور ، ومهندسنا مزور...... ؛ لأنهم  تأهلوا - جميعا -  لهذه المهام  عن طريق الغش ، فالجيل الذي يدير ويسير شؤون الأمة اليوم سينتهي بعد حين ، وهؤلاء الممتحنون هم الذين سيخلفون هذا الجيل في تسيير مختلف مؤسسات الأمة ، وكيف سيكون مصير أمة إذا يتولى زمام أمورها  شرذمة مزورون ؟ !
لهذا يجب على العاملين في المؤسسات التربوية والقائمين على الامتحانات من مراقبين وغيرهم أن يضربوا بيد من حديد على الغش وأهله ، وألا تأخذهم في ذلك لومة لائم ، ومن سمح للغش فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين.
الوصية الخامسة : تذكروا بامتحان الدنيا امتحان الآخرة
وأخيرا : علينا أن نتذكر بامتحان الدنيا امتحان الآخرة ، وما ابعد امتحان الدنيا عن الآخرة امتحان.
- فامتحان الدنيا موضوعه جزء من كتاب في ورقاتٍ معدوداتٍ ... ، وفي مجالٍ معين من مجالات الحياة .
أمَّا موضوع امتحان الآخرة ففي كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها ، فالصغائر مسجلة به ، كما أنَّ الكبائر مدوَّنة فيه ، في ذلك الامتحان ستنشر الفضائح ، وتظهر القبائح ، ويبدو ما كان مخبوءاً من ذنوبٍ وعصيان ، تحت ركام الغفلة والنسيان ! ( يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كلِّ شيء شهيد )
- الأسئلة في امتحان الدنيا محدودة في بعض مفردات الكتاب ، فلا يمكن للمعلِّم أن يسأل الطالب عن كلِّ دقيق وجليل من محتويات المنهج الدراسي ، وربما تدركه الشفقة فيختار له من أسهل الأسئلة وأيسرها ، ولعلَّه يراجع مع الطالب الإجابة قبيل الامتحان بأيام مساعدةً له وتيسيراً عليه.
أما امتحان الآخرة فالأسئلة فيه شاملة  لكل جوانب الحياة ، عن الأفعال والأقوال .. عن النيَّات والأموال .. عن المعتقدات والأوقات .. عن المظالم والأمانات..وعن أطوار العمر كله ، قال صلى الله عليه وسلم ، :" لا تزُولُ قدَما ابن آدم مِن عند ربِّه حتَّى يُسألَ عن خمس : عن عُمرِه فيما أفناه ، وعن شَبابِه فيما أبلاه ، وعن مالِه من أين اكتسَبَه وفيما أنفَقَه ، وماذا عمِلَ فيما عَلِم "( أخرجه الترمذي  في سننه عن ابن مسعود رقم 2418 و 2419 وقال حسن صحيح.)
وصدق القائل :
ولو أنَّا إذا مِتنا تركنا ..... لكان الموتُ غاية كلَّ حيٍّ
ولكنَّا إذا متنا بعثنا ..... ونُسأل بعده عن كلِّ شيءٍ
فاتقوا الله يا عباد الله واستعدوا لامتحان الآخرة بالعقيدة الصحيحة والأعمال الصالحة الموافقة لكتاب الله و سنة رسوله ، وإياكم وحقوق العباد ، فإن حقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحنة .
وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المؤمنين ، وصلى الله على سيدنا ونبينا و مولانا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



هناك تعليقان (2):