......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 25 أبريل 2013

سلامة الصدر طريق إلى الجنة




الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين / أما بعد:
 أيها الإخوة المؤمنون : إن خطاب اليوم يحمل بشرى عظيمة لطلاب الجنة وعشاقها ، جعلني الله وإياكم من أهلها و سكانها .
 وذلك أن الرسول صلى اللهُ عليه وسلم كان جالسا ذات يوم مع أصحابه فقال لهم : " يدخلُ عليكم من هذا الفجِ رجلُ من أهلِ الجنة "[1] و لا شك إن رجلاً تسبقُه البشارةُ إلى الجنةِ في الدنيا لهو حريٌُُ وجدير أن تشتاقَ  الأبصارُ إلى رأيتِه ، وتتلهفَ النفوسُ إلى لقائه .. و فجأة يدخلُ ذلك الرجل ! فإذا هوَ رجلُ  منهم ، يعيشُ بينَهم يعرفهم يعرفونَه ، ولكنهم لم  يكونوا يعلمون حقيقته ، فيخبرُهم النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم  أنه من أهل الجنة . وفي اليوم الموالي  دفعَ إليهم النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم الخبرَ ذاتَه قائلا: " يدخلُ عليكم من هذا الفجِ رجلُ من أهلِ الجنة " و هنا يتساءل الحاضرون: أما الأول فقد عرفناه ، فمن سيكون المبشر الثاني يا ترى  ؟ ولم يطل الانتظار ، حتى دخل الرجلِ المبشر بالجنة ، فإذا هو صاحبُهم الذي دخل بالأمس . وفي اليوم الثالث يأتي ذلك الرجل وتأتي معَه البشارةُ أيضا: " يدخلُ عليكم من هذا الفجِ رجلُ من أهلِ الجنة " فيدخلُ الرجلُ نفسه بهيئتِه التي دخل بها أول مرة ، تقطرُ لحيته ماءً من أثرِ الوضوء، وأطرافُه مبللةُ بالماء ، وقد أمسكَ نعلَه بشمالِه.
إن رجلاً يُبشرُ بالجنةِ ثلاثَ ليالٍ متعاقبة ، ويُخبرُ الصحابةَ قبل دخولِه بأنَه يدخلُ عليهم رجلُ من أهلِ الجنة  ، إن رجلا هذا شأنه  لحريُ أن يُقتصَ خبرُه ثم يُقتفى أثرُه ، وكم نحن مشتاقون إلى أن نتعرف على هذا الرجل ، لعلنا نحذو حذوه فننال ما ناله من البشارة بالسعادة السرمدية .
وجزى الله عبد اللهِ بنَ عمرو بنِ العاصِ رضي الله عنهما، إذ ذهبَ إلى ذلك الرجل ليطلع على أعماله التي أوصلته إلى هذا المقام ، فذهب إليه فقال له: (إني قد تخاصمتُ مع أبي فأقسمتُ أن لا أدخلَ عليهِ البيتَ ثلاثا، فإن رأيتَ أن تأوينِ عندك هذه الأيامَ الثلاثةَ ) . فرحبَ به الرجل  وآواه وأكرمَ مثواه، وباتَ عبد اللهِ أبن عمروٍ عند ذاك الصحابي يراقبُه ويتأمل حالَه ويترصدُ أفعالَه ، فوجده يأوي في الليلِ إلى فراشِه فينام الليل كله ، وكان عبد الله بن عمرو يظن أن هذا الرجل يبيت قائما راكعا وساجدا ، إلا أنه لم ير شيئا من ذلك ، ولم ير أي شيء يلفتُ الانتباه ، غير أن هذا الرجل كان كلما تقلبَ في فراشِه ذكرَ الله ، وكلما أفاقَ من نومِه ذكرَ الله ، فأنتظرَ عبد الله ليلةً ثانية ، وليلةً ثالثة فلم ير عملا بارزا يعتد به .
فلما انقضت الليالي الثلاث، أقبلَ عليِه عبدُ الله قائلا: يا أخي : إنَه لم يكن بيني وبين أبي خصومةُ ، ولكن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلم أخبرنا ثلاثةَ أيامٍ متعاقبةٍ أن رجلا من أهلِ الجنةِ يدخلُ علينا من الباب ، فكنتَ أنت الداخل في كلِ مرة ، فأردتُ أن أبيتَ عندَك لأرى عملَك ، لأرى بأي شيءٍ نلت هذه المنزلة. غير أنني لم أر شيئا ، فأخبرني بما نلتَ ذلك ؟
قال له الرجل : ما هو إلا ما رأيت ، فلما انصرف عبد الله ناداهُ الرجل فقال تعال ، ما هو إلا ما رأيت غير أني أبيتُ حين أبيت فلا أبيتُ وفي قلبي غشُ على أحدٍ من المسلمين ، ولا أحسدُ أحدا من الناسِ على خيرٍ آثرَه اللهُ به. فأنصرفَ عبدُ اللهِ أبن عمرو وهو يقول:(أما إن هذه هي التي بلّغتك وهذه هي التي لا نُطيقُها ) عبد الله يقول هذا في زمانه هو ، زمن النبوة ، فمن يطيق في ذا الزمن  أن يأوي إلى فراشه بقلبٍ سليم ليسَ فيه غشُ لأحدٍ من المسلمين، وهو ينظرُ إلى نعمِ الله على عبادِه فيفرح بها ويتمنى دوامها  فلا يحسدُ منهم أحدا ! من يطيقُ ذلك ؟ هذا مقام رفيع ما يلقاه إلى ذو حظ عظيم . أيها الأخوةُ المؤمنون:إنها قصة مؤثرة ، وإنه لمشهدُ عجيبُ، قصة هذا الرجل الطيب ، السليم القلب ، الذي يطوي صدرَه على قلبٍ صافٍ كالزجاجة ، ليسَ فيه غلُ ولا حسدُ ولا غشُ ولا شحناءُ ولا بغضاء ، قلب صافٍ مصفى قد أُسلمَ لله رب العالمين . إن هذه القصة تتضمن فوائد جليلة النفع ، وجديرة بالتأمل :
فإن هذا الرجل كان يتعبدُ لله بتطهيرِ قلبِه ، وتصفيةِ فؤادِه ، ونقاء سريرته ؛ فنال البشارة بالجنة. ذلك لأن القلب هو ملكُ الأعضاء ، و في الحديث الشريف : " ألا إن في الجسدِ مضغةُ إذا صلحت صلحَ الجسدُ كلُه، وإذا فسدت فسدَ الجسدُ كلُه، ألا وهي القلب "[2] فإذا صلح القلب صلحت سائر الأعضاء ، وإذا عمي القلب وانطمست بصيرته لم تغن أعمال الجوارح عن صاحبها شيئا . " فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"
إخوة الإيمان : ونحن نسرد هذه القصة لنأخذ منها العبرة ، حري بنا أن نسأل أنفسنا بصدق وصراحة : هل تفقدنا قلوبناَ من أمراض الاستعلاء والكبر والغرورِ والعُجب ؟! وهل تفقدنا قلوبَنا من شهوةِ الرياءِ وحبِ الظهور ؟ِ! وهل تفقدنا قلوبَنا من آثمِ الحسدِ والحقد و البغضاء ؟! وغيرِ ذلك من خطايا القلوبِ التي تذهبُ فضلَ الصيامِ وثوابَ القيام ، وتأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطب. وقد بلغنا قوله صلى اللهُ عليه وسلم : " لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه مثقالُ ذرةٍ من كبر"[3] . وقوله صلى اللهُ عليه وسلم " ثلاثُ مهلكات ؛ شحُ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرءِ بنفسِه"[4] . وقوله صلى اللهُ عليه وسلم :" دبَ إليكم داءُ الأممِ قبلَكم ؛ الحسدُ والبغضاء هي الحالقَة، لا أقولُ تحلقُ الشعرَ ولكن تحلقُ الدين"[5] .
وما أكثر النذر في كتابِ الله وسنةِ رسولِه التي تحذر من خطايا القلوب وتنذر بالوعيدِ عليها.
وإن القضيةَ أيها الأخوةُ قضية جد لا هزلَ فيه ، فإننا أمامَ أمراضٍ قلبيةٍ مدمرة ، وآفاتٍ خطيرة .... ولا يكمن الخطر في هذه الأمراض بذاتِها فحسب ، بل الخطرُ الأكبر أن يتآلفُ الإنسان مع هذه الخطايا والأمراض القلبية ، فلا يتفقدُها في نفسه ، ويدعها تسري في كيانه حتى  يصل إلى مرحلة يحاول فيها أن يبرر أمراض قلبه ، ويصطنعَ المعاذيرَ لنفسِه ، ويفتحَ لها طرق التهربِ من الاعتراف بالحقيقة ... لذلك ترى أصحاب العداوات والأحقاد النابعة عن الحسد ونحوه ، يحاولون أن يلبسوها لباسِ الصالح العام ، من تقويم الآخرين ، أو من إحياءِ لعلم الجرحِ والتعديل ... أو  غير ذلك من الأغطية المزيفة التي يخدع بها الناس أنفسهم........وإذا وصل أحد إلى هذه المرحلة فصل عليه أربعا لنهايته المرة ..فاللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة الدين والدنيا والآخرة . 
أيها الإخوة:  إن البراءةَ من هذه الخطايا ، وتطهيرِ القلوبِ من هذه العلل ، يفضي إلى الوصولِ إلى مرتبةٍ عظيمة ، تلكم المرتبة التي أدخلت ذاك الصحابيَ الجنة ، فيوم خبر عملُه إذا هو لم يتميز بعمل يذكر ، ولكنه تميز بقلبٍ صافٍ وضيءٍ ..  لذا قال النبيُ لأصحابه وقد سألوه يوما عن أي الناسِ أفضل ؟ فقال : " كلُ مخموم القلبِ صدوق اللسان ، قالوا يا رسول الله قد عرفنا صدوق اللسان، فما مخموم القلب؟ قال هو التقيُ النقي الذي لا أثم فيه ولا بغي ولا حسد"[6]
فانظـــــــــــــــروا : كيف أن براءة القلب من الإثمِ والبغيِ والحسد أوصلت صاحبها إلى مرتبةٍ شريفةٍ صار فيها من أفاضل الناس.
فاتقوا الله عباد الله وأحرصوا على سلامة صدوركم فهي طريقكم إلى الجنة ، وأكثروا من ذكرِه تعالى فهو حياة قلوبكم ، وأكثروا من تلاوة القرآن العظيم. فهو الدواء وهو الشفاء لمن أراد أن يأتي ربه بقلب سليم ، واقرؤوا إن شئتم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ...). ثم جاهدوا  أهواءكم كما تجاهدون أعداكم ؛ لتحملوا  أنفسكم على التجرد من حب الذات ، وتلزموها الإخلاص لله رب العالمين ، وهو جوهر النجاة ، واعلموا أن الله يعلم ما أنفسكم فاحذروه ، و واعلموا أن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسام ولكن ينظر إلى قلوكم فطهروا محل منظر الله ، واستغفروا الله  لي ولكم ولجميع المسلمين ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . والحمد لله ب العالمين.   



[1] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/166) ، وعبد بن حُميد في المنتحب رقم (1157) ، والبغوي في شرح السنة رقم (3535).  والنسائي في الكبرى رقم (10633) ..........
[2] رواه البخاري في صحيحه رقم (52) ، ومسلم في صحيحه رقم (4178). من حديث النعمان بن بشير .
[3] رواه مسلم وأحمد.
[4] أخرجه البيهقي وحسنه الألباني.
[5] رواه البزار رقم [2232 ] و الترمذي [رقم/2510]، وأحمد [167/1]
[6] رواه ابن ماجة رقم  6421




هناك 5 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا شيخنا الكريم على هذه المواضيع والاسلوب البين الرائع والخطب لراقية التى اصبحت تدوى في منابر الوطن شكرا

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا شيخنا الكريم على هذه المواضيع والاسلوب البين الرائع والخطب لراقية التى اصبحت تدوى في منابر الوطن شكرا

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا شيخنا الكريم على هذه المواضيع والاسلوب البين الرائع والخطب لراقية التى اصبحت تدوى في منابر الوطن شكرا

    ردحذف
  4. بارك الله فيك ممكن سوال انا امام مسجد هل عندك ملخصات دروس عن شهر رمضااان لهذه السنه 2017م

    ردحذف
  5. اذا كان هناك دروس جديده عن رمضان نرجو منكم افادتنا ونشرها لنستفيد منهاااا وبارك الله في جهودكم

    ردحذف