......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 26 أغسطس 2012

تأملات في عيد الفطر المبارك


خطبة عيد الفطر 1433 هـ بمسجد الإمام مالك بن أنس
بالتلاغمة  – الجزائر -
لله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ، الحمد لله على تفضله وإحسانه ، إذ من علينا بصيام رمضان وقيامه ، ومتعنا بالصحة والعافية والأمن والاستقرار حتى أكملنا عدة أيامه ، ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ولعلكم تشكرون ﴾ فالله أكبر، الله أكبر الله أكبر...وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين ، أما بعد/
أيها الإخوة المؤمنون : بعد أن أديتم فريضة الصيام وسنة القيام بحمد الله وعونه وتوفيقه ، هاأنتم اليوم تجتمعون في هذا اليوم المبارك على طهارة وتقوى من الله ورضوان ، وفي هذا المقام يتجلى عليكم  ربكم برحمته وعفوه ومغفرته ، ولن تنصرفوا من هذا المكان - إن شاء الله - حتى تتسلموا جوائز صيامكم وقيامكم من الله تعالى ، فقد روى الطبراني في "المعجم الكبير»"إذا كان يومُ الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطريق فنادَوْا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى ربّ كريم يمنّ بالخير ثمّ يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقُمتم وأُمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربَّكم، فاقبِضُوا جوائزكم، فإذا صلّوا نادى منادٍ: ألا إنّ ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة، ويسمّى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة، فقال: قد غفرت لكم ذنوبكم كلّها«
فهنيئاً لكم - أيها الإخوة المؤمنون - على هذا الفضل العظيم . وجدير بنا أن نقف في هذه اللحظات وقفات موجزة نتأمل من خلالها في بعض معاني هذا اليوم المبارك وأبعاده :
الوقفة الأولى : مع قوله تعالى:﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ﴾
-      ولتكملوا العدة : وقد أكملنا العدة و لله الحمد والمنة.
-      ولتكبروا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ:
      التكبير هو زينة أعيادنا وقد روي الطبراني عن أنس  " زينوا أعيادكم بالتكبير "  وكلمة الله أكبر :  كلمة عظيمة إذا عرف العبد معناها، وعرف مدلولها، أصبحت حياته منتظمة ومستقرة، كيف لا ؟ وهو قد رأى وأيقن أن الله أكبر من كل شيء ، ومن رأى وأيقن أن الله أكبر من كل شيء ،آثر طاعة الله على طاعة المخلوقين، وآثر رضاه على رضاء الناس أجمعين، وآثر الاستقامة على منهجه وترك مناهج الآخرين. ولا يعقل أن تقول الله أكبر وأنت تطيع مخلوقاً وتعصي الخالق جل جلاله ، ولا يعقل أن تقول الله أكبر وأن تسعى  لإرضاء المخلوقين أكثر من سعيك لإرضاء رب العالمين .
      كثير من الناس يقولون الله أكبر وهم يكذبون في تكبيرهم ؟ فالذي يخاف أعداءه أكثر من الله فهو كاذب في تكبيره ، والذي يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله فهو كاذب في تكبيره ، والذي يحب دنياه ومصالحه الشخصية كحبه لربه وما جاءه من عند ربه كاذب في تكبيره....
فالتكبير الحقيقي هو: الذي ينطق به لسانك ويوقن به قلبك ثم تعمل بمقتضاه في واقع حياتك ، فالله أكبر مما نخاف ونحذر ، الله أكبر وكل ما سواه فحقير وأصغر .
وقوله تعالى : ولتكبروا الله [عَلَى مَا هَدَاكُمْ ] معناه : أن من حصل على الهدى في هذا الشهر الفضيل ، حُق له أن يكبر شكرا وتعظيماً لله تعالى ، على هذا الفضل الكبير، وأما من صام عن الطعام والشراب ولكن لا تزال  أخلاقه سيئة ، فهو لا يزال يؤذي الناس بلسانه ويده وتصرفاته ... فهذا كأنه لم يصم هذا الشهر، وإذن : على ماذا يكبر الله ؟ على ماذا يقول الله أكبر فهو لم يهتد في هذا الشهر والتكبير إنما هو للمهتدين ، لقوله تعالى: ولتكبروا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر..

الوقفة الثانية : مع قوله صلى الله عليه وسلم للصائم فرحتان ...
فرحة العيد أصلها أنها فرحة بالانتصار على النفس والشيطان الرجيم ، والصلح مع الله تعالى ، فالصائم في رمضان قد انتصر على نفسه وهواه واصطلح مع الله ، فكف جوارحه عن الحرام ، وأخضع هواه للانسجام مع شريعة الملك العلام، وهذا نصر عظيم للصائم ؛ فلذلك حق له أن يفرح في هذا اليوم المبارك ، يفرح لأنه انتصر في رمضان  على نفسه ، وشهواته وبشريته وحظوظه ، وحقق عبوديته لله عز وجل ، وهذا هو السر في جعل العيد مرتبطا بإتمام الفرائض في الإسلام ، فعيد الفطر يأتي بعد إتمام فريضة الصيام وعيد الأضحى يأتي بعد إتمام مناسك الحج، وفي هذا إشارة إلى أن العيد هو احتفاء بأداء الواجبات وترك المحظورات ، ومن ثم قيل : كل لا يوم لا تعصي الله فيه فهو عيد . وإذا كان هذا شأن فرحة العيد فإنها لا حظ فيها للعصاة الذين خسروا ربح العام ، في هذا الشهر الفضيل ، وما سمعنا أن خاسرا يفرح بخسارته أو فاشلا يحتفي بفشله ، فهؤلاء بدل أن يفرحوا عليهم أن يبكوا على ما فرطوا ويبادروا بالتوبة ليتداركوا ما فاتهم من ربح العام، وباب التوبة لا يزال مفتوحا ويتوب الله على من تاب .
الوقفة الثالثة: مع قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
هل يرضيك أيها المسلم أن ترى أولادك في هذا اليوم حزنين وغير مسرورين ؟  إذا كنت لا تحب هذا لنفسك وأولادك ، فينبغي ألا تحبه أيضا لإخوانك إن كنت مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر، وإذن : عليك أن تسعى وتجتهد ما استطعت لترفع الغبن عن إخوانك ، وتدخل السرور عليهم كما أدخلته على أولادك في صبيحة هذا اليوم ، الذي هو يوم فرح وسرور ، واعلم أن ذلك من أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى في هذا اليوم البهيج ، وهو برهان على صدق إيمانك الذي سعيت لتحقيقه خلال شهر رمضان ، فتفقدوا - رحمكم الله - الأرامل والأيتام والمرضى والمحتاجين وكبروا الله الذي هداكم للإيمان.الله أكبر الله كبر الله أكبر ...
الوقفة الأخيرة مع قول العلماء: من علامة قبول الحسنة عمل الحسنة بعدها
أنت قد صمت وصليت ...فهل قبل الله منك ذلك ؟ إذا أردت أن تعرف فانظر إلى نفسك بعد رمضان فإن وجدت نفسك مقبلا على الطاعة مدبرا عن المعصية فاحمد الله تعالى ، فأنت من المقبولين عنده إن شاء الله ، وإن كان العكس – والعياذ الله - فابك على خطيئتك وتقصيرك والزم حمية الندم ، فرب فتح لك باب الطاعة وسد عليك باب القبول .
  وهذه الحقيقة يؤيدها قوله تعالى : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ووجه الاستدلال: أن الصيام شرع لتحقيق هذا المقصد { التقوى } والذي ينقلب من الطاعة إلى المعصية بعد رمضان معناه : أنه لم يتحقق فيه مقصد التقوى ،وإذن :فصيامه مردود عليه وغير مقبول ؛ لأنه لو كان مقبولا لارتقى بصاحبه إلى درجة المتقين ، فاتقوا الله عباد الله وواصلوا إحسانكم بعد رمضان ، وتوبوا إليه في سائر الأزمان ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين المقبولين عنده ، اللهم عاملنا بلطفك وإحسانك ومنتك وكرمك ، ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم اعتق رقابنا آبائنا وأمهاتنا من النار ، برحمتك يا عزيز يا غفار ، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم ، اللهم وفق ولاة أمورنا إلى ما تحبه وترضاه ، واجعل بلادنا آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .   

هناك 3 تعليقات:

  1. نريد الخطبة الثانية يافضيلة الشيخ المحترم

    ردحذف
    الردود
    1. الخطبة الثانية عادة أنا أجعلها موعظة عامة مع الدعاء، وبإمكان الخطيب أن يتصرف في الموضوع ففي هذه الخطبة مثلا ، يجعل الوقفة الأخيرة خطبة ثانية ، وعلينا أن نتجنب التطويل ما استطعنا .
      فمن التطويل كلت الهمم...........فصار فيه الاختصار ملتزم

      حذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخ العيد وين راك

    ردحذف