......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 4 يناير 2021

المسح على الجوربين "دراسة فقهية مقارنة"

لفضيلة أستاذنا الدكتور محمد بوركاب حفظه الله تعالى

جمع وترتيب: العبد المذنب: العيد بن زطة

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه الميامين، وبعد:

فقد سألني بعض الإخوة الكرام تبيين حكم المسح على الجوربين، بعد أن كثر الجدل حول المسألة، والتبس الأمر على عامة الناس، بسبب ما يرون من مسح بعض الشباب على جواربهم، فدعت الحاجة إلى دراسة المسألة دراسة فقهية مؤصلة ومقارنة، للتوصل إلى إجابة مقنعة بإذن الله تعالى.

وقد ارتأيت في إجابة للسائلين أن أجمع لهم ما تقليته في المسألة من محاضرات أستاذي الدكتور محمد بوركاب حفظه الله تعالى، التي كان يلقيها علينا في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، عام 2006/2007م

فأقول وبالله التوفيق :

أولا : تحرير محل النزاع في المسألة

- اتفق الفقهاء على جواز المسح على الجورب المجلد، وهو ما كان باطنه من قطن أو كتان وظاهره من جلد، والجوربان المجلدان يسميان عند المالكية بالجرموقين، أسفلهما جلد يبلغ موضع الوضوء مخروز، قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : "وَالْجُرْمُوقَانِ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ الْجَوْرَبَانِ الْمُجَلَّدَانِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : هُمَا الْخُفَّانِ الْغَلِيظَانِ لَا سَاقَ لَهُمَا ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ،  وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ هُمَا خُفٌّ عَلَى خُفٍّ، فَيَكُونُ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ"[1].

- كما اتفق الفقهاء أيضا على عدم جواز المسح على الجورب الرقيق الذي ينفذ الماء من خلاله ولا يمكن متابعة المشي عليه.

- واختلفوا في الجورب الصفيق – السميك – الذي يمكن متابعة المشي عليه، فهذا هو محل النزاع[2].

ثانيا : مذهب الفقهاء في المسح على الجورب الصفيق أي السميك.

اختلف الفقهاء في جواز المسح عليه إلى قولين:

المذهب الأول:

جواز المسح عليه ؛ لأنه في معنى الخف، وهو مذهب الإمام احمدن والصاحبَيْن من الحنفية، وبعض الشافعية، منهم النووي[3].

نقل النووي عن القاضي أبي الطيب قوله : "وَمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْجَوْرَبَ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجَلَّدَ الْقَدَمَيْنِ".

ثم قال النووي: "وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ كَيْفَ كَانَ وَإِلَّا فَلَا"[4].

واشترط المجيزون للمسح على الجورب السميك ثلاثة شروط:

1- أن يكون سميكا لا ينفذ الماء من خلاله إلى القدم عند المسح.

2- أن يكون ساترا للقدم ثابتا عليه.

3- أن يمكن متابعة المشي فيه، وقد قدرت المسافة بفرسخ عند الحنفية أي ما يقارب5 كم.

المذهب الثاني:

لا يجوز المسح على الجوربين مطلقا، وهو مذهب المالكية وأكثر الشافعية، والإمام أبي حنيفة[5].

ونقل المزني عن الشافعي انه لا يُمسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدي القدمين.

 وقال الدردير :" وَمِثْلُ الْخُفِّ الْجَوْرَبُ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ جِلْدٌ ظَاهِرُهُ، أَيْ كُسِيَ بِالْجِلْدِ ... فَإِنْ لَمْ يُجَلَّدْ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ"[6].

ثالثا : أدلة كل فريق

أ – أدلة من قال بجواز المسح على الجوربين الصفيقين.

1- ما رواه أبو داود  عن المغيرة بن شعبة قال : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَالنَّعْلَيْنِ". 

قال أبو داود: " وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَلَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ"[7].

وقال ابن قدامة :" وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّعْلَيْنِ لَمْ يَكُونَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ النَّعْلَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ: مَسَحْت عَلَى الْخُفِّ وَنَعْلِهِ"[8].

2- ثبت عن الصحابة أنهم مسحوا على الجوربين، قال :"أَحْمَدُ: يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ سَبْعَةٍ، أَوْ ثَمَانِيَةٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وقال: المنذري: " وَيُرْوَى إبَاحَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالْبَرَاءِ، وَبِلَالٍ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ"[9].

3- هو في معنى الخف / قال النووي : "وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ"[10].

ب – أدلة من قال بعدم جواز المسح على الجوربين.

1- القرآن اقتضى الغسل فلا يخرج عنه إلا بمتواتر مثله، وهذه الاحاديث لم يخرجها من اشترط الصحة، وقد ضعفها أبو داود.بخلاف أحاديث الخفين فإنها متواترة[11].

ولو صحت تلك الاحاديث لحملت على الجوربين المجلدين، وأما ما يُروى عن السلف فمحمول على المجلدين.

2- أنه لا يسمى خفا فلا يجوز المسح عليه كالنعل.

رابعا : مناقشة الادلة

أ- : حديث المغيرة أعله الحفاظ وضعفوه.

- فقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي واحمد بن حنبيل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج ، وهؤلاء هم أعلام الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن صحيح ، فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد لقدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة.

وشدد الذهبي على في الإنكار على  الترمذي لتصحيحه هذا الحديث وخلاصة ما قاله:

1- رواية أبي قيس خالف فيها الثقات فهو حديث شاذ.

2- فيه أبو قيس عن هزيل بن شرحبيل، قال المنذري: قال أحمد: لا يحتج بحديثه.

وأجيب عن الأول:  بأنه لا مخالفة بل هي زيادة ثقة وبناء عليه فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين مرة، وعلى الجوربين مرة أخرى.

وأجيب عن الثاني: أن العلماء لم يتفقوا على تضعيفهما ، فأبو قيس احتج به البخاري في صحيحه، وهزيل من رجال البخاري وثقه ابن حجر في التقريب.

ب - لو صح حديث المغيرة لحمل على الجورب المجلد.

ج - بالنسبة للقياس على الخف لا يسلم به.

 لأن الخف مصنوع من جلد، والجورب من قطن أو كتان. وأن الخف يمكن متابعة المشي عليه لمسافات طويلة بخلاف الجورب السميك، فهو وإن أمكن المشي عليه فلمسافات قريبة. وبهذا يظهر انه قياس مع الفارق.

خامسا: القول الراجح في المسألة

من خلال مناقشة أدلة من أجاز المسح على الجورب السميك يتبين لي أن أدلتهم لم تسلم من الاعتراض القوي، وأن مدارها على حديث المغيرة ، وقد تكلم فيه ، وعلى فرض صحته فإنه يحمل على المجلدين جمعا بين الاحاديث وبين عمومات القرآن التي ذكرت الغسل فلا يعدل عنه إلى المسح إلا بدليل مماثل في القوة كما ثبت المسح على الخفين.

وبناء على ذلك فإن ما ذهب إليه الجمهور من عدم جواز المسح على الجوربين هو الراجح والاحوط.

والله أعلم


[1] [الذخيرة للقرافي 1 / 332 ].

[2] [انظر: المغي لابن قدامة المقدسي 1 / 298. والمجموع للنووي 1 / 499 ].

[3] [ انظر: المغني لابن قدامة 1 / 288 – 199].

[4] [ المجموع للنووي 1 / 499].

[5] [الذخبرة 1 / 133 والشرح الصغير1 /153].

[6] [ الشرح الصغير 1/ / 154].

[7] سنن أبي داود 1 / 41

[8] [المغني1 / 215].

[9] المغني1 / 215

[10] المجموع 1 / 499

[11] الذخيرة 1 / 332.

هناك تعليق واحد:

  1. اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
    فقيل: لا يشترط، وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وقيل: يشترط، وهو مذهب المالكية
    أدلة الجمهور.
    1- اشتراط كون الخفاف من جلود لا دليل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع.
    2- المسح على الخفين ورد مطلقاً، فكل ما كان يسمى خفاً جاز المسح عليه.
    3- التفريق بين الخف الذي من جلود، والخف الذي من غيره تفريق بين متماثلين.
    قال النووي في المجموع " اتفق أصحابنا على أنه لا يشترط في الخف جنس الجلود.
    4- سبب إباحة المسح على الخفين هو الحاجة، وهي موجودة في الخف الذي من جلد، كما هي موجودة في غيره من الخفاف.
    قال ابن حزم : وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ - مِمَّا يَحِلُّ لِبَاسُهُ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ سُنَّةٌ , سَوَاءٌ كَانَا خُفَّيْنِ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حَلْفَاءَ أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ - كَانَ عَلَيْهِمَا جِلْدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ- أَوْ جُرْمُوقَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ عَلَى جَوْرَبَيْنِ .... "
    أدلة المالكية:
    قالوا: إن الرخصة وردت في الخفاف المعهودة، وكانت خفافهم من الجلود، فيقتصر المسح عليها كما قالوا أنّ الأحاديث المروية في ذلك لا تسلم من ضعف ومقال .
    الراجح:لا بأس بالمسح على الخفين غير المجلدين بناءً على ما ذكره الجمهور من أدلة على ذلك،وهو على كل حال رخصة لا حرج في الأخذ بها وقد يقال نعم يوجد من خيار العباد ، من ذوي الجد والاجتهاد ، من لا يأخذون إلا بالعزائم لا زهداً في المأثور ، ولا رغبة في عن المرخص فيه المبرور ، بل تربية للنفس على الأفضل ، وأخذاً بها إلى الأمثل والأكمل ، وهو ما يسميه الفقهاء بالاحتياط ، والخروج من الخلاف.

    ردحذف