سائل يقول: قلت لزوجتي في حالة من الغضب أنت طالق بالثلاث وقد ندمت على ذلك ولي معها أولاد فهل من حل لهذه المشكلة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد، أما بعد:
أ - فأما الغصب فإن كل الناس لا يطلقون إلا في حالة الغضب، فلا أحد يطلق وهو مبتهج مسرور، والطلاق في حالة الغضب يقع ويعتد به ولو كان غضبا شديدا.
إلا إذا وصل الشخص إلى حالة صار فيها كالفاقد لوعيه فلم يعد قادرا على التمييز، فهذا لا يقع طلاقه في هذه الحال اتفاقا؛ لأنه صار في حكم المجنون والمكره، وفي الحديث:"لا طلاق في إغلاق". وقد فسر بعض العلماء من غير المالكية الإغلاق بالغضب الشديد الذي ينغلق معه العقل.
والمالكية وإن كانوا يقولون بوقوع طلاق الغضان، ويفسرون الاغلاق بالإكراه، فإنهم وافقون على عدم وقوع طلاق من بلغ به الغضب مبلغا شديدا بحيث يصير فيه كالفاقد لعقله، والعقل مناط التكليف.
قال الشيخ حماني رحمه الله - مبينا قواعد مذهب المالكية في هذا الصدد- :
"ويتبين من كلام أئمتهم المحققين أن كل من بلغ درجة عدم التمييز لم يلزمه الطلاق، فقواعدهم لا تأبى أن الغضب إذا بلغ بصاحبه درجة عدم التمييز والإغلاق لا يلزم معه الطلاق.
[فتاوى حماني3 / 283].
والمفتي يبين الأحكام للمستفتي، والمستفتي أمين على نفسه، فإن فإن كان لم يصل إلى الحالة المذكورة من الغضب، فطلاقه واقع، وإن وصل إليها فلا يقع طلاقه.
ب- أما الطلاق بلفظ الثلاث في مجلس واحد فاختلف فيه العلماء إلى أربعة مذاهب، اهما وأولاها بالاعتبار مذهبان:
1- فذهب المالكية وجمهور الفقهاء إلى أنه يقع ثلاثا، بحيث لا يمكن للزوج مراجعة زوجته بعدها.
2- وذهبت طائفة من اهل العلم إلى انه يقع طلقة واحدة رجعية، وقد أفاض ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في بيان البراهين الساطعة على صحة هذا المذهب ورجحانه.
[زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 226].
وإليه مال الشيخ حماني رحمه الله فقال:"وبذلك أفتى المحققون من علماء العصر، وبه العمل اليوم عند بعض الدول الإسلامية كمصر"هـ [فتاوى حماني3 / 288].
وسئل رحمه الله عن مسألة مشابهة فأجاب بعد ذكر المذاهب وبعض الأدلة:
"وبناء ما تقدم أقول:أنه يلزمكم من قولكم هذا وفعلكم طلقة واحدة، وأنتم مصدقون عندنا في أنكم ما أردتم الثلاث، وحتى لو نويتم الثلاث، فإن هذا الطلاق وقع منكم في مرة واحدة، أي في مجلس واحد، فهو طلقة واحدة، كما كان عليه الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وسنتين من خلافة عمر"هـ [ فتاوى حماني 3/ 290].
وبه كان يفتي شيخنا أحمد إدريس رحمه الله وكذلك شيخنا الدكتور كمال العرفي حفظه الله وشيخنا الدكتور النذير حمادو حفظه الله وقد ذكر لنا شيخنا الدكتور فيصل تليلاني العديد من الأدلة على رجحان هذا المذهب في محاضرات الفقه المقارن بجامعة الأمير عبدالقادر..
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق