......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 29 أغسطس 2016

خلاصة ما ينبغي أن يعتقده المسلم فيما شجر بين الصحابة والتحذير من دعاة الفتنة

يشن بعضهم - في هذه الأيام - حملة شرسة على التاريخ الإسلامي ، مزعزعين بها الأمن الفكري لأمتنا ، ومشككين المسلمين في تاريخهم وعقيدتهم وشريعتهم ... من خـلال الطعن في الصحابة رضي الله عنهم، منهم سيدنا معاوية على وجه الخصوص، الذي حاولوا أن يصوروه للناس بأنه ديكتاتور سياسي مجرد عن كل قيمة خلقية ، بل قرر بعضهم بأنه قد مات على غير ملة الإسلام.
وأمام هذه الحملات التشكيكية المغرضة لا يسعنا إلا أن نصون عقيدة الناس وعقولهم من أن يتطرق إليها الوهم والارتياب ، وكل منا مكلف على قدر ما آتاه الله من طاقة وجهد ومواهب علمية وثقافية.
فمن المُسلـَّمِ به أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان كاتب الوحي[1]، وهو واحد من الصحابة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم :" اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي ، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي ، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ " [2].
وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم «اللهمَّ اجعَلهُ هادياً مَهْديَّـاً و اهدِ به»[3]. وقال أيضاً: «اللهم عَلِّم مُعاوية الكِتاب و قِهِ العذاب»[4]. و قد ثبت من فضائله في السنة الصحيحة الشيء الكثير، ممّا لا يُنكِره إلا جاحدٌ أو جاهل.
ولذلك لمّا سأل رجلٌ الإمام أحمد بن حنبل: «ما تقول – رحمك الله – فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول أنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسَّيف غصْباً؟». قال الإمام أحمد: «هذا قول سوءٍ رديء. يجانبون هؤلاء القوم، و لا يجالسون، و نبيِّن أمرهم للناس»[5].
وأما بخصوص الفتنة التي حدثت بينه وبين سيدنا علي رضي الله عنهما، فإن خلاصة ما ينبغي أن يعتقده المسلم فيها أن كليهما كان مجتهدا متأولا، والمقرر في الشريعة أن المجتهد مأجور أخطأ أو أصاب متى كان أهلا للاجتهاد ، وكان اجتهاده مستندا إلى أصل من الأصول المعتبرة.
فبعد مقتل سيدنا عثمان بويع علي بالخلافة ، وتخلف معاوية عن مبايعته ، لا لأنه يرى نفسه أولى من علي بالخلافة - فهو كان يرى أن علياً أفضل منه وأولى بالخلافة - لكنه طالبه أن يقتص من قتلة عثمان قبل أن يبايعه ، لماذا ؟ لأنه خليفة ، والخليفة يلزمه تنفيذ حكم الشريعة والاقتصاص من قتلة عثمان ، وإذا لم يقدر الحاكم على تنفيذ أمر الله فعليه أن يوكّل أمر الحكم لغيره ، لأن الغرض الشرعي من السلطان هو إقامة حدود الله ، هذا رأي معاوية الذي أداه إليه اجتهاده ، وهو ما دعاه إلى إلى التخلف عن المبايعة.
بينما علي بن أبي طالب كان يرى ما لا يراه معاوية ، إذ لم يقم لنصرته من المهاجرين والأنصار إلا القليل، و كانت عامة جيشه من أهل العراق ، و أهل العراق لم تكن لهم عصبية تجمعهم ، بل كانو شراذم متفرقة ، فإذا حاول أن يقتص من قتلة عثمان (و هم حوالي ألفين)، ثارت عليه عصائب العراق و تفرَّق عليه جيشه ، فلم يكن من الممكن أن يقتص من قتلة عثمان حتى تهدئ الفتنة و تجتمع كلمة المسلمين ؛ فيمكنه - حينئذ - أن يقتص من القتلة بطريقة لا تترتب عنها مفاسد تضر بجيشه ورعيته ، هذا هو رأي سيدنا علي الذي أداه إليه اجتهاده.
ولقد اتفق أهل العلم بأن الحق كان في جانب علي ، وأن معاوية كان باغيا ، إلا أن بغيه لم يكن نتيجة تشهٍ أو هوي ، بل كان نتيجة اجتهادٍ شرعي، والمجتهد مأجور وإن أخطأ كما هو معلوم.
قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله :
"... فإننا نقرر ما قرره جمهور علماء المسلمين وأئمتهم من أن معاوية كان باغيا في خروجه على عليّ، وأن عليّا هو الخليفة الشرعي بعد عثمان.غير أننا يجب أن لا ننسى أن الباغي مجتهد ومتأول ، وإذا جاز لصاحب الاجتهاد المقابل أن يحذره ثم ينذره ثم يقاتله، فإنه لا يجوز لنا وقد انطوى العهد بما فيه أن نتخذ من انتقاص معاوية ديدنا وأن نقف منه- دون أي فائدة مرجوة- موقف الندّ من عدوه اللدود.وحسبنا، في مجال العقيدة، أن نعلم طبقا لما تقتضيه قواعد التشريع، أن الخليفة بعد عثمان هو عليّ رضي الله عنه؛ وأن معاوية، كان يمثل في تمرده عليه طرف البغي، ثم نكل الأمر فيما وراء ذلك إلى الله عزّ وجل.".[ 6].

وقد أجمع أهل السنة قاطبة على وجوب الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة والسكوت عما حصل بينهم من قتال وحروب، وعدم البحث والتنقيب عن أخبارهم أو نشرها بين العامة ؛ لما لها من أثر سيئ في إثارة الفتنة والضغائن وإيغار الصدور عليهم، وسوء الظن بهم، مما يقلل الثقة بهم ، ونصوصهم في هذا الصدد لا حصر لها ، نذكر منها :
-  قَالَ الإمَامُ ابنُ أبِي زَيْدٍ القَيْرَوَانِيُّ:
"بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وتَعْتَقِدُهُ الأَفْئِدَةُ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ........ وأنْ لا يُذْكَرَ أحَدٌ مِنْ صَحَابَةِ الرَّسُوْلِ إلاَّ بأحْسَنِ ذِكْرٍ، والإمْسَاكِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُم، وأنَّهُم أحَقُّ النَّاسِ أنْ يُلْتَمَسَ لَهُم أحْسَنَ المَخَارِجِ، ويُظَنُّ بِهِم أحْسَنَ المَذَاهِبِ"[7].

-
 وسئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم ؟
فقال : ( تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها ) [8].
 - وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل عما جرى بين علي ومعاوية ؟ فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ، فأقبل عليه فقال : اقرأ : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[9].

-  وقال الحافظ ابن حجر :
" اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى وُجُوب مَنْع الطَّعْن عَلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقّ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوب إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد ، وَقَدْ عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَاد , بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَر أَجْرًا وَاحِدًا وَأَنَّ الْمُصِيب يُؤْجَر أَجْرَيْنِ "[10].

وإنك لترى هؤلاء الكتاب - الطاعنين في معاوية وغيره - يغمضون أعينهم عن كل هذا الحقائق ، وراحوا ينبشون عن هفوات أناس قد افضوا إلى الله تعالى ، فلم يدعوا قولا فيه ريبة إلا ونقلوه ، و لا نصا يخدم فكرتهم إلا وتأولوه ، و لاجرم أن الكتابة عما شجر بين الصحابة بهذا الأسلوب الجارح لهي أكبر بكثير من الفتنة التي حدثت وانطوت ، بل هي تنم عن مكيدة مبيتة تهدف إلى تمزيق الأمة الإسلامية ، وزعزعة أمنها واستقرارها ، وبترها عن ماضيها من خلال تشكيكها في موروثاتها العقائدية والفقهية والتاريخية...
وأكرر ما قلته في منشور سابق... بأن نكون حذرين من كل ما يُكتب ويُذاع من الأفكار ، وأن زنها بميزان الشرع المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما انبثق عنهما من قواعد وأصول ، على ضوء ما فهمه سلف هذه الأمة ، والأئمة الهداة الأربعة ، الذين أجمعت الأمة على تلقي مذاهبهم بالقبول إذْ " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ".
وحسبي أني قد بلغت والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الهوامــــــش


1- ثبت ذلك في صحيح مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل أبي سفيان جـ 16 برقم (2501).
2-
رواه الترمذي رقم (3861) في المناقب، باب فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.ورواه أيضاً أحمد في " المسند " [4 / 87].
3-
الحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/236) برقم (3018). و زاد الآجري في كتاب الشريعة لفظة: «و لا تعذبه». كتاب الشريعة للآجري (5/2436-2437) و إسناده صحيح.و أخرجه البخاري بسند صحيح في التاريخ الكبير (5\240).
4-
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7\326) بإسناد صحيح، و أخرجه أيضاً أحمد في فضائل الصحابة (2/913).
5-
السنة للخلال (2\434).
6-
فقه السيرة للبوطي ص[379].
7-
رسالة الإمام ابن أبي زيد القيرواني" (ص19/ ط: الحلبي).
8-
الطبقات الكبرى(5/394) .
9-
مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص126) .
10-
فتح الباري (13/34.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق