الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة
للمتقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبد الله
ورسوله الصادق الوعد الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً"
أما بعد / أيها الإخوة الكرام
حديثنا اليوم عن موضوع من الأهمية بمكان ، لا يستقيم حال الأسرة بدونه .. ولا
تتحقق السعادة والهناء الا به.. ولا يصلح المجتمع إلا بصلاحه .. إنه الزواج الذي
يعد أساس تكوين الأسرة ، واساس بناء المجتمع، وأساس المحافظة على النسل ...
ولأهميته ومكانته أولاه الإسلام
عناية خاصة ورعاية فائقة ، ومن ذلك:
أن الله تعالى لم يصف عقداً من
العقود بما وصف به عقد الزواج ، حيث وصفه بالميثاق الغليظ ، قال تعالى:
"وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ
زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا
مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ
تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ
مِيثَاقًا غَلِيظًا"[النساء21].
الزواج ميثاق غليظ: فهو عهد عظيم
.. ورباط متين .. وعلاقة قوية .. فمن ذا الذي تسول له نفسه بأن يخون هذا العهد
الذي عظمه الله ، أو يفك هذا الرباط الذي وثقه الله ؟!
وللمحافظة على هذا الميثاق أمر
الشارع بالمعاشرة بالمعروف ، وغض الطرف عن النقائص ، والتجاوز عن الهفوات بين
الزوجين ، فقال تعالى:
"وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا".[النساء19]
وقال صلى الله عليه وسلم : (لاَ
يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ).[مسلم
3639].
فالكمال لله وحده ، ومن طلب
زوجا بلا نقائص بقي وحيدا ؛ لأنه لا وجود لشخص كامل لا في الأرض ولا في المريخ
...لذلك فلننظر إلى الإجابيات ولنتغاضى عن السلبيات( إِنْ
كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ).
وللحفاظ على هذا الميثاق الغليظ
نهي الشارع عن الطلاق في حالة الحيض ، لأن ميزاج المرأة أثناء الحيض يكون مضطربا ،
ولأن رغبة الزوج فيها تكون غير متوفرة حينئذ.
وللحفاظ على هذا الميثاق أيضا نهى
الشارع عن الطلاق في حالة الطهر الذي جامعها فيه ، لماذا ؟ لكي لا يطلقها بعد قضاء
حاجته منها ، فتقل رغبته فيها.
فانظر إلى حكمة الشارع الحكيم فهو لا يأمر إلا بما فيه مصلحة
، ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة ، والشريعة
رحمة كلها وعدل كلها ومصالح كلها ....
وللحفاظ على هذا الميثاق الغليظ جعل الشارع الطلاق على ثلاث
مراحل ، فلا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن
يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.
والحكمة من ذلك أن يترك فرصة للزوج
لعله يندم فيراجع زوجته.
وفي حالة نشوز المرأة ، كتعاليها
على زوجها ، أوعدم طاعته ، أو خروجها بغير إذنه ... في مثل هذه الحالة أمر الشرع
بجملة من الوسائل من أجل إصلاح هذا الوضع ، ورد المرأة إلى اعتدالها واستقامتها ، فقال تعالى:
"وَاللاَّتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ
اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً".
ففي هذه الآية ثلاث خطوات متدرجة
من أجل الحفاظ على الرابطة الزوجية ، وهي كالآتي:
الخطوة الأولى
: (فَعِظُوهُنَّ)
الوعظ هو عبارة عن محاورة تشمل
التذكير بالله ، وبما شرع من حقوق الزوجية ، التي يترتب على فعلها الثواب ويترتب
على تركها العقاب، كما يشمل التذكير بمصير الفرقة بين الزوجين وما يترتب عليه من
مفاسد وأضرار تلحق الأسرة والأولاد ، وأيضا يشمل الوعظ المحاورة من أجل الوقوف على
اسباب الخلاف او النشوز.
الخطوة الثانية
: (وَاهْجُرُوهُنَّ
فِي الْمَضَاجِع)
إن لم ينفع الوعظ هجرها في الفراش
، أي ينام معها في الفراش ولكن لا يجامعها ، وذلك من أجل أن تميل المراة إلى زوجها.
الخطوة الثالثة
: (وَاضْرِبُوهُنَّ)
والأمر هنا للإباحة وليس للاستحباب ، ومن
القواعد الأصولية (الأمر بعد الحظر - اي بعد المنع
- للإباحة) ،
والضرب كان ممنوعا في الأصل ، فالأمر به بعد منعه للإباحة.
فإذا لم ينفع الوعظ والهجر انتقل
إلى ضرب التأديب غير المبرح ، ويجب أن يتقى فيه الوجه والرأس ، والضرب هو عبارة عن
تخويف بغرض التأديب ، وهو خلاف الأولى عند علمائنا المالكية ، أي الأفضل ألا
يضربها ، لأن الضرب ليس من شيم الكرام ، وفي الحديث:(أضربوا
ولن يضرب خياركم).
وقد يزيد الضرب المرأة نفورا خصوصا
في هذا الزمن ، لذلك ينبغي أن يُتجنب الضرب ، حتى لا نقع في مناقضة قصد الشارع ،
فالشارع شرع الضرب من أجل الإصلاح ، فإذا غلب على الظن أنه يؤدي إلى مفسدة
لزم تركه ، وهذا مبناه على أصل اعتبار المآل الذي قررته الشريعة المعظمة.
لزم تركه ، وهذا مبناه على أصل اعتبار المآل الذي قررته الشريعة المعظمة.
فإن لم تنفع هذه الوسائل كلها ،
انتقل إلى خطوة رابعة ، وذلك بتوسيع دائرة الإصلاح ، بتكوين جماعة من أهل الزوجين
لأجل الإصلاح والتوفيق بينهما ، حفظا لميثاق الزواج من الانهيار ، قال تعالى :
" وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا
إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ".
فإن لم ينفع كل ذلك ، ووصلت الحياة
إلى وضع لايطاق ، انتقل حينئذ الى الطلاق ، فهو آخر الحلول ، كآخر العلاج الكي. "وَإِنْ
يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا
حَكِيمًا".
ولكن لو اتبع الناس تلك الخطوات التي
شرعها الله لما طلق أحد ابدا.
ولكن الناس اليوم تركوا كل ذلك ..
وجعلوا الطلاق أول الحلول ، وهذا يعتبر تعديا لحدود الله."ومن
يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"
بل اصبح الناس يوقعون الطلاق لأتفه
الأسباب ، وهذا يعد تلاعبا بالشرع الذي اعتبر عقد النكاح (ميثاقا
غليظا)، وأمر ألا يلجأ الى الطلاق إلا بعد استنفاد كل وسائل الاصلاح بين الزوجين ، من
موعظة ومحاورة ، وهجر في الفراش ، وضرب وتخويف ، ثم إرسال الحكمين...
ومن الناس من يوقع الطلاق ثلاثا
بلفظ واحد ، كقوله ( انت طالق بالثلاث
) او ( انت
طالق طالق طالق ) ، أو يوقعونه في حالة الحيض ، و
هذا كله لا يجوز لأنه طلاق بدعي خلاف السنة ، ولكنه يترتب عليه أثره ، أي يقع به
الطلاق مع الاثم في المذاهب الأربعة.
ومنهم من يطلق زوجته ثلاث مرات أو
أربع .. في مجالس متفرقة ، ثم يهرع للإئمة باحثا عن حل لقضيته ، وماذا يفعل له
الأئمة بعد هذا ، وقد بانت منه زوجته بينونة كبرى ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
من غير تحليل.
والأدهى من ذلك والأمر أن هناك من
طلق زوجته ثلاث مرات أو أربع .. في مجالس متفرقة ولكنه لا يزال يعاشرها ، وهذا
واقع حقيقة وقد أخبروني به كم من مرة ، وهو زنى باجماع العلماء والعياذ بالله ، بل
هو أكبر من الزنى ، لأنه استحلال لما حرم الله.
ومن الحماقات أن يكتب أو يقول
بعضهم لزوجته(أنت طالق) ، ثم يقول أنني كنت أمزح ، ولكنه
لا مزاح في الطلاق فجده جد وهزله جد.
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ
وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالرَّجْعَةُ".
[رواه أبو داود [2194]، والترمذي [1184].
ومن الآفات التي انتشرت بكثرة لفظ
التحريم ، بأن يقول لزوجته : (أنت علي حرام
) وما أشبه ذلك .. وكيف تحرم زوجتك ؟ الله أحلها لك وأنت تحرمها ! إن هذا الأمر شنيع ومنكر من القول وزور !
وبعض الفقهاء عدوا هذا اللفظ طلاقا
ثلاثا ، لماذا ؟ قالوا لأن المرأة لا تحرم على زوجها إلا بالطلاق الثلاث ، وبعضهم
قالوا ينظر فيه الى نية المتلفظ وقصده ، فإن نوى الظهار فهو ظهار ، وإن نوى الطلاق
فهو طلاق ، وإن نوى اليمين فهو يمين ، لماذا ؟ قالوا لأن لفظ التحريم محتمل فلا بد
من النظر فيه إلى القصد والنية.
والذي رجحه الشيخ أحمد إدريس رحمه
الله من تلك الأقاويل أنه يعد طلقة واحدة رجعية.
أيها الناس إن هذه الظاهرة قد
انتشرت في مجتمعنا بكثرة ، وهي من الخطورة بمكان ، فيجب علينا جميعا أن نعمل على
معالجتها وإصلاحها ، ولا يكفي في ذلك أن تلقى حولها خطبة عابرة ، بلا بد أن تنظم
حولها ندوات وملتقيات ودراسات... للوقوف على اسبابها ، ثم الشروع في علاجها، فإنها
إن تركت دمرت مجتمعنا وابناءنا ونساءنا ..
فاتقوا الله ربكم ، واعلموا أن
الكلمة قد تؤدي بصاحبها إلى خسارة الدنيا والآخرة. "إِنَّ
الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا
سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ" [متفق عليه].
فكم من أسر دمرت ! وكم من ذرية
شردت ! وكم من أرحام قطعت ! وووو
... بسبب كلمة الطلاق...
فاتقوا الله ربكم واحذرو الغضب
فإنه من الشيطان..وامتثلوا قول بارئكم :"وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
واصلحوا ما بينكم وبين الله يصلح
لكم أزواجكم وذرياتكم وتجارتكم وشؤونكم كلها.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً".
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون
القول فيتبعون احسنه
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
والحمد لله رب العالمين.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
والحمد لله رب العالمين.
بارك الله فيك يااستاذنا وارجوامنك طرح مزيدا منالمواضيع لكي نستفيد منها ومشكورثانية
ردحذفالشيخ العيد حفظك الله ورعاه نريد خطبا جديدة بارك الله فيك
ردحذف