......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 29 أكتوبر 2015

خطبة عن أول نوفمبر 1954

حقائق تاريخية من وحي الثورة الجزائرية
محامد
الحمد لله القوي المتين، الناصر المعين ، المؤيد لمن حمل راية نصر الدين ، نحمده سبحانه  على لطفه وإحسانه ، ونشكره تعالى على تفضله وإنعامه ، ونسأله المزيد من أفضاله ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعز من يشاء ويذل من يشاء , وما النصر إلا من عنده جل وعلا ، وهو الله العزيز الحكيم .   وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد. 
مقدمة

يقول الله عز وجل:  "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس، فآواكم وأيدكــــــــــم بنصره  ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون"
إن هذا النص المبارك لينطبق  - بعموم لفظه -  علينا في هذه البقعة المباركة من أرض الله تعالى ، التي تسمى بالجزائر ، فقد أتت علينا مرحلة من الزمن استضعفنا فيها الغزاة الفرنسيون ، فلم نكن نأمن فيها على أنفسنا وأعراضنا وأموالنا ... ثم – وبعد تضحيات جسام - أتت بشائر النصر ، وبدلنا الله بعد خوفنا أمنا ، وبعد استعمارنا حرية وسيادة : " وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِالْعَزِيزِ الْحَكِيمِ". فاذكروا هذا - أيها المؤمنون – واشكروا الله على نعمة النصر والتمكين ، "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْوَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".
أيها الإخوة : إن التاريخ هوذاكرة الأمة  ولسانها ،  وبالذاكرة تعقل وباللسان تنطق محاربة أو مسالمة ، وعلى أسس التاريخ  يبني الحاضر  والمستقبل ....لذلك سنكشف في خطاب اليوم  عن بعض الحقائق التاريخية الهامة ، من خلال ثورة نوفمبر المجيدة .

1-             ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة

فاستقلالنا  واسترجاع سيادتنا الوطنية ما كان  ليقدم لنا هدية سائغة أو عطاء لا مقابل له ، بل جاء نتيجة لتضحيات جسام لم يشهد التاريخ لها مثيلا ، وهل كان لفرنسا أن تصغي لمفاوضاتنا ، أو تستجيب لمطالبنا ،  لولا ثورة نوفمبر المجيدة ، التي  أخذت تشق طريقها نحو فجر الحرية والسيادة  تحت قوافل الشهداء الأبرار، فــنحن - كما قال شاعر ثورتنا - "لم يكن يصغ لنا لما نطقنا *** فاتخذنا رنة البارود وزنا.                                        
و من جملة الأباطيل التي حاول أذناب الغرب إلصاقها بثورتنا وتاريخنا ظلما وزورا ، قولهم  : أن استقلال الجزائر كانت نتيجة لمفاوضات سياسية خارجية ؟؟ إن هذا لإفك مبين ، وتزوير للحقائق التاريخية ، وخيانة وإجحاف لثورة دفعت ثمن حريتها مليونا ونصف مليونِ شهيد أو يزيدون ،  وما قال عاقل بأن المفاوضات تحرر الأوطان ، ولو كان ذلك حاصل لحصل لفلسطين الحبيبة ، فكم فاوضت ولا تزال تفاوض دون طائل ، ولو بقي الشعب الجزائري مكتوف الأيدي ثم راح يفاوض للقي نفس المصير ، ولذلك فإن في كفاح الجزائر لأسوة حسنة لمن كان يرجو الحرية والانتصار ، " فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " ، وهي حقيقة يشهد لها الواقع التاريخي ويقرها العقل والمنطق.

2-             ربانية الثورة الجزائرية ومظاهرها


كما ينبغي أن نعلم يقينا بأن ثورتنا المجيدة ( التي صنعت  التاريخ , وبهرت العالم, وقهرت الجبابرة ، وقصمت ظهور الأكاسرة,وغيرت مجرى الأحداث, وأعطت لشعوب العالم دروسا عملية في الجهاد والتضحية والثبات 
والاستشهاد...)  إن هذه الثورة تختلف وتتميز عن كثير من الثورات والمقاومات في العالم بأمر هام ، قلما يتطرق إليه المؤرخون والمحللون والباحثون , على الرغم من كونه العامل الحاسم ، والمؤثر في النصر والتمكين ، ألا وهو : "الجانب الرباني في ثورة التحرير المباركة " .فلقد كانت ثورتنا ربانية من أول وهلة :
 فنشيدها: الله أكبر، وكلمة سرها:عقبة وطارق ، وحملة سلاحها : هم المجاهدون.. وقتلاها: هم الشهداء .. وقادتها : هم حملة القرآن الكريم.. وإن بيان أول نوفمبر ليقرر هذه الحقيقة الهامة بوضوح ، إذ نص على أن الهدف الأول للثورة هو:
" إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية".                                                 ثم إن الاستعمار الفرنسي – كما يقول البشير الإبراهيمي رحمه الله :
"صليبي النزعة ، فهو منذ احتل الجزائرعاملٌ على مَحْوِالإسلام لأنه الدين السماوي الذي فيه من القوة ما يستطيع به أن يسودَ العالم ، وعلى مَحْوِ اللغة العربية لأنها لسانُ الإسلام ،وعلى محو العروبة لأنها دعامة الإسلام ، وقد استعمل جميع الوسائل المؤدية إلى ذلك... ".   
 ولما أبى الشعب الجزائري أن يحيد عن أصله - رغم كل المحاولات الماكرة ، والوسائل الشيطانية التي جربت ضده - قوبل بأبشع جرائم  التقتيل والاضطهاد والتعذيب والإبادة الجماعية ، وتفنّن مصاصوا الدّماء  من قادة الجيش الفرنسيّ في التنكيل بالجزائريين ، وابتدعوا من أساليب التّعذيب  والقتل ما لم يكن يخطر على بال أحد قبل ذلك ، وجرائمهم في ذلك غير خافية ، و لا تحتاج إلى دليل ...
وبهذا كله يتجلى لنا أن الحرب الفرنسية على الجزائر لم تكن معركة تراب أو موارد  وثروات طبيعية .. بل كانت غزوا فكريا ، ومسخَ هوية وطنية  وبالمقابل فإن ثورة التحرير كانت ثورة ربانية ؛ لكونها معركة عقيدة وإيمان ، ومعركة صليب وهلال , وشهد شاهد من أهلها وهو وزير الخارجية الفرنسية أنذاك، الذي صرح قائلا:"إنها معركة الهلال والصليب... ولا بد أن ينتصر الصليب ".
وقال  أحد جنرالاتها :" وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا ". والحق ما شهدت به الأعداء.

3-             نصوص القرآن تشهد لربانية ثورتنا

وحينما نرجع إلى القرآن الكريم نجده  يكشف لنا في العديد من آياته عن طبيعة وحقيقة أعداء الإسلام ، ويبين لنا غاياتهم وأهدافهم ، وما تكنه ضمائرهم من حقد دفين على حملة هذا الدين ، ومن ذلك :
قوله تعالى : ولن ترضي عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم ".
وقوله تعالى :" و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا". والشاهد في ذلك أن غاية الكفار من قتال المسلمين ، هي  إخراجهم  عن دينهم ، بمختلف الوسائل ، سواءٌ الوسائل المسلحة ، أو الوسائل الفكرية والثقافية ، كتلك التي جربها الاستعمار ضدنا ، وهذا ما يؤكد ربانية ثورتنا ، فقد كانت معركة عقائدية ، بين الكفر والإيمان ... فالاستعمار الفرنسي كان عازما على محو عقيدة التوحيد لتحل محلها عقيدة الصليب ، والثورة الجزائرية كانت دفاعا عن عقيدة التوحيد وحفظا للدين الذي أنزلت الشرائع لحفظه ،  ولأجل ذلك استحقت نصر الله وتأييده  ؛ لأنها كانت تهدف إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل  ولو لم تكن تلك غايتها لما استطاعت إلى تحقيق النصر سبيلا ، فإن المعركة بيننا وبين فرنسا لم تكن متكافئة عددا وعدة ،  وإنما نصرنا الله تعالى  - على الرغم من قلة عددنا وعتادنا -  لأن  ثورتنا كانت نصرة  للحق ومن أجل إعزاز الدين والتمكين له ، قال تعالى :" ولينصرن الله من ينصره".وقال تعالى أيضا:  "إنتنصروا الله ينصركم" 
 والنتيجة : أن ثورتنا المجيدة إنما استحقت نصر الله وتأييده ؛ لأنها كانت نصرة لله تعالى ... 

4-             ربانية ثورتنا هي قوام حياتنا

وتلك هي ربانية ثورتنا التي ينبغي أن نعيها ، وننقلها للأجيال ذكرا مجيدا ؛ ليعلموا أن سر قوتهم يكمن في التسك بهذا الدين ، الذي تمسك به أجدادهم وآباؤهم ، فاستحقوا النصر والتمكين ، وأننا متى تنكرنا لديننا أو انحرفنا عن منهجه كنا عرضة للهزائم والزوال والاندثار.
و لله ما أروعها من كلمات تلك التي عبر بها مفدي زكريا عن ربانية ثورتنا محذرا من عواقب الانحراف عنها - فقال رحمه الله:

شربت العقيدة حتى الثمالــــة ..... فأسلمت وجهي لـرب الجـــلالــه
ولولا الوفـاء لإسلـــــــامنــــا ..... لمـا قرر الشعب يومـا مـــــآلـــه
ولولا استقامة أخـــــلاقنــــا ..... لمـا أخلص الشعب يوما نضالـه
ولولا تحالف شعــــــب وربٍّ ..... لمـا حقق الرب يومــا ســــؤالـه
هو الدين يغمـر أرواحـــــنــا ..... بنـور اليقيـن ويرسي العــدالــه

إذا الشعب أخلـف عهد الإلـه .....  وخـان العقيــدة فارقُـــب زواله


5-             الحرب بين الإسلام ومناوئيه ماضية إلى يوم الدين

ومن الحقائق الهامة التي ينبغي أن نعيها ، أن الحرب على الإسلام ومعتنقيه لن تتوقف أبدا ، لأن الله تعالى يقول : " و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا". فإن لم نرتد عن ديننا فلا توقف للقتال ، فهي وإن توقفت اليوم بينا وبين فرنسا عسكريا ، فإنها لم ولن تتوقف بالوسائل الأخر ، من ثقافات ماجنة ، و أفكار إلحادية يزجونها إلينا  ؛ لذلك ينبغي أن نكون يقظين وحذرين من مكائد أعدائنا ودسائسهم ، التي يقدمونها لنا تحت مسميات شتى : من ثقافة ، أو فن ، أو رقي ، أو حرية، أو عدالة ، أو حقوق امرأة .... فكل ذلك ينبغي أن يؤخذ من ينابيع عقيدتنا ، ومن ثقافتنا الإسلامية الأصيلة ، لا من بضاعة أعدائنا الذين يقدمون لنا السم في الدسم.

6-             لا تنسوا فضل شهدائكم

وفي الختام ننبه إلى حقيقة أخرى وهي: أن ما أحرزناه من نصر، وما ننعم به اليوم  من حرية و سيادة ، وأمن واستقرار ؛ فبسبب تضحيات الشهداء الأبرار ، الذين قدموا أرواحهم فداء لعقيدتهم وشعبهم ووطنهم ، وبذلوا في سبيل ذلك دماءهم الطاهرة ؛ ولهذا كان فضلهم علينا عظيما ، والله تعالى يقول : "ولا تنسوا الفضل بينكم " ، وكيف يمكن لحر أصيل أن ينسى أو يتناسى فضل من أكرمه وأحسن إليه ، خصوصا  إذا كان ذلك  المحسن قد ضحى بحياته من أجل سعادتنا وسيادتنا ...!!!  وهذا ما فعله الشهداء الأبرار من أجلنا ، ولسان حالهم يقول:
واقـــض يا موت في ما أنت قاض ..... أنا راض إن عاش شعبي سعيدا

أنا إن مت فالجزائر تحــــــــــــــيا .....  حــــــــــرة مســــــتقلة لن تبيدا

الختام

فنسأل الله تعالى أن يرحم شهداءنا الأبرار بواسع رحمته ، وأن يسكنهم فسيح جنانه ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا ، ونسأله تعالى أن يمن علينا في هذه البقعة الطاهرة – الجزائر – بالأمن والاستقرار ، والعافية المعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ومن أرادنا  بسوء  فنسأل الله أن يجعل تدبيره في نحره وأن يشغله بنفسه .
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين


هناك 43 تعليقًا:

  1. السلام عليكم شيخنا الفاضل العيد ، إنك تثري مواضيع هامة وواقعية جزاك الله خيراً وزادك علما ورفعة بمنه وكرمه ، ولوتكرمت لإضافة خدمة جليلة لخطبك القيمة ، حتى تعم الفائدة ، تعد نسخ مشكولة لخطبك ، مشكور شيخنا مرة وأخرى وجزاك الله خيراً .
    ـــ تلميذكم : بوزيان بشير بويجرة

    ردحذف
  2. بزركت شيخنا ونفع الله بك البلاد والعباد

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا ياشيخنا الفاضل على هذا الاهتمام بالوطن العزيز وذكريات شهدائنا الابرار وعلى كل ما تقدمه للامة والدين زادك الله حرصا وعلما وعزا قال صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس.بالتوفيق

    ردحذف
  4. جزاك الله عنا خير الجزاء ياشيخنا الفاضل على هذا الاهتمام والحرص لخدمة الإسلام والمسلمين وكيف لا وهي ذكرى غالية لها شأن عظيم في عقل وقلب كل من القى السمع وهو شهيد ويقدر تلك التضحيات الجيسمة قال صلى الله عليه وسلم :{خير الناس أنفعهم للناس}وفقت وبوركت

    ردحذف
  5. شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااا

    ردحذف
  6. ما عجبنيش

    ردحذف
  7. ما عجبنيش

    ردحذف
  8. رائعة جدا

    ردحذف
  9. شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

    ردحذف
  10. افضل خطبة لبحثي شكراااااااااااااااااااااااا

    ردحذف
  11. الله يحفظك يا شيخنا ويحفظ الوطن وكل المسلمين

    ردحذف
  12. الله يحفظك يا شيخنا ويحفظ الوطن وكل المسلمين

    ردحذف
  13. شكرا شيخنا الفاضل على هذه الكلمات الرائعة الربانية والتى لا شك أنها خرجت من القلب فجزاك الله كل خير ووفقكم لخدمة كتاب الله تعالى

    ردحذف
  14. بارك الله فيك يا الشيخ العيد نفع الله بك

    ردحذف
  15. شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

    ردحذف
  16. بارك الله فيك

    ردحذف
  17. بارك الله فيك

    ردحذف
  18. الردود
    1. جعلها الله في ميزان حسناتك سبدي العيد

      حذف
  19. ممتاز كثر الله من امثالكم

    ردحذف
  20. بارك الله فيك وزادك من فضله وعلمه

    ردحذف
  21. شكر الله لكم

    ردحذف
  22. بوركت سيدي الفاضل.وجزاك الله من فضله وبركته ونوره.

    ردحذف
  23. جميل جدا

    ردحذف
  24. بارك الله جهودكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين

    ردحذف
  25. نستفيد من خطبك كثيرا أسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك

    ردحذف
  26. جزاك الله كل خير شيخنا الفاضل العيد بن زطة ونفع الله بكم البلاد والعباد

    ردحذف
  27. جزاك الله خيرا سيدي الفاضل

    ردحذف
  28. بوركت شيخنا الفاضل

    ردحذف
  29. جزاكم الله خيرا....ويا حبذا لواضاف الشيخ بعض الدروس الوعظية المتنوعة ليستفيد منها الائمة في دروس الجمعة

    ردحذف