الحمد لله الذي هدانا لهذا وما
كنا لنهتدي لولا أن أهدانا الله ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ولطفه
وإحسانه ، ونسأله المزيد من أفضاله ، ونشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك
له ، شهادة نستعد به إلى يوم لقائه ، يوم لا ينفع مال و لا بون إلا من أتى الله
بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى وأنزل عليه
الكتاب بالحق ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز
الحميد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبهم بإحسان إلى يوم الدين.
" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ "
إخوةَ
الإيمانِ:
تمر بنا في هذا الأسبوع مناسبة يوم العلم ، وهي
مناسبة جليلة ، والحقيقة أن العلم ليس له مناسبة محدودة ، أو يوما معينا ؛ لأن
العلم به حياة الأفراد والأمم ؛ لأن :
مَنْ فَارَقَ
العِلْمَ حَلَّ الذُّلُّ سَاحَتَهُ ..... ولَمْ يُعَظَّمْ ولَمْ يُكْرَمْ ولَمْ يُهَبِ
كَمْ مِنْ
صَغِيرٍ يُرَى والعِلْمُ كَبَّرَهُ ......
مُؤَيَّدٍ ظَــــــاهِرٍ للعِزِّ مُكْتَسَبِ
وكَمْ كَبيرٍ
يُرَى والجَهْلُ صَغَّـرهُ .......
مُبَكَّتٍ خَامِلٍ فِي الذُّلِّ والغَلَبِ
وقال آخر:
ففز بعلم تعش به حيا أبــــــدا
........الناس موتى وأهل العلم أحياء
و من أسباب سعادة العبد، وعلامات إرادة
الخير به أن يوفقه الله للتفقه في دينه ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" . وقال عليه الصلاة والسلام :
" من
سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة".وعَنْ أبي هريرة ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَا عُبِدَ اللَّهُ
بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ ، وَلَفَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى
الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا
الدِّينِ الْفِقْهُ " ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " لأَنْ أَجْلِسَ سَاعَةً
فَأَفْقَهَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِي اللَّيْلَةَ إِلَى الْغَدَاةِ.
وتكمن أهمية
العلم في أنه لا
يمكن معرفة الخطأ والصواب ، والصحيح والفاسد ، والحق الباطل ، والحلال والحرام إلا
بالعلم. والأمم التي تقدمت وازدهرت إنما كان تقدمها ورقيها نتيجة لما لديها من
علوم ومعارف ، ونحن في الجزائر إنما انتصرنا بالعلم ، وقهرنا فرنسا بالعلم ، وحافظنا
على هويتنا وأصالتنا ومقوماتنا بالعلم ........
وصدق
من قال :
العلم يبني بيوتا لا عماد لها ..... والجهل يهدم بيوت العز والشرف
كما أنه لا يمكن الإتيان بالعبادات
والمعاملات على الوجه الصحيح إلا بالعلم ، والله تعالى إنما يقبل من العمل أخلصه
وأصوبه ، والأصوب هو ما وافق الشرع ، وإدراكه متعذر على غير المتفقهين في الدين ،
ولأجل هذا أعز الله العلماء ورفع من شأنهم ، وقال تعالى : " إنما يخشى اللهَ من عباده
العلماءُ
" . والسر في ذلك أنهم يعرفون الله تمام المعرفة ويدركون الطريق الموصل إليه
، بخلاف الجهلاء الذين قد يضعون الأمور في غير مواضعها ، وقد يسيئون وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا.
ولله در القــــــائل:
العلـم أشــــرف مطلــــوب
وطالــبه *** - لله أكرم- من يمشي عـلى قــــدم
فقدِّسِ
العلمَ واعـرف قدر حـرمـــته *** في القول والفعــل والآدابَ فالتـزم
يا طالب
العلـــــم لا تـبغِ به بــــــدلاً *** فقد ظفــرت ورب اللّــــَوح والقــلم
واجهـــــد
بعـــزم قـوي لا انثناء لـه *** لو يعلم المــرء قدر العلـــم لم يـنمِ
والنيةَ
فاجـعلْ لــوجه الله خـــالصـةً *** إن البناء بدون الأصـــــل لم يــــقمِ
ولأجل هذا حث
الإسلام على العلم ورغب فيه ، وكان أول ما نزل من القرآن : " إقرأ..."
وهو تنبيه إلى أهمية العلم في حياة الفرد والمجتمع . وقال تعلى : "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ". طبعا لا يستوون .. ؟ فالدرجات العلى إنما تنال بالعلم " يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ". وبالمفهوم المخالف - كما يقول أرباب
الأصول- يضع الله الجهل وأهله دركات.
وهذا
سيِّدُ الخلقِ وأعلمُهم محمَّدٌ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: "يَا أيُّهَا الناسُ تعلَّموا فإنَّما
العِلْمُ بالتعلُّمِ والفقهُ بالتفقُّهِ فمَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خيرًا يفقِّهْهُ
في الدِّينِ".
وهوَ
القائلُ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ : "يا أبَا ذرٍّ لأنْ تغدوَ فتتعلَّمَ
ءايةً مِنْ كتابِ اللهِ خيرٌ لكَ مِنْ أنْ تصلِّيَ مائةَ ركعَة (أيْ مِنَ السُّنَنِ) ولأنْ تغدوَ فتتعلَّمَ بابًا مِنَ العِلْمِ خيرٌ لكَ مِنْ أنْ
تصلِّيَ ألفَ ركعة" (أيْ مِنَ
النوافلِ مِنَ السننِ).
فلوْ
لم يرد في فضْلِ العِلْمِ إلا هذَا الحديثُ لَكَان كافَيا ؛ فعِلْمَ الدِّينِ هوَ
حياةُ الإسلامِ وجوهره ، مَنْ أهملَهُ تاه في غياهب الجهالة ، ومالت به الرِيحٍ حيث تميل .....فشأن الجاهلُ كالتائهِ
في وسَطِ الصحراءِ بلا دليلٍ لا يدري هلْ يقتربُ مِنْ مقصودِهِ أمْ يبتعدُ ؟ هكذَا
حال الجاهلُ فهو لا يضمنُ صِحَّةَ صلاتِه ولا صحةَ صيامِه ولا صحةَ حَجِّهِ ......
كما ذكرنا آنفا.
إخوةَ
الإيمانِ:
إذا كانت تلك هي مكانة العلم
ومنزلته وأهميته فمن الحماقة أن نتقاعد عن طلبه ، أو نزهد في تعلمه ، أو نزدري
أهله ، احذروا أيها الإخوة فذاك منزلق خطير ؟؟؟ فإن
لأهل العلم في الإسلام منزلة رفيعة
؛ فهم و رثة الأنبياء ، وحفظة الشريعة المعظمة ، ينفون
عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ولا يتأتى فهمها إلا عن
طريقهم ؛ لذلك كانت
حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، وكانوا في
الأرض بمنزلة النجوم في السماء ، وكانوا بولاية الله أحق من غيرهم؛ لهذا
قال قال أبو حنيفة والشافعي : " إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي. "
وقال عكرمة - رضي الله عنه
: " إياكم أن تؤذوا أحداً من
العلماء ، فإن من آذى عالماً فقد آذى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - والعلماء هم حراس الدين وحماته من الابتداع والتزييف، وقد قيل لابن المبارك: هذه
الأحاديث المصنوعة !! فقال: يعيش لها الجهابذه."
فالأمة التي تبجل علماءها وتحتفل بذكراهم و تهتم بعلومهم ومآثرهم لهي أمة جديرة بالتوقير والاحترام ، حرية بأن تحظى برعاية الله وحفظه .
أما الأمة التي لا توقر علماءها و لا تعرف لهم قدرا و لا فضلا ؛ فأقل ما يقال فيها أنها أمة لئيمة ! ثم إن مصيرها إلى الخراب والاندثار لا محالة ، لأن الحياة بدون العلماء ظلمات بعضها فوق بعض.
إخوةَ
الإيمانِ:
لنتعلَّمْ
العِلْمَ فهو الطريقُ إِلى السعادةِ الأبديَّةِ ، فطلبُهُ عبادةٌ ، وتعليمُه صدقةٌ
، وهوَ الأنيسُ في الوَحدةِ ، والصاحبُ في الخلْوَةِ ، ومنارُ سبيلِ الجنَّةِ ، يرفعُ
اللهُ بهِ أقوامًا فيجعلُهُمْ في الخيرِ قادةً وَسادةً ..... وتضعُ الملائكةُ أجنحتَها
تواضعًا لأهلهْ وتستغفرُ لهمْ حيتانُ البحرِ وطيورُ البَراري ، لأنَّ العِلْمَ هو حياةُ القلوبِ مِنَ العَمى ، ونورُ
الأبصارِ مِنَ الظلمة ، وقوةُ الأبدانِ مِنَ الضَّعفِ ، وبهِ يُطاعُ اللهُ عزَّ
وجَلَّ ، وبهِ توصَلُ الأرحامُ ، وبهِ يُعرَفُ الحلالُ والحرامُ ......
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون
القول فيتبعون أحسنه .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
خطبة رائعة من شيخنا وتاج رؤوسنا الشيخ العيد بن زطة زادك الله توفيقا وسدادا
ردحذف