الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين / أما بعد:قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَيه عَنْ ربه عز وجل أَنَّهُ قَالَ: " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا.." (مسلم ).
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا
مَحَارِمَهُمْ" (مسلم).
أيها الإخوة الكرام : إن الظلم من أكبر الكبائر وأقبح
الموبقات ، وهو سبب لخراب الديار وهلاك الأمم والشعوب ، فمتى استمر الظلم
دمر أهله ، وقد تتعدى آثاره إلى المجتمع بأسره ، قال تعالى : " فتلك بيوتهم خاوية بما
ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ".
وقد يغتر الظالم بإمهال الله له ، وإمداده بالصحة والقوة والمال
والبنين.... ويظن أنه سيفلت من عقاب الله تعالى ، وهذا محال ! فإن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " إن
الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "
ثم تلا قوله تعالى : " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ
القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " (رواه البخاري) .
وقال تعالى :" ولا
تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار".
فلا بد أن ينال الظالم جزاءه العادل في الدنيا والآخرة ،
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، وقال تعالى : " إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها
..." ، والظالم ملعون بنص القرآن العظيم ، يقول الله
تعالى "
أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـالِمِينَ " ، قال ميمون بن مهران: إن
الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه ، قيل له : وكيف يلعن نفسه ؟ ! قال : يقول: (أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـالِمِينَ) وهو
ظالم.
ودعوة المظلوم مستجابة ليس بينها وبين الله حجاب ، قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثُ
دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ
الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ" (رواه
أبو داود وغيره وحسنه الألباني).
والله يستجيب لدعوة المظلوم و لو كان فاجراً فاسقاً ،
قاله عليه الصلاة والسلام: "دعوة المظلوم
مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه" (رواه
أحمد وغيره).
فهيهات هيهات أن ينجو الظَلوم وخلفه سِهام من دعــــاءٍ !
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... و لا تدري ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطئ وإنما... لها أمد و للأمد انقضاء
لا تظلمن إذا ما كنت مقـــــــتدرًا … فالظــلم آخـــــره يأتيك
بالــندم
واحْذَرْ أُخَيَّ مِنَ المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ ... لا
تَأْخُذَنْكَ سِـهَامُ الليلِ فِي الظُّلَمِ
تنام عيناك والمظلـــــــــــوم منتبه … يدعو عليك وعين الله لم
تـنم
والظلم نوعان :
1 -- ظلم العبد لنفسه، وذلك بارتكاب
المعاصي والسيئات ، وترك الواجبات واتباع الشهوات ، قال تعالى : "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظمون" ، وأعظم
ظلم العبد لنفسه أن يشرك بالله ، قال الله تعالى : " إِنَّ الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " ، وقال
تعالى : " " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً "
و هذا النوع من الظلم هو بين العبد وربه ، فيغفره الله
بالتوبة والندم والاستغفار ، فالتوبة الصادقة تمحو الذنوب والسيئات مهما
عظمت ، حتى الكفر والشرك ، لقوله: " قُل
لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ".
2-- ظلم العبد لغيره من العباد ،
ولهذا النوع مظاهر و صور عديدة:
فمن ضرب غيره فقد
ظلمه .. ومن شتم غيره فقد ظلمه .. ومن أشاع كلمة ليشين بها سمعة أخيه فقد
ظلمه .. ومن أكل مال أخيه بغير حق فقد ظلمه.. ومن نظر إلى غيره نظرة يخيفه فيها
فقد ظلمه .. ومن أساء إلى جاره فقد ظلمه .. ومن ضار بزوجته فقد ظلمها .. ومن لم
يعدل بين أولاده فقد ظلمهم.. وأعلى صور هذا النوع : سفك الدماء.
وهذا النوع من الظلم لا يغفره الله إلا بأداء الحقوق
لأهلها ، أو باسترضاء الخصوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم
قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم
تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " (رَوَاهُ
الْبُخَارِىُّ
).
بعض الناس لديه مفهوم خاطئ ، يسمع قوله صلى الله عليه
وسلم: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ
يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "(رَوَاهُ
الْبُخَارِىُّ
). أو يسمع قوله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
" (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ ). فيظن أن حجه أو صيامه سيغفر له ظلمه
للعباد ! وهذا ليس بصحيح ، فالله تعالى إنما يغفر لك ما بينك وبينه ، أما ما بينك
وبين العباد ، فلا يغفر إلا برد الحقوق لأهلها ، أو طلب العفو والمسامحة منهم ،
ومن القواعد المقررة لدى العلماء : (حقوق الله مبنية
على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاححة) ، وفي الحديث :" يغفر للشهيد كل ذنبٍ إلا الدين"(رَوَاهُ مسلم ).
ألا فليعلم كل ظالم أن صاحب الحق إن لم يستوفِ حقه اليوم
فسوف يستوفيه غداً يوم يقوم الناس لرب العالمين، وسيستوفيه حينئذ من حسنات هي خير
من الدنيا وما فيها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا دينار
ولا متاع قال: المفلس من أمتي الذي يأتي يوم القيامة بصلاته وزكاته وصيامه ويأتي
وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته و
هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم
طرح في النار"(رَوَاهُ
مسلم ).
فتذكر يا من ظلمت العباد أن يوم المظلوم على الظالم أشد
من يوم الظالم على المظلوم، فإذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك ،
وتذكر أن من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده.
يقول سفيان الثوري: (إن لقيت
الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبين الله أهون عليك أن تلقاه بذنب واحد فيما
بينك وبين العباد).
فاتقوا الله عباد الله واحذروا الظلم بكل أشكاله ، واستغفروا
الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
. والحمد لله ب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق