أيها الأخوة
الأكارم: نحن نترقب في هذه الليلي المباركات ليلة القدر المباركة ، وإنا لنرجو من
الله ألا يحرمنا من مصادفتها ، فهي ليلة عظيمة البركات، كثيرة الخيرات، لِما يتنزل
فيها على العباد من عظيم الرحمات والمنح والهبات .
فضائل ليلة القدر
وقد جاء في
القرآن والسنة ذكر فضائلها، وبيان مزاياها ؛ فمن ذلك:
1- أن الله أنزل فيها القرآن من اللوح المحفوظ إلى
السماء الدنيا. قال تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة
القدر".
2- أن الله فخم
أمرها وعظم سأنها فقال تعالى: { وما أدراك ما ليلة القدر }.
3- أن الأعمال
فيها خير من الأعمال في ألف شهر فيما سواها. قال تعالى :"لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ". روي عَنْ مُجَاهِدٍ أنه قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَقُومُ اللَّيْلَ
حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ،
فَفَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) . أي العمل الصالح في تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ
ذَلِكَ الرَّجُلِ في تلك المدة كلها ، أي ما يزيد على
ثلاث وثمانين سنة.
4- أن الملائكة
تتنزل فيها ، قال تعالى :"تنزل الملائكة والروح فيها..ٍ". والملائكة لا تتنزل إلا بالخير والبركة والرحمة.
5- أنها سلام وأمان
لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب. قال تعالى : " سلام هي حتى
مطلع الفجر"
6- أن الله
وصفها بالبركة ، قال تعالى: " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ..ٍ". وهي ليلة القدر.
7- أنَّ من قام
هذه الليلة إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري
ومسلم.
معنى القدر
تعددت كلمة
العلماء في تحديد معنى القدر الذي أضيفت إليه هذه الليلة .
فقيل : سمت يذلك لأنها ليلة
عظيمة القدر عند الله ، ويؤيد هذا قوله تعالى : "وَما قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ". أي ما عظموه تعظيما يتناسب مع قدره العظيم.
وقيل: لأنه يقدر
فيها ما يكون في تلك السنة ؛ ويؤيد هذا قوله تعالى: " إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ". أَيْ: فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ ( الملائكة ) أَمْرُ
السَّنَةِ كلها ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ ، وَمَا
يَكُونُ فِيهَا أمور وحوادث إِلَى آخِرِهَا ، وقَوْلُهُ تعالى : ( أمر حَكِيمٌ ) أَيْ: مُحْكَمٌ
لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ.
وقيل: لأنه ينزل
فيها ملائكة ذوو قدر.
وقيل: لأنها نزل
فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر. وقيل: لأن للطاعات
فيها قدراً عظيماً.
وقيل: لأن من
أقامها وأحياها صار ذا قدر، ولا مانع من حملها على جميع تلك المعاني ، والله أعلم .
وقت ليلة القدر
ليلة القدر في
رمضان قطعاً ؛ لأن الله أنزل فيها القرآن ، قال تعالى: { إنا أنزلناه
في ليلة القدر }، وقد أخبر - سبحانه - أن إنزاله كان في شهر رمضان ، قال تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن }، والراجح أنها في العشر الأواخر ، فهي مخفية في هذه الليالي لحكمة
عائدة على العباد في دنياهم وأخراهم ، وهي ليجتهدوا في العبادة والدعاء في
سائر الليالي ، فعن عبد الله بن أنيس أنه قال: " يا رسول الله، أخبرني في أي
ليلة تبتغى فيها ليلة القدر، فقال: "لولا
أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك" (رواه عبد الرحيم العراقي في
كتاب ليلة القدر، ص49.)
ويتأكد
التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان؛ فعن ابن عمر: "أن رجالاً من
أصحاب النبي رأوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر،
فقال
رسول الله : " أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت)
في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها
في السبع الأواخر" . وعن ابن عمر أيضًا: " التمسوها في العشر
الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي" (رواه مسلم)
وأرجى ليلة وآكدها ليلة سبع وعشرين؛ فهذا الصحابي الجليل أبي بن كعب
- رضي الله عنه - يحلف أنها ليلة سبع وعشرين؛ كما جاء عنه أنه قيل له: إن عبد الله
بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر، فقال أبي: "والله الذي
لا إله إلا هو إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني -، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي،
هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها هي ليلة صبيحة
سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" رواه
مسلم.
ومعلوم أن دخول رمضان يختلف من بلد
لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية
في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.
علامات ليلة القدر
وقد
ذكر أهل العلم علامات لهذه الليلة ، منها :
1- قوة الإضاءة
والنور في تلك الليلة: وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في
البر بعيداً عن الأنوار.
2- الطمأنينة:
أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر
في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي.
3- أن الرياح
تكون فيها ساكنة فلا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً.
4- أنه قد يُري
الله الإنسان الليلة في المنام كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم.
5- أن الإنسان
يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي.
6- أن الشمس
تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل على ذلك
حديث أبي بن كعب المتقدم وفيه: "أنها تطلع يومئذٍ لا
شعاع لها".
كيف تتحرى ليلة القدر
فعلينا جميعاً أن نحرص على استقبال هذه الليلة بالتوبة والاستغفار ، والندم
على ما أسلفنا من الذنوب والآثام ، وأن نزيل الشحناء والخصام من قلوبنا ، فأصحاب
القلوب السليمة هم أهل القبول ، وهم الذين يستحقون أن يتجلى الله عليهم بنوره .
و علينا أن نكثر فيها من
تلاوة القرآن ، ومن الصلاة بالليل والناس نيام ، وأن نبر بوالدينا ونصل فيها أرحامنا،
، ونكثر من الصدقة والإحسان والعطف على الفقراء والمحتاجين ، وأن نكثر فيها من التذلل لله رب العالمين ، ونلح على
الله تعالى بالدعاء ، فنسأله من خير الدنيا والآخرة ، وخاصة ذلك
الدعاء الذي علمنا إياه نبينا عليه الصلاة والسلام: "اللهم إنك
عفو تحب العفو فاعف عني" .
و
لا ننسى الدعاء لإخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، فادعوا الله أن يجمع
شمل هذه الأمة ويصلح أمرها وينصرها على أعدائها ، فنحن والله أصبحنا لا نستسيغ طعاما
و لا شرابا ، ونحن نرى دماء المسلمين تسيل في سوريا والعراق ومصر وغيرها ، اللهم ارفع عنا مقتك وغضبك يا الله ، ومن علينا
بنظرة بعين رضاك ، ربنا كشف عنا العذاب إنا مؤمنون ، ربنا كشف عنا العذاب إنا مؤمنون ، ربنا كشف عنا العذاب إنا مؤمنون .
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق