مقدمة
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على
النبي المصطفى ، وآله وصحبه الشرفاء
أيها الحضور الكرام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
في
البداية : أتوجه بالشكر الجزيل والثناء الجميل للإخ الفاضل رئيس المكتب الجهوي للمرصد
الوطني للزوايا (الشيخ الزواوي حفظه الله) وإلى كل الإخوة القائمين معه على تنظيم
هذا اليوم الدراسي المبارك ، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد في ميزان حسناتهم
، وأن يجزيهم أحسن الجزاء على ما بذلوا من جهود مالية وبدنية ، أما بعد/
فلقد درج
المسلمون منذ القرن السادس أو السابع للهجرة ، على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
، واستحسنه عامة العلماء ، واعتنوا به عناية فائفة ، وممن احستسنه وقال بمشروعيته
: الإمام المحدث الفقيه أبو شامة شيخ الإمام
النووي[1] ، والإمام شيخ الإسلام
ابن حجر العسقلاني (صاحب فتح الباري..)[2] ، والإمام شهاب الدين
أحمد القسطلاني (شارح صحيح البخاري أيضا)[3]
، والإمام الفقيه المالكي الأصولي شهاب الدين بن محمد الزرقاني[4] ، والحافظ عبد
الرؤوف المناوي[5] ، والحافظ ابن
رجب الحنبلي [6] ، وغيرهم جم غفير من أئمة الهدى المجتهدين ، عليهم رحمة
الله تعالى أجمعين ، وقد أفرده بعضهم بمؤلفات خاصة من ذلك [7]:
1- مولد العروس ، للحافظ ابن الجوزي(ت597 هـ).
2-
عرف التعريف بالمولد الشريف ، للحافظ شمس الدين ابن الجزري إمام وشيخ القراء) ت 660 هـ(.
3-
التنوير في مولد البشير النذير ، للحافظ أبي الخطاب المعروف بابن دحيةَ الكلبي (ت 633 هـ(
4-
المورد الهني في المولد السني ، للحافظ عبد الرحيم العراقي : (ت 808 هـ)
5-
المورد الصاوي في مولد الهادي ، لشمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي : (ت 842 هـ ).
6-
الفخر العلوي في المولد النبوي، للحافظ السخاوي( ت 902هـ)
7-
حسن المقصد في عمل
المولد ، للحافظ جلال الدين
السيوطى (ت911 هـ).
8-
إتمام النعمة على العالم بمولد سيد
ولد آدم ، للحافظ ابن حجر الهيتمي) ت 974 هـ).
هذا وإن المؤلفات
في المولد النيوي الشريف ، القديمة منها والحديثة تزيد على مائة كتاب ورسالة ، وعلى
الرغم من هذه العناية الفائقة بعمل المولد من قبل العلماء ، واستحسان المسلمين له
في مختلف أصقاع العالم ، واحتفالهم به سنويا في أكثر من خمسين دولة ، وعلى الرغم من
ثبوت مشروعيته بالدليل الشرعي ، واندراجه ضمن القاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود: "ما رآه
المسلمون حسناً فهو عند الله حسن "[8]. وعلى الرغم من قوله صلى الله عليه وسلم:" إنَّ
أُمَّتِي لَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ "[9]. على الرغم من
ذلك كله لاتزال جماعة تثير الشبهات حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ،
وترمي المسلمين المحتفلين به بالضلال والابتداع ، بل وتصفهم بأنهم لا حظ في الإسلام ، ولا يخفى على أهل العلم وأرباب
البصائر، ما ينجم عن مثل هذه الأفكار من
آثار سيئة ، ومن مآلات غير محمودة ؛ لأنه ليس من السهل الحكم على أمة مسلمة بأنها
ضالة أو مبتدعة لأنها تحتفل بميلاد نبيها أو تقرأ القرآن جماعة أو تمد أياديها
للدعاء ، لاسيما في هذه المرحلة الصعبة ، التي كان ينبغي أن تتظافر فيها الجهود ؛ لمجابهة
المخاطر الواقعة أو المتوقعة على الأركان الخمسة لوحدتنا الوطنية ، المتمثلة
في الدين الإسلامي ، واللغة العربية ، والتاريخ ، والمصير المشترك ، والوطن الذي يجمعنا ، وكلها قد باتت مستهدفة
بالغزو الفكري والعقادئدي ، من تشيع سياسي ، وتبشير نصراني ، ودجل أحمدي ، واتجاهات
تغريبية ، ثم هذا الفكر التضليلي الذي شغلنا بأنفسنا من خلال إلقاء أربابه بهذه الشبهات
السامة في كيان أمتنا.
وهذه الشبهات ونظائرها ناتجة عن مفاهيم خاطئة سببها ثلاثة أمور:
وهذه الشبهات ونظائرها ناتجة عن مفاهيم خاطئة سببها ثلاثة أمور:
1- سوء فهم النصوص الشرعية ، وعدم امتلاك الآليات اللغوية والأصولية ،
التي يتعذر بدونها تنزيل الأدلة الشرعية
والقواعد العلمية على ما يناسبها من
الوقائع والمسائل والفروع ، وهو ما يسميه العلماء (بتحقيق
المناط).
2- الجهل بمقاصد الشريعة وعلل أحكامها ، لأنه ما من حكم شرعي إلا وله
حكمة أو غاية مرسومة ، هي أساس تشريعه ،
فلا يصح أن يبتر الحكم الشرعي عن غايته أو يتـخذ وسيلة لتحقـيق غرض ينافي غرض
الشارع فيما رسـم له مـن غاية أو مصلحة ، ولذك قال الشاطبي:"لا بد من الالتفات إلى معاني الأمر لا إلى مجرده".
3- أما العلة الثالثة فهي راجعة إلى الخطأ في تلقي العلمي الشرعي من
غير مصادره الأصلية ، ودون الرجوع إلى أهله الممكنين من فهم دلالات النصوص على
الأحكام ، والعارفين بمصطلحات الفقهاء وتعدد مدراكهم، ولذلك قال العلماء:"كان العلم فى صدور الرجال ، ثم انتقل إلى بطون الكتب ، وصارت
مفاتحه بأيدى الرجال". وكما قال أبو حيان الأندلسي:
يَظُنُّ الْغُمْرُ أَنَّ الْكُتْبَ تَهْــدِي أَخَـا فَهْــــــــمٍ لإدراكِ الْعُلُـومِ
وَمـــَا يَدْرِي الْجَهُولُ بأنَّ فِيْها غوامــضَ حَيَّرَتْ عَقْل الْفَهِيمِ
إذَا رُمْـــتَ الْعُلْومَ بِغَيْرِ شَيْــخٍ ضَلَلْتَ عَنِ الْصِّراطِ الْمُسْتَقِيْمِ
وَتَلْتَبِسُ الأمورُ عَلَيْكَ حَتَّى تَكـونَ
أَضَّلَ مِـنْ تُومَا الْحَكِيمِ[10]
وفي هذه المحاضرة رد علمي مؤصل على بعض الشبهات
التي يثيرها أرباب هذا الاتجاه حول الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الشبهة الأولى
قالوا أن
الاحتفال بالمولد النبوي حرام ؛ لأنه لم
يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ،
وهذا من أهم ما يتمسك به أرباب هذا لإتجاه ، وهو أقوى ما لديهم من حجج.
الرد على هذه الشبهة
أن الترك بمفرده
ليس مسلكا من مسالك التشريع ، فلا يصح أن يكون دليلا على عدم مشروعية الفعل بإطلاق؛
لأن تروك النبي صلى الله عليه وسلم قسمان :
[أ] قسم لا يقتضي تحريما ولا إيجابا ، وهو أنواع شتى ، وهو ما عناه الغُمَارِي بقوله – في رسالته ( حُسْنُ التَّفّهُمِ والدَّرْك لمسألة الترْك)-:
[ب] وأما القسم الثاني من التروك النبوية فيعتبر
حجة شرعية ، وهو ما يعبر عنه الأصوليون بقولهم : ما تركه النبي مع وجود المقتضي له وعدم المانع
منه ، كترك الأذان ولإقامة لصلاة العيدين وترك أخذ الزكاة من الخضروات على رأي بعض
الفقهاء وما أشبه ذلك ، فهذا النوع يعد حجة ملزمة.
[أ] قسم لا يقتضي تحريما ولا إيجابا ، وهو أنواع شتى ، وهو ما عناه الغُمَارِي بقوله – في رسالته ( حُسْنُ التَّفّهُمِ والدَّرْك لمسألة الترْك)-:
الترك ليس بحجة في شــرعنا لا يقتضي
منـــعا ولا إيــــجـابا
فمن ابتغى حظــرًا بتـرك نبينا ورآه حكمًا
صــــــادقًا وصـوابا
قد ضل عن نهـج الأدلـة كلها بل أخطأ
الحكــم الصحيح وخابا
لا حظر يمكن إلا إن نهي أتى متوعــــدًا
لمخــــالفيه عــــذابا
أو ذم فعــــل مـــؤذن بعقوبة أو لفظ
تحــــريم يواكــــب عابا
بعني أن التحريم إنما يثبت بالنهي عن الفعل ، كقوله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضا"، أو بلفظ التحريم
كقوله تعالى: "حرّمت عليكم الميتة"، أو بذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب
كقوله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، والترك ليس واحدًا من هذه الثلاثة ، فلا
يقتضي تحريما و لا إيجابا .
ومن أنواع هذا القسم:
1- ما تركه على سبيل العادة كإمساكه عن أكل الضب . 2- ومنها ما كان تركه خشية أن يفرض على أمته كتركه لجمع الناس على قارئ واحد في التراويح وقد فعله عمر. 3- ومنها ما تركه درءا للمشقة على أمته كعدم أمره بالسواك عند كل صلاة . 4- ومنها ما تركه درءا لفسدته كتركه لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، وتركه لقتل المنافقين . 5- ومنها ما تركه لعدم تفكيره فيه أصلا كتركه للخطبة على المنبر فكان يخطب الجمعة ستندا الى جذع نخلة ولم يفكر في عمل منبر يقوم عليه ساعة الخطبة، فلما اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره ، ويمكن – والله أعلم - أن يصنف تركه لعمل المولد ضمن ما لم يفكر فيه أصلا ، ولم يعرض عليه كمسألة المنبر ، ولو عرض عليه لربما أقره ، ألا ترى أنه عليه السلام لم يأمر أحدا بمدحه ، ولما مدحه بعضهم أقرهم ولم ينكر عليهم. 6- ومنها ما تركه لكونه مشمولا بعموم النصوص الداعية إلى فعل الخيرات. 6- ومنها ما تركه لأن الحاجة لم تدع إلى فعله في زمانه هو كجمع القرآن في مصحف واحد وقد جمعه أبوبكر، وكالأذان الأول لصلاة الجمعة الذي أحدثه عثمان .
1- ما تركه على سبيل العادة كإمساكه عن أكل الضب . 2- ومنها ما كان تركه خشية أن يفرض على أمته كتركه لجمع الناس على قارئ واحد في التراويح وقد فعله عمر. 3- ومنها ما تركه درءا للمشقة على أمته كعدم أمره بالسواك عند كل صلاة . 4- ومنها ما تركه درءا لفسدته كتركه لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، وتركه لقتل المنافقين . 5- ومنها ما تركه لعدم تفكيره فيه أصلا كتركه للخطبة على المنبر فكان يخطب الجمعة ستندا الى جذع نخلة ولم يفكر في عمل منبر يقوم عليه ساعة الخطبة، فلما اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره ، ويمكن – والله أعلم - أن يصنف تركه لعمل المولد ضمن ما لم يفكر فيه أصلا ، ولم يعرض عليه كمسألة المنبر ، ولو عرض عليه لربما أقره ، ألا ترى أنه عليه السلام لم يأمر أحدا بمدحه ، ولما مدحه بعضهم أقرهم ولم ينكر عليهم. 6- ومنها ما تركه لكونه مشمولا بعموم النصوص الداعية إلى فعل الخيرات. 6- ومنها ما تركه لأن الحاجة لم تدع إلى فعله في زمانه هو كجمع القرآن في مصحف واحد وقد جمعه أبوبكر، وكالأذان الأول لصلاة الجمعة الذي أحدثه عثمان .
وليس
الاحتفال بالمولد من هذا القبيل ، ولهذا لا يصح ما اعترض به ابن تيمية عن الاحتفال بالمولد
حينما قال رحمه الله: (فإن هذا لم يفعله السلف
مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه)[11] ، فهذا الإعتراض – الذي ذكره - لا يصح ولا يستقيم لسببين:
السبب الأول: أن القائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد لم يقولوا بأنه واجب أوأنه من السنن المؤكدة كالوتر
والعيدين ... وإنما قالوا باستحبابه ، والاستحباب لا يصح الاعتراض عليه بمثل هذا ،
لماذا؟
1- لأن ترك السلف للفعل يدل قطعا على عدم
وجوبه ، ولكنه لا يدل عدم على مشروعيته مطلقا ، ولو كان يدل على عدم المشروعية
بإطلاق ، لاحتج به أهل الحل والعقد من الصحابة على سيدنا عمر ، ولقالوا له أن جمع
الناس في التراويح على قارئ واحد لم يفعله أبو بكر قبلك مع قيام المقتضي له
وانتفاء المانع منه - لأن المانع انتفى بوفاة النبي- ولم يقولوا له أن أبا بكر أفضلُ منك ولو كان هذا
خيرا لسبقك إليه ، مما يدل على أن عدم الاحتجاج بالترك – في مثل هذا – كان منهجا
معلوما ومتبعا لدى السلف الصالح رضي الله عنهم ، ومما يؤيد هذا أن مالكا رحمه الله
- على الرغم من شدة تمسكه بمنهج السلف - كان لا يركب بالمدينة دابة تعظيما للتربة التي
فيها رسول الله [12] (والتعظيم عبادة) وهو فعلٌ أحدثه
مالك لم يفعله الصحابة قبله ، وهم أشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك
لم ير مالك بأساً في فعله ، ولم ينكر عليه ذلك أحدٌ من العلماء.
2- أن
السلف لم يفعلوا كل المستحبات ، وشواهد ذلك كثيرة ، منها – على سبيل المثال لا
الحصر – :
- أنهم لم يبنوا مستشفيات ويجعلوها وقفا لله تعالى على الفقراء ، مع قيام المقتضي لها وانتفاء المانع منها ، ثم جاء الملوك والأمراء من بعدهم ففعلوا ذلك دون نكير ، وأقرهم عليه العلماء بالإجماع ، واعتبروه من أفضل الأعمال ؛ لاندراجه ضمن عموم الصدقة الجارية.
- أن الصحابة لم يدونوا الحديث النبوي على الرغم من انتفاء المانع ووجود المقتضي ، بل كانوا ينهون عن ذلك ؛ فعن عبد اللهِ بن العَلاَءِ، قَالَ:سَأَلْتُ القَاسِمَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيَّ أَحَادِيْثَ، فَمَنَعَنِي، وَقَالَ:"إِنَّ الأَحَادِيْثَ كَثُرَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَنَاشَدَ النَّاسَ أَنْ يَأْتُوْهُ بِهَا، فَلَمَّا أَتَوْهُ بِهَا، أَمَرَ بِتَحْرِيْقِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَثْنَاةَ كَمَثْنَاةِ أَهْلِ الكِتَابِ"(سير أعلام النبلاء للذهبي 5 / 59). وعلى الرغم من ذلك فقد دون المسلمون الحديث النبوي ، واعتبروه من أفضل الأعمال ، بل هو ضرورة يقتضيها حفظ الشريعة.
- الصحابة لم يجعلوا في المساجد مصليات خاصة بالنساء ، بل كن يصلين مع الرجال خلف الصفوف كما هو معلوم ، واليوم صار فصل النساء عن الرجال في الصلاة ، وتخصيص مصلى لهن في المساجد ، مطلوب شرعا لاعتبارات عديدة.
- الصحابة لم يقوموا بتنقيط القرآن وشكله ، ولم يقسموه إلى أرباع وأثمان ... ثم فعل المسلمون ذلك دون نكير ، بل صار ذلك ضرورة شرعية ، لكونه وسيلة إلى قراءة القرآن قراءة سليمة ، وما لا يتم الواجب إلى به فهو واجب.
- الصحابة لم يصلوا صلاة التهجد في المساجد ، بل كانوا يصلون التراويح ثم ينصرفون ، واليوم المسلمون كلهم يصلون التهجد جماعة - في الحرم الشريف وغيره - ولم ينكر عليهم أحد ، بل اعتبره العلماء من أفضل القربات إلى الله.
- الصحابة لم يكونوا يختمون القرآن في صلاة التراويح ، ومع ذلك فقد أفتى العلماء باستحبابه ، وفي الحرم يشريف وفي غيره يختم القرآن - في التراويح - ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
- الصحابة لم يكتبوا آيات قرآنية على جدران المساجد ، ومع ذلك نجد المسلمين يفعلون ذلك - حتى في الحرمين الشريفين - دون نكير من العلماء.
وهكذا يقال في سائر المباحات والمستحبات كالاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي دعت إليه الحاجة في هذه الأزمنة ، حيث أصبح السلمون في حاجة إلى أن يتخذوا من مناسبة مولده فرصة للتذكير بشمائله وسنته ... حتى تبقى الأمة مرتبطة بنبيها عليه الصلاة والسلام ، والصحابة لم يفعلوا هذا لأنهم عايشوا النبي فكان حاضرا في نفوسهم ونفوس أولادهم ونسائهم ، وتركهم للاحتفال لا يدل على تحريم ولا كراهة كما تبين لك بعد هذا التوجيه.
- أنهم لم يبنوا مستشفيات ويجعلوها وقفا لله تعالى على الفقراء ، مع قيام المقتضي لها وانتفاء المانع منها ، ثم جاء الملوك والأمراء من بعدهم ففعلوا ذلك دون نكير ، وأقرهم عليه العلماء بالإجماع ، واعتبروه من أفضل الأعمال ؛ لاندراجه ضمن عموم الصدقة الجارية.
- أن الصحابة لم يدونوا الحديث النبوي على الرغم من انتفاء المانع ووجود المقتضي ، بل كانوا ينهون عن ذلك ؛ فعن عبد اللهِ بن العَلاَءِ، قَالَ:سَأَلْتُ القَاسِمَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيَّ أَحَادِيْثَ، فَمَنَعَنِي، وَقَالَ:"إِنَّ الأَحَادِيْثَ كَثُرَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَنَاشَدَ النَّاسَ أَنْ يَأْتُوْهُ بِهَا، فَلَمَّا أَتَوْهُ بِهَا، أَمَرَ بِتَحْرِيْقِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَثْنَاةَ كَمَثْنَاةِ أَهْلِ الكِتَابِ"(سير أعلام النبلاء للذهبي 5 / 59). وعلى الرغم من ذلك فقد دون المسلمون الحديث النبوي ، واعتبروه من أفضل الأعمال ، بل هو ضرورة يقتضيها حفظ الشريعة.
- الصحابة لم يجعلوا في المساجد مصليات خاصة بالنساء ، بل كن يصلين مع الرجال خلف الصفوف كما هو معلوم ، واليوم صار فصل النساء عن الرجال في الصلاة ، وتخصيص مصلى لهن في المساجد ، مطلوب شرعا لاعتبارات عديدة.
- الصحابة لم يقوموا بتنقيط القرآن وشكله ، ولم يقسموه إلى أرباع وأثمان ... ثم فعل المسلمون ذلك دون نكير ، بل صار ذلك ضرورة شرعية ، لكونه وسيلة إلى قراءة القرآن قراءة سليمة ، وما لا يتم الواجب إلى به فهو واجب.
- الصحابة لم يصلوا صلاة التهجد في المساجد ، بل كانوا يصلون التراويح ثم ينصرفون ، واليوم المسلمون كلهم يصلون التهجد جماعة - في الحرم الشريف وغيره - ولم ينكر عليهم أحد ، بل اعتبره العلماء من أفضل القربات إلى الله.
- الصحابة لم يكونوا يختمون القرآن في صلاة التراويح ، ومع ذلك فقد أفتى العلماء باستحبابه ، وفي الحرم يشريف وفي غيره يختم القرآن - في التراويح - ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
- الصحابة لم يكتبوا آيات قرآنية على جدران المساجد ، ومع ذلك نجد المسلمين يفعلون ذلك - حتى في الحرمين الشريفين - دون نكير من العلماء.
وهكذا يقال في سائر المباحات والمستحبات كالاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي دعت إليه الحاجة في هذه الأزمنة ، حيث أصبح السلمون في حاجة إلى أن يتخذوا من مناسبة مولده فرصة للتذكير بشمائله وسنته ... حتى تبقى الأمة مرتبطة بنبيها عليه الصلاة والسلام ، والصحابة لم يفعلوا هذا لأنهم عايشوا النبي فكان حاضرا في نفوسهم ونفوس أولادهم ونسائهم ، وتركهم للاحتفال لا يدل على تحريم ولا كراهة كما تبين لك بعد هذا التوجيه.
والسبب الثاني : أن ما ذكره ابن تيمية رحمه الله
إنما يحتج به على الأفعال التي لم يرد دليل يدل على استحبابها ، أما ما دل الدليل على
استحبابه فلا يصح تركه بحجة أن الصحابة لم يفعلوه ؛ لأن ذلك مخالف للاستدلال
الشرعي ، حيث أن دليل الإستحباب هو دليل إثبات ، وأما ترك الصحابة فهو انتفاء دليل
، وانتفاء الدليل هو المسمى عند الأصوليين بالاستصحاب ، وقد أجمع العلماء - بما
فيهم ابن تيمية - على أن الاستصحاب هو أضعف الأدلة ، وآخر مدار الفتوى ، فلا يصار
إليه إلا عند انتفاء الدليل ، وبهذا بطل ما اعترض به ابن تيمية رحمه الله على عمل المولد
بقوله : (فإن
هذا لم يفعله السلف ..)
فإن قيل : وهل للاحتفال
بالمولد من دليل يدل على استحبابه ؟ قلنا
نعم ، هو حديث البخاري ومسلم في صوم عاشوراء : "أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قدم المدينة ، فوجد اليهود صياماً، يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه
موسى وقومه ، وغرَّق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه" فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم".
وجه الاستدلال : أن هذا تصرف عام للشارع عليه الصلاة السلام ،
والتصرفات العامة للشارع تستفاد منها الأحكام ، فهي بمنزلة الإيماء للمجتهدين بأن
يقتفوا أثرها ويسلكوا مسالكها التشريعية في اجتهاداتهم الفقهية، والحكم المستفاد
من هذا التصرف هو أنه إذا كانت نجاة موسى تستحق في مناسبتها السنوية شكرنا لله عز
وجل ، فميلاد نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم أولى وأجل ؛ لأن النعمة فيه أعظم من نجاة موسى ؛ لكونه رحمة للعالمين ولولاه للبثت البشرية في ظلماتها إلى يوم يبعثون ، وكلما كانت النعمة أعظم كان شكرها أحق.
وهذا الوجه الاستدلالي مأخوذ
مما استنبطه الحافظ ابن حجر[13] ، وهذا الاستنباط لم يعط حقه من العناية
والبحث والدراسة ، فهو استدلال منه رحمه الله بطريق الأولى - أوالقياس الأولوي[14]- وهو ما كان الفرع فيه أولى من الأصل بالحكم ، وقد
نص العلماء على أن الاحتجاج بطريق الأولى من أقوى الأدلة ، وأن تركه تركا لمنهج
القرآن والسنة ، ونصوصهم في ذلك لا حصر لها ، نكتفي في هذا المقام بذكر نص فقيه
واحد ، وهو ابن تيمية رحمه الله قال:
"ومن لم يلحظ المعاني من خطاب
الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يفهم تنبيه الخطاب وفحواه .. بل وكذلك
قياس الأولى ، وإن لم يدل عليه الخطاب ، لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق،
فإنكاره من بدع الظاهرية، التي لم يسبقهم بها أحد من السلف ، فما زال السلف يحتجون
بمثل هذا وهذا"[15].
وقال أيضا : "الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية[16] قياس الأولى"[17].
وقد ثبت عندنا استحباب عمل المولد بقياس الأولى وهو أقوى الأدلة ، فكيف نترك حكم الاستحباب الثابت بأقوى الأدلة ، لترك السلف وهو أضعف الأدلة ، وبهذا يتبين لكم أن الاحتجاج لتحريم عمل المولد بترك النبي وصحبه ، لا يصح ، بل هو شبهة باطلة من أساسها.
وقال أيضا : "الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية[16] قياس الأولى"[17].
وقد ثبت عندنا استحباب عمل المولد بقياس الأولى وهو أقوى الأدلة ، فكيف نترك حكم الاستحباب الثابت بأقوى الأدلة ، لترك السلف وهو أضعف الأدلة ، وبهذا يتبين لكم أن الاحتجاج لتحريم عمل المولد بترك النبي وصحبه ، لا يصح ، بل هو شبهة باطلة من أساسها.
الشبهة الثانية
قالوا أن
الاحتفال بالمولد النبوي بدعةٌ منكرة ؛ إذ لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد
من أصحابه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
فهو رد"[18]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله
عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة"[19]. وفي رواية :"وكل بدعة ضلالة"[20].
الرد على
هذه الشبهة:
الأول: أن تكون حادثة لم تكن في الصدر الأول.
والثاني: أن تناقض أصلاً من أصول الشريعة قرآنًا أو سنة
أو إجماعاً.
فإذا
اجتمع الشرطان كان الأمر المحدَث بدعة بلا منازع ، وإن لم يجتمع الشرطان ، بأن كان الأمر غير محدث أصلا بل
كان موجودا في الصدر الأول فلا يكون بدعة ، أو كان محدثا ولكنه لا يناقض أصلا من أصول
الشريعة فلا يكون بدعة أيضا ، وفي بيان هذه الحقيقة يقول الإمام
الشافعي رحمه الله فيما رواه عنه البيهقي: "المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً
أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير،
لاخلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في
قيام رمضان : (نعمت البدعة هذه) يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد
لما مضى[21]"..
ومن خلال
ما ذكره الشافعي يتبين لنا أن الأمر المحدث إن كان حسنا فهو مقبول ، وإن كان قبيحا
فهو ممنوع؛ والقبيح هو ما ناقض أصلا من أصول الشريعة ، والحسن ما وافقها ،
والاحتفال بالمولد لا يناقض أصلا من أصول الشريعة ، بل هو مندرج تحتها ، كتلك
الأصول الداعية إلى فعل الخيرات ، والأصول الآمرة بإظهار شكر النعم ، والأصول
المرغبة في الاجتماع على الذكر ودراسة العلوم الشرعية ومنها السير والشمائل ،
والأصول الداعية إلى الفرح بفضل الله ورحمته جل وعلا.
ومما
يؤيد هذا حديث مسلم: " مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ
سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ
سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ
بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " [22].
وقد ذكر
الإمام القرافي رحمه الله قاعدة هامة في ضبط المحدثات ، فبين أن كل أمر محدث ينبغي أن
يعرض على أصول الشريعة وقواعدها الكلية ، فيكون حكمه ما نصت عليه تلك الأصول بصرف
النظر عن كونه محدثا أو غير محدث ، فقال رحمه الله:" البدعة إذا عَرضت تُعْرض على قواعد الشريعة وأدلتها، فأي
شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به مِنْ إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ
غَيْرِهِمَا "[23].
فإن قيل
أن هذا المفهوم الذي ذكرتموه إنما هو اتباع لمنهج من يقسم البدعة إلى سيئة وحسنة ،
ونحن لا نؤمن بهذا لمخالفته لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :"كل بدعة ضلالة". فجوابه من وجهين:
الوجه الأول : أن هذا المفهوم لحقيقة البدعة لا يختلف فيه الفريقان ،
فالذين يقولون لا وجود لبدعة حسنة في
الشرع كالشاطبي ؛ إنما يقصدون بذلك أن
العمل الذي يخالف الأدلة الشرعية لا يمكن أن يستحسن شرعاً ، قال الشاطبي - مبينا
وجهة نظره في عدم وجود بدعة حسنة في الشرع - :" لأن من حَقِيقَةِ الْبِدْعَةِ أَنْ لَا يَدُلَّ
عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَا مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ قَوَاعِدِهِ،
إِذْ لَوْ كَانَ هُنَالِكَ مَا يَدُلُّ مِنَ الشَّرْعِ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ
أَوْ إِبَاحَةٍ لَمَا كَانَ ثَمَّ بِدْعَةٌ، وَلَكَانَ الْعَمَلُ دَاخِلًا فِي
عُمُومِ الأعمال المأمور بها ، أو المخير فيها"[24]. إذن فالشاطبي والقرافي يلتقيان في حقيقة واحدة ، وهي أن
المحدثات التي لا تناقض أصلا شرعيا ليست من جنس البدع في الدين ، إلا أن الشاطبي
يرى ألا يسمى ذلك بدعة حسنة ، والقرافي لا يرى مانعا من تسميته كذلك ، فالخلاف بين الفريقين ليس في حقيقة ، وإنما هو
خلاف لفظي ، والخلاف اللفظي لا يترتب عليه أي أثر.
وقال ابن
تيمية :"المحافظة على عموم (كل بدعة ضلالة) مُتَعَيِّنٌ ....... وما سمي بدعة وثبت حسنه بأدلة
الشرع فأحد الأمرين فيه لازم: إما أن يقال: ليس ببدعة في الدين ، وإن كان يسمى
بدعة من حيث اللغة ، كما قال عمر رضي الله عنه: (نعمت البدعة هذه). وإما أن يقال:
هذا عام خصت منه هذه الصورة لمعارض راجح"[25].
والوجه الثاني : أن
القائلين باستحباب الاحتفال بالمولد أئمة مجتهدون - وهو جم غفير كما ذكرنا في
المقدمة - وقد حصل الاتفاق على أن الاختلاف في المسائل الاجتهادية لا يجعل أحد
الفريقين مبتدعا ، لأن النبي أثبت الأجر للمجتهد حتى ولو كان مخطئا في اجتهاده،
ولو كان المجتهد المخطيء مبتدعا لما ثبت له الأجر ، لأن المبتدع مأزور غير مأجور ،
بل هو في النار.
قال ابن تيمية رحمه الله :" فَهَذِهِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا
السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ أَقَرَّ الْآخَرَ عَلَى اجْتِهَادِهِ
، مَنْ كَانَ فِيهَا أَصَابَ الْحَقَّ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمَنْ كَانَ قَدْ
اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ... فَمَنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ تَقْلِيدُ
الشَّافِعِيِّ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ تَقْلِيدُ مَالِكٍ ، وَمَنْ
تَرَجَّحَ عِنْدَهُ تَقْلِيدُ أَحْمَد لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ تَرَجَّحَ
عِنْدَهُ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ "[27].
إذن - بعد هذا البيان الذي ساقه ابن تيمية بعبارته
- كيف يُنكر على من ترجح عنده تقليد مئات الأئمة المجتهدين القائلين باستحباب
الاحتفال بالمولد ؟ وكيف يوصفون بأنهم مبتدعون ؟ وبهذا يتجلى لكم أيها السادة أن
هذه الطوائف التي تبدع وتضلل المسلمين المحتفلين بالمولد النبوي ونحوه هي طوائف قد
خالفت إجماع الأمة ، وضلت عن نهج الأدلة كلها
، وكثير من أبنائنا الذين تأثروا بهذا
الفكر الإقصائي والتفكيري والتبديعي والتضليلي إنما غرر بهم عن جهالة ، لأنهم لا
يقرأون نصوص ابن تيمية ونظرائه في مؤلفاتهم الأصلية ، ولا يعملون عقولهم في فهم
مدلولاتها ، وإنما يقرأون ما نقل من نصوصهم في المطويات أو في كتب غيرهم ، والتي قد
تنقل مبتورة أو محرفة عن وجهها كما سيأتي بيانه.
الشبهة الثالثة
أن الاحتفال بالمولد
حرام لما فيه من تشبه بالنصارى، الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عليه السلام ،
وقد نهينا شرعا عن التشبه
بهم ، ففي الحديث الشريف : "ومن تشبه بقوم فهو
منهم"[28].
الرد
على هذه الشبهة:
في الحقيقة أن هذه شبهة واهية ؛ لأنه ليس
كل تشبه محرما ، قفد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "خَالِفُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي خِفَافِهِمْ وَلَا فِي
نِعَالِهِمْ"[29] . وقد انعقد
الإجماع على عدم حرمة الصلاة حفاة ، كما أمر عليه اصلاة والسلام بصوم عاشوراء شكرا
لله تعالى على نجاة موسى عليه السلام من فرعون ، ولو كان كل تشبه محرما لقال لا
نظهر الشكر في هذا اليوم مخالفة لليهود ، ولما قيل له :"إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى؟"
قَالَ صلى اللهُ عليه وسلَّم: " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ
إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ.."[30]. لكن تبقى موافقتنا لأهل الكتاب قائمة في اليوم
العاشر ، بينما نجد هذه المواقفة منتفية تماما في الاحتفال بالمولد ؛لأن النصارى يحتفلون بميلاد المسيح في شهر جانفي ، وأما المسلمون
فيحتفلون بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول،
وأيضا النصارى يحتفلون بمولد عيسى عليه السلام ، أما المسلمون فيحتفلون
بمولد محمد صلى الله عليه وسلم ، فأين وجه التشابه بين الاحتفالين ؟
وإذا كان النصارى يحبون نبيهم ويعظمونه ، فهل يقتضي عدم التشبه بهم أن نبغض نبينا وألا نعظمه ؟ وإذا كان النصارى يصلون في كنائسهم فهل يقتضي عدم التشبه بهم أن نهجر مساجدنا ؟ فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ؟ ولو أمعنوا النظر لوجدوا أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من أعظم المخالفة للنصارى ؛ لأنهم يبغضون النبي عليه الصلاة والسلام ويعادونه ويسئون إليه .. ونحن إنما نحتفل بمولده بدافع محبته والفرح به عليه الصلاة والسلام.
وإذا كان النصارى يحبون نبيهم ويعظمونه ، فهل يقتضي عدم التشبه بهم أن نبغض نبينا وألا نعظمه ؟ وإذا كان النصارى يصلون في كنائسهم فهل يقتضي عدم التشبه بهم أن نهجر مساجدنا ؟ فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ؟ ولو أمعنوا النظر لوجدوا أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من أعظم المخالفة للنصارى ؛ لأنهم يبغضون النبي عليه الصلاة والسلام ويعادونه ويسئون إليه .. ونحن إنما نحتفل بمولده بدافع محبته والفرح به عليه الصلاة والسلام.
ولذلك فالتشبه المحظور إنما يكون في الأمور التي هي من خصائص الكافرين ، كمشاركتهم
في أعيادهم الخاصة بهم ، وإنه لمن الغرابة بمكان أن يتبر بعض أرباب هذا الإتجاه أقوال
ابن تيمية ، ليوهموا القراء بأن ابن تيمية يحرم الاحتفال بالمولد ؛ لما فيه من
مضاهاة للنصارى والتشبهم بهم في أعيادهم [31] ، لكننا
بالرجوع إلى المصدر الأصلي (اقتضاء الصراط المستقيم
..) نجده أن ابن تيمية لا يجزم بأن
المحتفلين بالمولد يقلدون النصارى في ذلك ، بل صرح بأنهم مثابون على المحبة
والاجتهاد، فقال رحمه الله: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إمّا
مضاهاة للنصارى في ميلاد المسيح (عليه السلام)، وإمّا محبّة للنبي وتعظيماً له ، والله
قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا[32]". وهذا لا نزاع فيه ؛ لأن الأمور بمقاصدها ، ولكن الاحتمال
الأول منتفي ؛ إذ لا أحد من المسلمين
يحتفل بالمولد بدافع المضاهاة للنصارى ، فتعين الاحتمال الثاني وهو الاحتفال بدافع
المحبة والتعظيم للنبي ، فثبت الأجر للمحتفلين كمال قال ابن تيمية ، ثم أننا إذا
تأملنا قوله ( لا على البدع من
اتخاذ مولد النبي عيدًا) نجد عند التحقيق أن ابن تيمية لا يقصد الاحتفال بالهيئة التي هو عليها
عندنا اليوم ، وإنما يقصد اتخاذ يوم المولد عيدا ، وهذا خاج عن محل النزاع لأننا
لا نعتبر يوم المولد عيدا كعيد الفطر أو الأضحى الذي هو من جملة الشرائع والمناسك
، وإنما نعتبره مناسبة نظهر فيها شكرنا لله كمناسبة عاشوراء التي نظهر فيها شكرنا لله
على نجاة موسى ، وما قال أحد بأن عاشوراء عيد فكيف يكون المولد عيدا وهو مقيس
عليها ؟ وإن سمي عيدا فمجاز لا حقيقة.
الشبهة الرابعة
أن الاحتفال بالمولد
حرام لما فيه من إطراء للنبي
طإطراء النصارى للمسيح بن مريم ، وقد نهانا النبي عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام
:" لَا
تطروني كَمَا أطري عِيسَى ابْن مَرْيَم ، وَقُولُوا: عبد الله وَرَسُوله "[33].
الرد على هذه الشبهة :
قال أهل العلم
: الإطراء هو مجاوزةُ الحدِّ في المدح (والمبالغة) والكذبُ فيه[34] ، وبناء على هذا يكون معنى الحديث : لا تَرْفَعُوني
فَوْقَ مَنْزِلَتي كَمَا رَفَعَتِ النَّصارى عيسى فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ ، حيث جَعَلُوهُ
إلـهًا من دون الله ، ويدل على هذا المفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : (وَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) ، أي لا تقولوا
أنه إله أو أنه ابن الله ، ولهذا قال: (كما أطري عيسى ..) ، والاحتفال بالمولد ليس فيه إطراء
طإطراء عيسى ، إذ لا يرفع فيه النبي فَوْقَ
مَنْزِلَتِهِ ، بَلْ يقرأ بعضهم في ليلة المولد قصيدة البردة للبصيري رحمه الله
وفيها: (دع ما ادعته النصارى فى نبيهم ** وأحكم بما شئت مدحاً
فيه وأحتكم) ، فهذا البيت بين فيه
البصيري المعنى الوارد في الحديث بدقة عالية ، فكأنه قال : لا تقولوا فيه ما قالت
النصارى في نبيهم ، ولا تفهموا من النهي عن الإطراء النهي عن مدحه صلى الله عليه
وسلم بإطلاق ؛ فقد أَذِنَ عليه الصلاة والسلام لِعَمِّهِ العَبَّاسِ رضيَ اللهُ عَنْهُ أنْ
يَمْدَحَهُ بَلْ وَدَعى لَهُ ، فَقَد ثَبَتَ – فِيما رواه الطبراني في المعجم
الكبير – أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ عَمُّهُ العباسُ "يا رَسولَ الله إِنِّي
امْتَدَحْتُكَ بِأبْياتٍ"، فقالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله
عليه وسلم "قُلْهَا لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ
" فَكانَ مِمَّا قَالَهُ العبَّاسُ في مَدْحِ
النَّبِيِّ- صلى الله
عليه وسلم - :
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ
أَشْــــرَقَتِ ... الْأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ
وأخرج
أحمد في مسنده عن أنس قال :"كَانَتِ الْحَبَشَةُ
يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَرْقُصُونَ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَقُولُونَ؟ " قَالُوا:
يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ"[36].
وأخرج ابن
ماجه في سننه عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَّ بِبَعْضِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِجَوَارٍ يَضْرِبْنَ
بِدُفِّهِنَّ، وَيَتَغَنَّيْنَ، وَيَقُلْنَ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي
النَّجَّارِ ... يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ
يَعْلَمُ إِنِّي لَأُحِبُّكُنَّ"[37]. فهذه كلها
دلائل متعاضدة تدل على أن الإطراء المحظور هو ما ذكرنا ، وليس المراد به مدح النبي
صلى الله عليه وسلم الذي يعتبر قربة إلى الله تعالى ، ولو كان مدحه محظورا لبينه
لمادحيه ؛ لأن البيان لا يجوز أن أن يتأخر عن وقت الحاجة إجماعا.
الشبهة الخامسة
أن الاحتفال
بالمولد النبوي من ابتداع العبيدين ، الذين
سموا انفسهم زورا بالفاطمين ، نسبة إلى فاطمة الزهراء عليها السلام ، وقد كان
العبيديون هؤلاء – كما ذكر ابن كثير – كفرة فسقة ، وزنادقة
ملحدين .. عطَّلُوا الحدود ، وأباحوا الفروج .. وسفكوا الدماء ، وسَبُّوا الأنبياء
، ولعنوا السلف، وادَّعُوا الربوبية ...[38] . فكيف يكون
هؤلاء قدوة للمسلمين في الاحتفال بالمولد النبوي؟ وقد كان لي صديق في العالم
الأزرق يقول لي إنك لمن الخيرين الطيبين ، وما إن نشرت مقالات عن الاحتفال بالولد
، حتى بعث إلي برسالة جاء فيها (من كثرة حديثك عن مالك ظننت أنك فيك خيرا ، ولم
أكن أعلم أنك من أتباع العبيدين ، فاذهب غير مأسوف عليك أيها العيد العبيدي). ثم
حظري على الفور.
الرد
على هذه الشبهة:
هذه الشبهة باطلة
من وجهين :
1- كون العبيديين هم أول من احتفل بالمولد غير مسلم
به ؛ لأن المؤرخين الثقاة ذكروا أن أول من احتفل بالمولد النبوي هو ملك إربل –
العراقية - مظفر الدين أبو سعيد كَوْكَبَرِّيّ
أو كوكبوري (ت630هـ )، وقد ذكر الذهبي في
سير أعلام النبلاء [39] ، وابن كثير في
البداية والنهاية [40] ، وابن العماد
الحنبلي في شذرات
الذهب في أخبار من ذهب[41]، والسيوطي في حسن المقصد [42] ، وغيرهم من
العلماء والمؤرخين .. ذكروا أن الملك المظفر كَوْكَبَرِّيّ كان ملكا سنيا – من أصل
تركماني – وكان عالما عادلا بطلا عاقلا زاهدا ورعا ... وكان يعمل المولد الشريف في ربيع
الأول ويحتفل به احتفالا هائلا بحضرة الفقهاء والشعراء والمحدثين ، ولم يحتفل به
أحد قبله.
2- لنفرض أن العبيديين هم أول من احتفل بالمولد ، فهل يصح أن يكون ذلك دليلا
على تحريم الاحتفال بالمولد أو علة في منعه ؛ طبعا لا يصح ذلك إطلاقا ، بل هو
استدلا ل غريب كل الغرابة عن نهج الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية ؛ فقد يخترع الفاسق أو المبتدع أو حتى الكافر شيئا لم يُسبق
إليه ، ويكون ذلك الشيء مستحسنا شرعا ، كما في تعظيم يوم عاشوراء وقد أخذ النبي
صلى الله عليه وسلم تعظيمه من اليهود ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، وقَالَ: "َأَنَا أَحَقُّ
بِمُوسَى مِنْكُمْ"[43].
ولم يقل هذه بدعة أحدثها اليهود فلا تعظموا ما يعظمونه ! فما المانع – إذن – أن
نقول نحن أحق من العبيديين بمولد الرسول عليه والسلام ؟ هذا إن سلمنا جدلا أنهم
أول من أحتفل به ، ولكنهم ليسوا أول من احتفل به كما تقدم.
الشبهة السادسة
قالوا لا
يجوز الاحتفال بمولد النبي لأنه يصادف يوم وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ وأكثر من
ذلك أن تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم متفق عليه بأنه كان في 12 من ربيع الأول ،
بخلاف تاريخ مولده فهو مختلف فيه.
الرد
على هذه الشبهة من وجهين:
1- أنَّ أيامَ
الأُسبوعِ لا يَخْلُو مِنها يَوْمٌ إِلا وَقد حَصَلَ فيهِ حادِثٌ أو مُصيبَةٌ
ألَمَّتْ بِالْمُسلمينَ وأحْزَنَتْهُم، فَعَلَى قَوْلِهم هذا أن الْمُسْلِمينَ لا
يَحْتَفِلُونَ بِعُرْسٍ ولا عيدٍ على مدى الأيام ؛ لأنَّ ذلك اليوم الذي يحتفلون
فيه قد يصادف يوم موت النبي صلى الله عليه
وسلم ، أو يوم كُسِر رباعيته كَمَا حَصَلَ
له في غَزْوَةِ أُحُدٍ ، أو يوم تعرضه للإيذاء من أهل الطائف ، وقد يصادف موت إحدى
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد
أولاده ، وقد يصادف موت أحد الخلفاء الراشدين ، وهلم جرا ...
2- أن الشرع الحنيف أمرنا بإظهار شكر النعم ، ولم
يأمرنا بإظهار الحزن والجزع عند المصائب ، بل نهانا عن ذلك ، وفي هذا الصدد يقول الحافظ
جلال الدين السيوطي رحمه الله:
"إن ولادته صلى الله عليه وآله
وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم ،
والصبر والسكون عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر
وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة)
ولا بغيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في
هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن بوفاته"[44].
3- أن المسلمين قاطبة
يعظمون يوم الجمعة ؛ باعبتاره عيدا للمسلمين ، وقد ثبت في الصحيح ، أن فيه مات
سيدنا آدم عليه السلام ، وفيه أخرج من الجنة ، وفيه الساعة تقوم ، فعلى قول هؤلاء
أن المسلمين يحتفلون بموت سيدنا آدم ، ويفرحون بخروجه من الجنة ، ويعتبرون يوم فناء
الكون عيدا لهم !؟
4- أن المسلمين قاطبة
يعظمون يوم عاشوراء ، ويصومونه شكرا لله ، فهل يقدح ذلك في محبتنا لسيدنا الحسين ،
سيد شباب أهل الجنة ، رضى الله عنه ، وقد كان مقتله هو وأصحابه يوم عاشوراء !؟
5- أن المسلمين مجمعون
على أن (الأمور بمقاصدها) وهي قاعدة فقهية
مأخوذ من حديث: (إنما
الأعمال بالنيات..) ، ولذلك فالمعتبر شرعا إنما هو قصد المكلف ونيته ، ولا
أحد من المسلمين يقصد الاحتفاء بموت نبيه ، وإنما يقصد الاحتفاء بمولده ، ولذلك
فهذه الشبهة هي من ضمن التلبيس الإبليسي ، ومنه : تشكيك المسلم في نيته وقصده ،
وقد ألف فيه العلامة ابن الجوزي كتابا رائعا سماه (تلبيس إبليس).
6- أن هذه الشبهة تكشف
لنا أن أرباب هذا الإتجاه لا يعون ما يقولون ، لأنهم ناقضوا بها أنفسهم من حيث لا
يشعرون ، حيث يذكرون- كما تقدم – من دلائل عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي أن
فيه إطراء وتعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فأشبه بذلك تعظيم النصارى لنبيهم ...
والسؤال : كيف يكون المحتفل معظما للنبي ثم هو محتفل بموته في آن واحد ، فهذا ضدان
لا يجتمعان ، كما لا يجتمع الظلام والنور !؟ وبهذا يتجلى لكم أن هذه الشبهة ليست
من جنس الاستدلال بالمعقول ، بل هي من السخافة العقلية بمكان.
الوجه الثاني : لبطلان هذه الشبهة : أن القول بأن وفاة النبي صلى عليه وسلم متفق
عليها ، وأنها كانت في 12 من ربيع الأول غير صحيح
، لأن العلماء كما اختلفوا في تاريخ المولد ، فقد اختلفوا أيضا في تاريخ
الوفاة ، و نصوصهم في ذلك كثيرة نذكر منها :
1- قال ابن حجر (في فتح الباري ج8
/ ص 130)
"فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ (أي أنه
توفي في الثاني من ربيع الأول) وَكَأَنَّ سَبَبَ
غَلَطِ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا مَاتَ فِي ثَانِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ
فَتَغَيَّرَتْ فَصَارَتْ ثَانِي عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ الْوَهْمُ بِذَلِكَ يَتْبَعُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ".
2- وقال
الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ( في جامع الآثار في السير ومولد المختار ج7 / ص 48)
"ويرجح ذلك ( أي وفاته يوم الثاني من ربيع الأول) وروده عن بعض الصحابة , وذلك فيما رواه الخطيب في
"الرواة عن مالك" من رواية سَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ بن قتيبة الباهلي ,
حدثنا مالك بن أنس , عن نافع , عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرض ثمانية , فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول".
3- قال
أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي في (الروض الأُنُفِ في شرح السيرة النبوية لابن هشام ج 7/
ص578).
"وَاتّفَقُوا أَنّهُ تُوُفّيَ –
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – يَوْمَ الِاثْنَيْنِ .. قَالُوا كُلّهُمْ وَفِي
رَبِيعٍ الْأَوّلِ ، غَيْرَ أَنّهُمْ
قَالُوا أَوْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ فِي الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ ، وَلَا يَصِحّ
أَنْ يَكُونَ تُوُفّيَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا فِي الثّانِي مِنْ
الشّهْرِ ، أَوْ الثّالِثَ عَشَرَ ، أَوْ الرّابِعَ عَشَرَ ، أَوْ الْخَامِسَ
عَشَرَ ؛ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
عَلَى أَنّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ،
وَهُوَ التّاسِعُ مِنْ ذِي الْحَجّةِ ، فَدَخَلَ ذُو الْحَجّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ ،
فَكَانَ الْمُحَرّمُ إمّا الْجُمُعَةُ وَإِمّا السّبْتُ ، فَإِنْ كَانَ
الْجُمُعَةُ فَقَدْ كَانَ صَفَرٌ إمّا السّبْتُ وَإِمّا الْأَحَدُ ، فَإِنْ كَانَ
السّبْتُ فَقَدْ كَانَ رَبِيعٌ الْأَحَدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ، وَكَيْفَا دَارَتْ
الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ فَلَمْ يَكُنْ الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهِ ، وَلَا الْأَرْبِعَاءَ أَيْضًا كَمَا قَالَ
الْقُتَبِيّ ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ
أَنّهُ تُوُفّيَ فِي الثّانِي مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ
كَانَ خِلَافَ أَهْلِ الْجُمْهُورِ ، فَإِنّهُ لَا يُبْعَدُ أَنْ كَانَتْ
الثّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ الّتِي قَبْلَهُ كُلّهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، فَتَدَبّرْهُ
فَإِنّهُ صَحِيحٌ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَفَطّنَ لَهُ ، وَقَدْ رَأَيْت
لِلْخَوَارِزْمِيّ أَنّهُ تُوُفّيَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ
رَبِيعٍ الْأَوّلِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ فِي الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ
عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ ".
وبناء على
ما ذكره السهيلي وغيره ، فإن مما لا خلاف فيه أن وفاته صلى الله عليه وسلم كانت
يوم الاثنين ، وفي شهر ربيع الأول ، وأن وقفة عرفة كانت يوم الجمعة 9 ذي الحجة اجماعا
، وإذا انطلقنا من هذا التاريخ ، فإما أن تكون الأشهر الثالثة (أي ذو الحجة ومحرم
وصفر) كلها كوامل (أي 30 يوما) أو كلها نواقص (29 يوما) ، أو بعضها كوامل وبعضها
نواقص ، وعلى كل الاحتمالات لا يمكن أن
يأتي يوم الاثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، فهناك أربعة احتمالات وهي
كلآتي:
الاحتمال الأول: إذا كانت الأشهر الثلاثة كلها كوامل (30يوم).
فيكون 1
محرم يوم السبت ، 1 صفر يوم الاثنين ، 1 ربيع الأول يوم الأربعاء.
وتكون
الوفاة إما يوم 6 أو 13 أو 20 أو 27.
الاحتمال الثاني: أن يكون ذو الحجة 30 ، و محرم 29، و صفر 30 .
فيكون 1
محرم يوم الخميس، 1 صفر يوم الجمعة ، 1 ربيع الأول يوم الأحد.
وتكون الوفاة
إما يوم 2 أو 9 أو 16 أو 23.
الاحتمال الثالث: أن يكون ذو الحجة 29 ، و محرم 29، و صفر 30.
فيكون 1
محرم يوم الجمعة ، 1صفر يوم السبت ، 1 ربيع الأول يوم الاثنين.
وتكون الوفاة إما يوم 1 أو 8 أو 15 أو 22 أو 29.
الاحتمال الرابع: إذا كانت الأشهر الثلاثة كلها نواقص ( 29يوما) .
فيكون 1
محرم يوم الجمعة ، 1صفر يوم السبت ، 1 ربيع الأول يوم الأحد.
وتكون الوفاة إما يوم 2 أو 9 أو 16 أو 23.
وهذا مخطط
يبين كل الاحتمالات كما حققه بعض الفضلاء جزاه الله خيرا:
الشبهة
السابعة
قالوا أن الإمام
الشاطبي الذي يعد من أقطاب المذهب المالكي قد أفتى ببدعية وتحريم الاحتفال بالمولد
.
نجيب
عن هذه الشبهة من ثلاثة وجوه :
-1ماذا قال الشاطبى في فتواه عن
المولد ، فقبل أن نقول أنه يحرمه أو يجيزه ، ينبغي أن ننظر في عباراته كيف ساقها
وما ذا قصد بها ؟ حتى لا نفتري عليه فنكون من الهالكين ، قال رحمه الله – في
فتاويه - ".. فمعلوم أن إقامة المولد (على الوصف المعهـود بين الناس ) بدعة
محدثة ، وكل بدعة ضلالة ، فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز والوصية به غير نافذة
بل يجب على القاضي فسخه ..."[45].
فالشاطبى فى هذا النص لم يقل أن الإحتفال بالمولد بدعة أو حرام بإطلاق
، وإنما قيد ذلك بقوله: (إقامة المولد على الوصف
المعهود ..) ، فمن عنده أدنى تذوق للسان
العربي وأدنى معرفة بمدلولات الألفاظ الفقهية ، يفهم من هذا القيد أن هناك احتفالا
ليس ببدعة وهو ما كان على غير الوصف المعهود أي المتعارف عليه بين الناس في زمانه
هو ، فدل ذلك على أن الشاطبي إنما قصد الاحتفال المشتمل على المخالفات الشرعية ،
فإذا انتفت تلك المخالفات انتفى معها القول ببدعية الاحتفال أو تحريمه ، لأن (الحكم يدور مع علته وجودا وعدما) ، ولأن الشاطبي قد
بين في الاعتصام مراده بالبدعة الضلالة ، بأن من حَقِيقَيتها أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ .. أما
ما دل عليه الدليل الشرعي فهو دَاخِل فِي
عُمُومِ الأعمال المأمور بها ولو كان محدثا[46] ، والاحتفال بالمولد
– الذي هو عبارة عن اجتماع الناس على دراسة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم
وشمائله والثناء عليه بما هو أهله – داخل قطعا في عموم الأعمال المأمور بها ،
فيستحيل أن يكون هو مراد الشاطبي في هذه الفتوى.وإنما مراده تلك الموالد التي كانت
على عهده ، والمشتملة على الشركيات والمجون واختلاط الرجال والنساء .. ولهذا قيد
فتواه بقوله : (إقامة المولد على الوصف المعهود ..) ، وذلك أن الشاطبي كان من أهل القرن الثامن ،
والقرن الثامن ظهرت فيه بدع منكرة
ومعتقدات الضالة ، وقد صرح في مقدمة كتابه
(الاعتصام) ، بأن سبب تأليفه لهذا الكتاب هو ظهور البدع ، وانكباب
الناس على العمل بها ، وسكوت المتأخرين عن الإنكار لها ، مع أن هذه البدع قد فشت
حتى التبست عند الكثير بالسنة[47] ، ولذلك لا ينبغي قراءة الاعتصام قبل التأمل في مقدمته
، كما لا ينبغي أخذ فتوى الشاطبي أو غيره دون النظر إلى المقام الذي سيقت فيه
الفتوى والضروف التي صدرت فيها ، فمسلك المقام معتبر في المنهيات النبوية ، فمن
باب أولى اعتباره في فتاوى الأئمة.
2- ولنفرض أن الشاطبي قد أفتى صراحة ببدعية الاحتفال بالمولد أو تحريمه
، فإن فتواه ليست حجة ملزمة ، فكل الناس يؤخذ من أقواله ويرد ، وقد أفتى غيره من
الأئمة المجتهدين باستحباب عمل المولد ، وقد ترجحت عندنا هذه الفتوى ، بالنظر إلى
قوة دلائلها ، وقد حصل
الاتفاق على أن الاختلاف في المسائل الاجتهادية لا يجعل أحد الفريقين مبتدعا ، لأن
النبي أثبت الأجر للمجتهد حتى ولو كان مخطئا في اجتهاده كما تقدم بيانه.
3- أن استدلال السلفية بفتوى
الإمام الشاطبي يدل على مدى تناقضهم وفساد منهجهم ؛ لأن منهجهم
يقتضي عدم الاستشهاد بآراء وأقوال الأئمة المبتدعين والضالين ، ومعلوم أن الأشاعرة
مصنفون عند السلفية من الفرق الضالة والمبتدعة ، والإمام الشاطبي واحد من هؤلاء
الأشاعرة ، وهو ما بينه بالأدلة كل مــن:
إذن
فالشاطبي رضي الله عنه ضال مبتدع بالمنظور والمفهوم السلفي ، وقد نص الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي – زعيم
التيار السلفي – على عدم مشروعية النظر في كتب أهل البدع سواء ألفوها حال بدعتهم ,
أو قبل وقوعهم في البدعة , وسواء كانت مشتملة على البدع أو غير مشتملة عليها[50] . ومنع الاستشهاد بكلام أهل البدع ولو كان حقا ؛ محتجا لذلك بقاعدتي )سد الذرائع) و (درء المفاسد أولى من جلب المصالح).وحديث: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء) [51].
فكيف سمحت لهم –
اليوم – مبادئهم أن يتنازلوا عن قواعد منهجهم التي قررها أشياخهم ، ويأخذوا بفتوى
الشاطبي في مسألة المولد ؟ "أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ"؟ إن هذا لعمري في القياس شنيع !؟
الشبهة
الثامنة
إذا فرضنا صحة
الاستدلال بصوم عاشوراء على جواز الاحتفال بالمولد لوجب الاقتصار فيه على ما ورد وهو
مجرد الصيام ؟
نجيب
عن هذه الشبهة
بأن المولد
النبوي ليس مقيسا على ذات الصوم ، بل على الباعث على الصوم ، والباعث على الصوم هو شكر الله تعالى على نجاة موسى عليه
السلام ، فالشكر هو العلة وليس الصوم ، والعلة هنا منصوص عليها ، والمقرر
عند الأصوليين أن الشارع إذا نص على حكم ، ونص على علته ـ أي نص على السبب المقصود
من مشروعيته ـ فكل عمل يحصل به ذلك المقصود فهو مراد لله بنص الشرع ، كما قال مجد
الدين عبد السلام بن تيمية (جد أحمد بن تيمية ) "الحكم
المتعدى إلى الفرع بعلة منصوص عليها في الأصل مراد بالنص"[52] .
ولذلك نبه ابن
حجر على ما يحصل به الشكر في المولد فقال:" وَالشُّكْرُ لِلَّهِ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ
كَالسُّجُودِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ ... فَيَنْبَغِي أَنْ
يُقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الشُّكْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَحْوِ مَا
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التِّلَاوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّدَقَةِ وَإِنْشَادِ
شَيْءٍ مِنَ الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَالزُّهْدِيَّةِ الْمُحَرِّكَةِ
لِلْقُلُوبِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ "[53]. وقد قيل :"من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج
ليس له علاج"
الشبهة
التاسعة
لا يتأتى إظهار
الشكر في ويوم المولد ؛ لأنه غير متعين كيوم عاشوراء ؛ لوقوع الاختلاف فيه ؟
الرد
على هذه الشبهة
أما كون يوم
المولد غير متعين كيوم عاشوراء ؛ لوقوع الاختلاف في مولده صلى الله عليه وسلم،
فيجاب عنه – كما قال ابن حجر - :"فَيَنْبَغِي
أَنْ يُتَحَرَّى الْيَوْمُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُطَابِقَ قِصَّةَ مُوسَى فِي يَوْمِ
عَاشُورَاءَ، وَمَنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ لَا يُبَالِي بِعَمَلِ الْمَوْلِدِ فِي
أَيِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ ..." [54]. ، وذلك لأن الأمور بمقاصدها ، والشارع إنما
تعبدنا بغلبة الظن - لا بالقطع - في عامة
الأحكام كما هو معلوم ، حتى ليلة القدر التي يتحراها المسلمون ليلة السابع
والعشرين من رمضان فقد وقع فيها الخلاف ، وما كان الله ليضيع أجر متحريها في
السابع والعشرين أو غيره ، ونحن اليوم نقيم مظاهر الاحتفال خلال شهر ربيع الأول
كله ، فنتنقل بين المساجد لتقديم دروس ومحاضرات في السير والشمائل وما يتعلق بذلك
من مسابقات ثقافية ، وتكريمات لحفظة القرآن ، وكل ذلك من مظاهر
الشكر ، ولا يخفى ما يترتب على ذلك من مصالح عظيمة النفع ، وكلما عظمت الآثار
المترتبة على المصلحة ، كان الثواب عليها أعظم.
الشبهة
العاشرة
قد التزم النبيّ
عليه الصلاة والسلام في الأوقات الفاضلة عبادات معلومة ولم يَلْتَزِم في هذا شهر ربيع
الأول ما التزمه في غيره ؟
الرد
على هذه الشبهة
لقد كان عليه
الصلاة والسلام يصوم يوم الاثنين ، وعلل ذلك بقوله :"ذلك يوم ولدت فيه " أما عدم التزامه في هذا الشهر الفاضل بعمل
شكر معين فمرده لِما عُلِم من عاداته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما
كان يخصه هو ، ألا ترى أنه عليه الصلاة
والسلام حَرَّم المدينة مثلما حَرَّم إبراهيمُ مكة ، فقال عليه الصلاة
والسلام:" اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ
مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا
بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا
سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلْفٍ..."[55].
ومع ذلك لم
يَشْرَع في قتل صيده ولا شجره الجزاءَ[56] - كما في حرم مكة - تخفيفًا على أمته ورحمة بهم ، فكان
ينظر إلى ما هو من جهته ، وإن كان فاضلاً في نفسه ، فيتركه تخفيفًا عنهم ، وما كان
من هذا النوع لم يكن الترك فيه تشريعا عاما كما هو معلوم.
[1] الباعث
على إنكار البدع والحوادث ، للحافظ أبي شامة تحقيق : عثمان أحمد عنبر ، الناشر : دار الهدى – القاهرة – الطبعة الأولى 1398 - 1978ج 1
/ ص 23- 24.
[2] انظر
: الحاوي للفتاوي ، للسيوطي ، الناشر: دار الفكر للطباعة
والنشر- بيروت- لبنان – (د ط) 1424 هـ -
2004 م ج1 ص 229.
[3] انظر : المواهب اللدُنيَّة بالمنح المحمدية ، للقسطلاني ، الناشر : المكتبة التوفيقية - القاهرة-
مصر – (د ط / د ت ) ج1 / ص 89
[4] شرح الزرقاني على المواهب
اللدنية بالمنح المحمدية ، للزرقاني ، الناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة
: الأولى 1417هـ مج 1 / ص 262
[6] لطائف المعارف ، لابن رجب الحنبلي ، الناشر:
دار ابن حزم للطبتعة والنشر ، الطبعة الأولى، 2004م ص 95-
100
[7] انظر هذه المؤلفات وغيرها في
"كتاب حول الاحتفال بذكرى المولد النبوي
الشريف" ، تأليف: محمد علوي المالكي، ص93-103.
[10] (الغمر):الجاهل الغبي. (وتوما
الحكيم) طبيب يضرب به المثل في الجهل ، وكان قد ورث عن أبيه
كتبا في الطب. و كان يقرأ )الحبة السوداء شفاء مِن
كلّ داء)
، غير أن النسخة التي قرأها كان فيها خطا املائي بسيط ، حيث استبدلت كلمة «الحبة» ب «الحية» فقرأها «الحية السوداء
شفاء مِن كلّ داء» ، وقيل أنه كان يبحث عن حية سوداء فلدغته ومات.
[11] اقتضاء
الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ، لابن تيمية ، تحقيق : ناصر عبد الكريم العقل ، الناشر: دار
عالم الكتب -بيروت - الطبعة: السابعة،1419هـ - 1999م 2 /123.
[12] انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي عياض الناشر:
دار الفيحاء – عمان - الطبعة:الثانية 1407 هـ ج2 /ص 128.
[14] القياس الأولوي: ويسمى القياس الجلي، وهو ما يكون
الفرع فيه أولى من الأصل بالحكم ، لوضوح العلة وظهورها فيه.وذلك كتحريم الضرب
للوالدين قياساً على تحريم التأفيف فإن الضرب وهو الفرع أولى بالتحريم
من التأفيف، وهو الأصل، وذلك لكون الأذى الذي علل به حكم الأصل أشد ظهوراً في
الفرع منه في الأصل .
[15] مجموع الفتاوى ، لابن تيمية ،
مرجع سابق، 21/207
[20] أخرجه أحمد في مسنده رقم 14334
[21] مناقب الشافعي ، للبيهقي ، تحقيق: السيد : أحمد
صقر، الناشر: مكتبة دار التراث – القاهرة - الطبعة:الأولى 1970م(1/469)
[23] أنظر: شهاب الدين القرافي. أنوار البروق في أنواع الفروق: الناشر: عالم الكتب ( دط/ د
ت )ج 4/ص 205 .
[24] الشاطبي ،
الاعتصام ، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي ،
الناشر: دار ابن عفان- السعودية - الطبعة:الأولى1992م ص 246
[25] مجموع الفتاوى ، لابن تيمية ،
مرجع سابق ج 10/ ص 370- 371
[26] اقتضاء الصراط المستقيم ، لابن تيمية
، مرجع سابق 2/89
[28] أخرجه البيهقى فى
شعب الإيمان، رقم :(1199)
[30] أخرجه مسلم رقم :
(1134) (134)
[31] كتاب التوحيد ،
صالح بن فوزان ، وزارة الشؤون الإسلامية - المملكة العربية السعودية - الطبعة
4/1423 ، ص15
[33] أخرجه البخاري رقم:(354
)، (355)
[34] القسطلاني ، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، الناشر: المطبعة الكبرى
الأميرية- مصر- الطبعة: السابعة، 1323 هـ
حديث رقم (3445 ) ج 5/ ص 417.
[35] رواه الطبراني في
المعجم الكبير رقم (4167). وغيره
[38] البداية والنهاية لابن كثير ،
تحقيق: علي شيري ، الناشر: دار إحياء التراث العربي ، الطبعة: الأولى 1988 م 11 /397
[39] سير أعلام النبلاء ، للذهبي ، تحقيق : مجموعة
من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط ، الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة :
الثالثة ، 1985 مج 22 ص 334
:
:
[41] شذرات الذهب ، للذهبي ، تحقيق
: محمود الأرناؤوط ، الناشر: دار ابن كثير- دمشق – بيروت - الطبعة:الأولى، 1406 هـ
- 1986 مج 6 ص 347.
[46] الشاطبي ، الاعتصام ، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي ، الناشر: دار
ابن عفان- السعودية - الطبعة:الأولى1992م ص 246.
[48] الإعلام بمخـالفات
الموافقات والاعتصام ، تأليف ناصر بن حمد الفهد ، مكتبة الرشد – الرياض – الطبعة
الأولى 1420هـ ص 5 -
6 .
[49] الإمام الشاطبي عقيدته وموقفه من البدع وأهلها
، تألبف عبد الحمن آدم علي ، مكتبة الرشد – الرياض – الطبعة الأولى 1418هـ
ص 176 وما بعدها.
[50] صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات علي الحلبي ، تأليف
الدكتور أحمد بن عمر بن سالم بازمول [د ط / د ت] ص 692
[51] مجموع الكتب والرسائل ، تأليف الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي ، دار
الإمام أحمد [د ط / د ت] ج 13 / ص 264 وما بعدها.
[52] المسودة في أصول الفقه ، تأليف آل تيمية مجد
الدين عبد السلام بن تيمية ، تحقيق : حمد محيي الدين عبد الحميد ، الناشر: دار
الكتاب العربي (دط / د ت ) ص 385
[53] الحاوي للفتاوي ، تأليف جلال الدين السيوطي ،
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت- لبنان- 1424 هـ ج1 ص 229.
[54] الحاوي للفتاوي ، تأليف جلال الدين السيوطي ،
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت- لبنان- 1424 هـ ج1 ص 229.
[56] قال ابن عبد البر:" أَجْمَعَ
الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى بِالأَمْصَارِ وَأَتْبَاعُهُمْ أَنْ لا جَزَاءَ
فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ " انظر :
الاستذكار 8/228.
بارك الله فيك شيخنا وجزاك خير الجزاء
ردحذف