......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 20 مارس 2016

كشف الشبهات عما أُوِل لنصرة إيران من الحديث والآيات

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد/
فهذا مقال متواضع أنتصرت فيه للشريعة الإسلامية ، التي أُوِلت بعض نصوصها انتصارا للنظام الشيعي في الدولة الإيرانية ، حيث كتب الدكتور نور الدين أبولحية-غفر الله لنا وله- مقالا على صفحته في الفيسبوك بتاريخ [15/03/2016/سا 06:06 ص] انتصر فيه للنظام المذكور ، وقد تأول بعض النصوص الشرعية بأن مدلولها ينطبق على هذا النظام، متهما – في نفس الوقت - الكثير من المسلمين السنة - لا سيما أقطاب الحركة الإسلامية من الإخوان المسلمين ومن السلفية - بالطواطؤ على كتمان هذه الحقيقة ... وشبههم باليهود في كتمان الحق ، ومما قال:" من الغرابة بمكان أن نجد أعلاما كبارا، وبعضهم محدثون، يتفقون على كتمان كل ما ورد في كتب الحديث من المصادر السنية حول الفرس وإيمانهم وعلمهم ودورهم العظيم في حركة التاريخ الإسلامي ...." ، وهو بطبيعة الحال لا يقصد الفرس عموما بل يقصد الشيعة خصوصا ، حيث ذكر أن أول ما طاله الكتمان ، هو :"كتمان ما ورد في النصوص حول إيران". وهذا البند هو ما أردت مناقشته في هذا المنشور ، بعيدا عن السياسة ومقتضياتها ، وأما البنود الأخرى فلا طائل من مناقشتها لكونها مجرد آراء بشرية معبرة عن قناعة معينة و لا يترتب عليها أي أثر شرعي.

المبحث الأول : الدلائل الواردة في الخلافة الفارسية (الإيرانية) المزعومة

زعم الباعث أن هناك نصوص قرآنية ونبوية تدل على أنه في حالة تولي من نزل القرآن في أوساطهم وتخليهم عن أداء الدور المناط بهم ، فسيستبدلون بجيل من فارس – إيران- وسيكون هذا الجيل الفارسي أفضل من الجيل العربي الذي سبقه ، وهذا يصدق - حسب رأييه - على النظام الشيعي القائم اليوم في إيران، وهو ما سأناقشه في المطالب الخمسة الآتية:   

المطلب الأول : النص الذي أورده الباحث في إيران وتعليقه عليه.

وهو قوله جل جلاله " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ"([ سورة محمد: 38] ، و قد روى عن أبي هريرة أنه قال : "تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية : "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" قالوا : ومن يستبدل بنا ؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منكب سلمان - أي سلمان الفارسي - ثم قال: (هذا وقومه") [أخرجه الترمذي].
وقد علق الباحث على الآية والحديث بقوله :"أن هذا تهديد للعرب الذين نزل القرآن الكريم بين ظهرانيهم أنهم في حال توليهم وتخليهم عن الدور المناط بهم ، أنه سيتولى ذلك قوم آخرون ، وأنهم سيؤدون الأمانة بصدق وإخلاص ، وأنهم لن يكون أمثال القوم الأولين الذين شوهوا الرسالة .. وقد وضح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث أن هؤلاء البدائل هم سلمان وقومه " . ثم قال :"وللأسف فإن هؤلاء يغضون الطرف عن هذه الحقيقة العظيمة التي تسجل أحداثا تاريخية في غاية الأهمية.....ويضيف الباحث قائلا :"وهؤلاء للأسف كما اتفقوا على كتمان ما ورد في حق إيران من فضل، اتفقوا كذلك على ما ورد في التحذير من نجد واعتبارها قرن الشيطان.....". [انظر:صفحته على الرابط الآتي :]

المطلب الثاني : مناقشة نص الباحث وتوجيه النص القرآني:

طبعا أنني لن أتهم الرجل في نيته ؛ فإنما لنا الظاهر ولله السرائر، إلا أن ظاهر النص الذي ساقه بعبارته يتضمن كلاما من الخطورة بمكان ؛ وذلك لأن التولي المذكور في الآية يعني الردة بعد الإيمان على أرجح الأقوال وأصحها ؛ لدلالة السياق عليه ، فـقوله تعالى:"وَإِنْ تَتَوَلَّوْا" عطف على :"إِنْ تُؤْمِنُوا" ، مما يدل على أن المراد بالتولي هو الارتداد عن الإيمان ، فالمعهود من اللسان العربي - في الغالب الأعم - أن عطف الجُمل الشرطية يقتضي ألا يُعطف الشيئ على غير ضده ، ونظيره كثير في آي القرآن، منه: قوله تعالى : "إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ"[الزمر39]. وقوله تعالى "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"[ابراهيم7].
والمحققون من أهل العلم – سنة وشيعة - يفسرون التولي بالارتداد ، من ذلك ما ذكره الطاهر بن عاشور حيث قال :" وَالتَّوَلِّي: الرُّجُوعُ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِاسْتِبْدَالِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ جَزَاؤُهُ اسْتِبْدَالَ قَوْمٍ غَيْرِهِمْ كَمَا اسْتَبْدَلُوا دِينَ اللَّهِ بِدِينِ الشِّرْكِ". [انظر:التحرير والتنوير ، ط:الدار التونسية للنشر – تونس- : 1984 هـ ،ج26 ، ص 138].

وقد جاء هذا المعنى مصرحا به في آية أخري ، وهي قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"[المائدة54].
قال العلامة الطباطبائي - وهو من كبار علماء الشيعة – في تفسيرها : " الآية جارية مجرى قوله تعالى:(و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم). ثم قال : "وفي تفسير النعماني،بإسناده عن سليمان بن هارون العجلي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن صاحب هذا الأمر محفوظ له، لو ذهب الناس جميعا أتى الله بأصحابه، و هم الذين قال الله عز و جل: "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين" و هم الذين قال الله: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين). ثم قال:"و روى هذا المعنى العياشي و القمي في تفسيريهما".هـ [انظر:تفسير الميزان ، للعلامة الطباطبائي ج5 ص 226 ].
وكان من منطلق الإنصاف أن يضم الباحث إلى استشهاده آية :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" ؛ لأن النصوص يفسر بعضها بعضا ، وفصلها عن بعضها قد يجعل الكلام مبتورا ، ولكنه لا يستطيع ؛ لأن القوم المؤتى بهم – هاهنا- فسروا بأبي بكر وأصحابه ، وهو إنما يبحث عما يُمكن أن يُفسر بفرس إيران.

وبعد إيضاح معنى التولي المذكور في الآية ، فإني أتساءل :هل يقصد الباحث أن الصحابة قد ارتدوا كما هو مقرر لدى كثير من علماء الشيعة ؟ فإن قال لا أقصد فقد ناقض نفسه مرتين:

الأولى:

عندما قال :" .. الذين نزل القرآن الكريم بين ظهرانيهم.. " ، أي بينهم وفي وسطهم ، ونظيره حديث:" أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم " [رواه: الطبري]. يعني موجود بينكم.
فمن هم الذين نزل القرآن الكريم بين ظهرانيهم ؟ هل هم آل سعود ؟ أم الإخوان المسلمون ؟ أم السلفية ؟ أم بقية العرب ممن لم يعتنقوا المذهب الشيعي ؟ أم هم الصحابة الكرام البررة عليهم ضوان الله ؟ 

والثانية:

أن البديل الذي "سيؤدي الأمانة بصدق وإخلاص ويكون أفضل ممن شوهوا الرسالة قبله ... " - كما قال الباحث - لا يحصل إلا في حال تولي الجيل الذي قبله ، كما تدل عليه أداة الشرط [إن] في قوله تعالى "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا" ، فالشرط هو : [ تولي من نزل القرآن بين ظهرانيهم] وجزاء الشرط وجوابه هو : [حصول البديل الذي لا يكون مثلهم] والذي فسره الباحث بإيران.
ومما يؤيد هذا ما ذكره الكلبي حيث قال: "شرط فى الاستبدال توّليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل سبحانه قوما غيرهم بهم".[تفسير المراغي شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946 م ج26 ، ص 76].

فإن قال إنما قصدت عرب آل سعود فيكون قد حكم عليهم بالردة أيضا ؛ للتعليل السابق ؟
فإن قال لا أقصد شيئا مما ذكر ، فيكون قد ضلل القراء بعباراته الواضحة الدلالة على ما ذكر ؟ ولا عذر لباحث يسوق عبارات دون مراعاة مدلولها وما يترتب عليها ، لأنه يكتب للأجيال ، التي ستحاكمه كما هو يحاكم غيره اليوم.


المطلب الثالث: تخريج الحديث المقترن بالآية وبيان درجته 

لم يذكر الباحث من أقوال العلماء في درجة الحديث إلا ما يخدم فكرته ، حيث اكتفى بقوله :(أخرجه الترمذي وصصحه الألباني) ، وهذا نوع من التدليس بل الكتمان الذي اتهم الباحث أهل السنة بالطواطؤ عليه . 
فهذا الحديث رواه الترمذي ( رقم 3261 ) ، وقد ضعفه كثير من أهل العلم ، قال الترمذي بعد روايته له : غريب في إسناده مقال . وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب . وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) : روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة . وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61): في إسناده مسلم بن خالد الزنجي ، فيه مقال معروف .ولم يصححه إلا الألباني في صحيح الترمذي ؛ وإنما صححه بالنظر إلى تعدد طرقه ، ووتصحيح الحديث بتعدد الطرق أمر مختلف فيه بين أهل هذا الفن كما هو معلوم ، كما قال ابن حزم الاندلسي صاحب المحلى "لو بلغت طرق الضعيف ألفا لا يقوى ولا يزيد انضمام الضعيف الى الضعيف الا ضعفا"[انظر:نكت الزركشي على كتاب ابن الصلاح (323/1].

وعلى فرض صحة الحديث فإنه لا يدل على أن أهل فارس - شيعة كانوا أو سنة - يمكن أن يكونوا أفضل من الصحابة ؛ لأن فضلهم ثابت بالنصوص القطعية الواضحة الدلالة ، كما لا يدل على تفضيل الفرس على العرب ؛ "....لأن الحقيقة العربية القرشية قد شرف كل منها - ولا ريب - بانتساب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها . ولا ينافى ذلك ما قد يلحق من سوء بكل من قد إنحرف من العرب و القرشيين عن صراط الله عز وجل ..."[انظر: البوطي ، فقه السيرة ص 53].

المطلب الرابع : أقوال العلماء في تفسير الآية:

اقتصر الباحث في تفسير الآية على المعنى الذي يؤيد فكرته ، وكتم ما عداه على الرغم من كثرته ، مما قد يضلل الباحثين عن الحقيقة بأنها لا تحتمل إلا هذا المعنى . فالعلماء والمفسرون لم يتفقوا على تفسير الآية بالحديث المقترن بها ، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس.

1- قال الماوردي وهو من علماء السنة:

"(يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنهم أهل اليمن ، وهم الأنصار ، قاله شريح بن عبيد . والثاني : أنهم الفرس . والثالث : أنهم مَن شاء مِن سائر الناس ، قاله مجاهد". [انظر:النكت والعيون 5 / 307 ، 308].

2- وقال القرطبي وهو من علماء السنة:

"
قوله تعالى : ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ) هو إخبار عن القدرة ، وتخويف لهم ، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" .[تفسير القرطبي 18 / 194].

3- وقال شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي الشيعي:

"
(يستبدل قوما غيركم) قال قوم يستبدل الله بهم من في المعلوم أنهم يخلقون بعد، ويجوز أن يكونوا من الملائكة وقيل: هم قوم من اليمن، وهم الانصار وقيل: مثل سلمان واشباهه من ابناء فارس"[ انظر:التبيان في تفسير القرآن ج9/ص302].

4- وقال الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي الشيعي:

"
هناك كلام بين المفسّرين في المراد من قوله تعالى: (يستبدل قوماً غيركم) الوارد في الآي محل البحث فمن هم هؤلاء ؟! قال بعضهم: هم الفرس وقال آخرون: بل هم أهل اليمن. ولكلّ منهم أثره في تقدم الإِسلام. وقال آخرون: إِنّ المراد بالنص السابق هم أُولئك القوم الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وتقبلوا الإِسلام، بعد أن نزلت الآيتان آنفتا الذكر[انظر:الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل ]ج6 /ص56].

وهذا نزر يسير من بحر غزير ، قد صرف الباحث عنه نظره ؛ ليقرر أن الآية واردة في إيران ؟

المطلب الخامس : التوجيه الصحيح للعلاقة بين الآية والحديث:

وبناء على ما تقدم تكون الآية واردة في الردة ، وأن المقصود بالمتولين العرب الذين ارتدوا في عهد سيدنا أبي بكر رضوان الله عليه ، وأن الحديث قد بين أن القوم الذين سيحلون مكان الذين تولوا هم " الفرس " فتكون الآية قد تضمنت علماً غيبيّاً قد حصل فعلا ، بينما حمل الحديث المقترن بها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنهم لا تحدث فيهم ردة عن الدِّين كما حصل في الجزيرة العربية وغيرها.

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:

"
وأقول : هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا : لا يرتدون ، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم اثنتي عشرة مرة ، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد ، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم".[انظر:التحرير والتنوير 26 / 139].

النتيجة المستخلصة من هذا المبحث:

أنه لا تعلق للآية ولا للحديث المقترن بها بانتشار التشيع الفارسي الإيراني .

فإما أن يقال :
 
لم يحصل تولي ولم يحصل استبدال ، وإنما المقصود بالآية التخويف والتهديد كما قال القرطبي آنفا ، فيكون شأنها شأن قوله تعالى :" إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ "[الأنعام133]. وكقوله تعالى :" إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ " [فاطر16].

أو إما أن يقال :

حصل التولي من بعض العرب وقتل كثير منهم في حروب الردة فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس ، فخدموا دين الله تعالى ، وساهموا في نشره ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك....
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :"قال القرطبي : وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً ، فإنه وُجد منهم – أي : من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار ، والعناية بها ، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم"[انظر: فتح الباري 8 / 643].

ومن أمثال هؤلاء : (مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، والليث بن سعد ، وربيعة الرأي ، وطاووس بن كيسان ، والبيهقي ، و الحسن البصري ، والحاكم النيسابوري ، والإصفهاني ، والدهلوي، والسجستاني ، وأبو حاتم الرازي ، و الشيرازي ، وأبي حامد الغزالي ، وغيرهم كثير من علماء الفرس…………..)

وكل أولائك كانوا على منهاج السنة الواضحة الغراء ، أفبعد هذا الكم الهائل من أعلام العلم والحكمة يأتي اليوم من يشككنا في مسارنا ويقول لنا أن الآية والحديث واردان في النظام الشيعي الإيراني ، القائم على الضلالة و الإشراك بالله والطعن في أصل الشريعة ونقلتها من الصحب الكرام البررة ، ولن ينسى التاريخ ما ارتكب هذا النظام وأذنابه من جرائم ممنهجة في حق رجالنا ونسائنا وأطفالنا في الشام والعراق ... وأقوال الأئمة الهداة الأربعة في عقيدة الشيعة الرافضة معلومة ، أفبعد هذا يكون  جديرا بأن ترد نصوص تذكر أمجاده ومكارمه ؟؟؟ معاذ الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.


المبحث الثاني: الدلائل الواردة في الشهادة لفرس إيران بقمة الإيمان

وفيه ثلاثة مطالب وهي كالآتي:

المطالب الأول: النص الذي أورده الباحث حول إيران وتعليقُه عليه

احتج الباحث - لهذه المسألة - بقوله تعالى: "وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" [الجمعة: 3]، ويرى الباحث أن مصداق هذه الآية منطبق على فارس ، لما روي عن أبي هريرة أنه قال: "كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قالوا: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال - أو: رجل- من هؤلاء)".[رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طرق عن ثور بن زيد الديلي عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، به].
ثم قال الباحث :"فهذا الحديث المتفق على صحته جمع فيه - صلى الله عليه وآله وسلم - بين دور الفرس في حركة التاريخ والشهادة لهم بالإيمان، بل بقمة الإيمان، والتاريخ يدل على ذلك، فكبار العارفين المحققين كانوا من تلك المنطقة.... بينما نجد المجسمة والمشبهة ظهرت في البلاد العربية ، ولا تزال الدولة لها".

المطلب الثاني : مناقشة نص الباحث :

1- اعتبر الباحث فارس مشهودا لها بقمة الإيمان ، بينما اعتبر البلاد العربية محلا لظهور المجسمة والمشبهة ، وكأنه يومئ إلى أن فارس أفضل من البلاد العربية ، ولست أدري إن كان يعني ما يقول حقا ؟ فإن عناه خرق إجماع الأمة ، وصادم صريح الأدلة ، في تفضيل الجزيرة العربية على سائر بقاع الأرض ، ألا يكفيها تشريفا وتكريما أن يختارها الباري جل ثناؤه مهدا للرسالة الخاتمة ، ومهبطا لوحي السماء ، ومبعثا لخاتم الأنبياء ، وبها أم القرى والبيت الله الحرام ، ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، ومدينته التي تنفي خبثها ، وإليها يأرز الإيمان كما تأرز الحية إلى جحرها ، وفيها كان الخلفاء الراشدون والأنصار والمهاجرون ، وبها عقدت رايات الإسلام وقويت أمور الدين ، ومنها يخرج جيش المدينة وهم خيار أهل الارض ، وأهلها أطول الناس رماحا على الدجال ،وأشد هم عليه في آخر الزمان ... ولو ذهبنا نستعرض خصائصها ودلائل تفضيلها على ما عداها لأعيانا إحصاؤها ... بينما الفرس هي مبرك الشيطان ومحل خروج الدجال...وإذا ثبتت لفارس فضائل جزئية – وهي ثابتة - فإنها مغمورة في جنب الفضائل الغالبة للبلاد العربية بلا نزاع."وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"[المائدة8].

2- لا خلاف بين العلماء في صحة الحديث المقترن بالآية ، ولكن هل هو وارد مورد التفسير لها ؟ وإن كان واردا مورد التفسير لها فهل يصدق مضمونه على خصوص فارس كما يرى الباحث ؟ أم هو بيان لعموم الرسالة وأن أهل فارس مما تشملهم دعوته صلى الله عليه وسلم ؟ هذا ما سنعرفه بعد استعراض نصوص العلماء في تفسير الآية وشرح الحديث.

المطلب الثالث: أقوال العلماء في تفسير الآية:

وهي كثيرة ، سأذكر طرفا منها ، وقد آثرت أن أبدأ بعلماء الشيعة لأن الباحث أول النص من أجل الانتصار لهم.

أ‌- من أقوال علماء الشيعة

1- قال شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي:

"
وقوله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال ابن زيد ومجاهد: هم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة، فان الله بعث النبي منهم وشريعته تلزمهم، وإن لم يلحقوا بزمان الصحابة.(وآخرين) نصب على تقدير ويزكي آخرين منهم، لما يلحقوا بهم. ويجوز ان يكون جرا، وتقديره هو الذي بعث في الاميين وفي آخرين" [التبيان في تفسير القرآن10/2].

2-  قال الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي:

"
لم يكن الرسول مبعوثا لهذا المجتمع الأمي فقط ، بل كانت دعوته عامة لجميع الناس ، فقد جاء في الآية التالية (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) نعم ، إن الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرسول ليتربوا في مدرسة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنة المحمدية ، كانوا -أيضا - مشمولين بهذه الدعوة العظيمة .بناء على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرسول من العرب والعجم". [الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل 18 /328].

3- قال الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي:

"
في تفسير على بن ابراهيم : (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) – أي- : دخلوا الاسلام بعدهم .
وفي مجمع البيان :(وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) وهم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة.
وقيل : هم الاعاجم ومن لا يتكلم بلغة العرب ، فان النبى صلى الله عليه وآله مبعوث إلى من شاهده والى من بعدهم من العجم والعرب"[تفسير نور الثقلين ج9 / ص349].

ب - من أقوال علماء السنة

 
1- قال الطاهر بن عاشور:

"
والذي يلوح أنه تفسير بالجزئي على وجه المثال ليفيد أن ( آخرين ) صادق على أمم كثيرة منها أمةُ فارس ، وأما شموله لقبائل العرب فهو بالأوْلى لأنهم مما شملهم لفظ الأميين ، وهذه بشارة غيبية بأن دعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ستبلغ أُمماً ليسوا من العرب وهم فارس ، والأرمن ، والأكراد ، والبربر ، والسودان ، والروم ، والترك ، والتتار ، والمغول ، والصين ، والهنود...."[ التحرير والتنوير ج 28 / ص212- 211].

  -2قال القرطبي:

"..
وقال عكرمة : هم التابعون. وقال مجاهد : هم الناس كلهم ؛ يعني من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد ومقاتل بن حيان. قالا : هم من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. وروى سهل بن سعد الساعدي : أن النبي صل الله عليه وسلم قال : "إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب" - ثم تلا - {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}. والقول الأول أثبت"[الجامع لأحكام القرآن ج18 / ص 93].د

3- قال الطبري"

"....
الصواب عندي قول من قال: عُنِي بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في إسلامهم من أيّ الأجناس؛ لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) كلَّ لاحق بهم من آخرين، ولم يخصص منهم نوعًا دون نوع" .[جامع البيان في تأويل القرآن ج23 /ص 374[.

المطلب الثالث : أقوال العلماء في شرح الحديث:


1-  قال المُظْهِري:

"
قوله: "لو كانَ الإيمانُ عند الثُّريَّا لنالَهُ رجلٌ مِنْ هؤلاء"، قال الحسن: يريد بـ (هؤلاء): العجم. وقال عكرمة: يريد بهم فارسَ والروم؛ يعني: بالغ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في انقياد فارسٍ للإسلام والإيمان...". [المفاتيح في شرح المصابيح ج6/ ص344].

2- محمد أنور شاه الكشميري الهندي الديوبندي:

"
وحاصِلُ الحديث أنَّ الدِّين لا يَنْحصر في العرب، بل يكون في العجم أيضًا ،قوله: (لَنَالَهُ رِجالٌ - أو رجل - من هؤلاء) والظاهِر أنَّ المرادَ منه هم العلماءُ الكِبار الذين أقامهم اللهُ تعالى لِنُصرةِ دِينه من العجم . وقال السيوطي: إنَّ فيه مَنْقبةً عظيمةً للإِمام أبي حنيفة. قلتُ: ولكنَّ لفظ الجمع يأباه، ومَحْمل هذه الأحاديث هم حَمَلةُ الشريعة في العجم، ولا ريب أن هؤلاء كَثُروا في العجم، حتى إن أصحاب «الصِّحاح» كلهم من العجم".[فيض الباري على صحيح البخاري ج5/ ص421].

النتائج المستخلصة من هذا المبحث

من خلال هذا الاستعراض الموجز لأقوال أهل العلم - سنة وشيعة - في تفسير الآية وشرح الحديث نستخلص ما يلي:

1-  أن المراد بقوله:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) تشمل كلّ لاحق بالصحابة في إسلامهم من أيّ الأجناس؛ فقوله :[وآخرين] نكرة في سياق النفي ، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم كما هو معلوم ؛ لذلك لا يصح قصر الآية على الفرس وحدهم ، وإلا كان ذلك تحكما على النص بغير دليل ، وهو غير جائز.

-2
أن الحديث المقترن بها تضمن بشارة غيبية بأن دعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ستبلغ أُمماً ليسوا من العرب ، والإشارة إلى سليمان وقومه إنما هي من باب التمثيل ، ليفيد أن لفظ ( آخرين ) ليس منحصرا في العرب، بل صادق على غيرهم كقوم سليمان وأشباههم كالأرمن ، والأكراد ، والبربر ، والسودان ، والروم ، والترك ، والتتار ، والمغول ، والصين ، والهنود…..

-3
ومن خلال هذا التوجيه - المستخلص من نصوص العلماء سنة وشيعة - يتبين لنا أنه لا علاقة للآية ولا للحديث يالتشيع الفارسي الإيراني ، وأن الباحث قد وضع النص في غير موضعه ، وخصصه بغير مخصص ، حيث اعتبره واردا حول إيران ، ولكنه اجتهد فخالف الصواب ، ونسأل الله أن يأجره على اجتهاده .

ما كان في هذا المنشور من صواب فهو  من الله وحده ، وما كان فيه من خلل - وهو لا بد كائن - فهو مني وأنا أهله ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق