......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

السبت، 17 أكتوبر 2015

وفقة مع سيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه

الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلا ، وأوضح لهم طرق الهداية وجعل اتباع الرسول عليها دليلا ، واتخذهم عبيدا له فأقروا له بالعبودية ولم يتخذوا من دونه وكيلا ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نشهد بها مع الشاهدين ، و ندخرها عند الله عدة ليوم الدين ، واشهد أن الحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه ، وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ، واشهد أن محمدا عبده المصطفى ، ونبيه المرتضى  ، ورسوله الصادق المصدوق ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، أرسله رحمة للعالمين وحجة للسالكين ، وحجة على العباد أجمعين ، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، صلاة دائمة بدوام السموات والأرضين، مقيمة عليهم أبدا لا تروم انتقالا عنهم ولا تحويلا.
"  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل عمران102)

أيها الأخوة المؤمنون:
خطابنا هذه الجمعة عن علم من أعلام التاريخ ، ومصباحٍ من مصابيح الهدى ، الذين بحياتهم تدفع المحن ، وبموتهم تتعاقب الفتن ، وبسيرتهم يهتدي السالكون .
 حديثنا اليوم : عن رجل حكم المسلمين بالعدل والإحسان ، وسار فيهم بسيرة سيد الأنام ، حكم الأمة الإسلامية اثنا عشرة سنة ، فكثرت في عهده الفتوح ، واتسعت في عصره رقعة دولة الإسلام ، فهو صاحبي جليل القدر رفيع المكانة ، كان رابع أربعة دخلوا في الإسلام ، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة ، ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار، فكان ثالث الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.
إنه سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأرضاه ،عثمان الحياء ، عثمان الصدق والإيمان ، عثمان البذل والجود  والإحسان ، إنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، أبو عمرو وأبو عبد الله القرشي أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين.
أيها الأخوة المؤمنون: لكن قد يقال : لماذا نتحدث عن سيرة وأخبار هؤلاء الرجال ؟ والجواب بإيجاز:
لأننا بحاجة ماسة للتعرف على سيرة هؤلاء الأئمة الأعلام ؛ لنتخذ منها نبراسا مضيئا في حياتنا ، لاسيما ونحن في زمن قد برز فيه من لا خلاق له ولا قدر له في الإسلام ، وطمست فيه سير النبلاء  الأمجاد ، حتى تناساها الناس بمرور الأعوام ، ثم إن عثمان هو احد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرت الأمة أن تقتدي بسيرتهم ،  فعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال:" أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
وكم نحن بحاجة ماسة لأن نربي أنفسنا وأسرنا وأمتنا على أخلاق أسلافنا الصالحين ، وقد قال مالك بن أنس : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها "
إخوة الإسلام : لا نذهب بعيداً عن سيرة هذا الصحابي الجليل الذي كان أول السابقين إلى الإسلام ، لما سمع عرض الدعوة الإسلامية من أبي بكر انطلق لسانه يردد تلك الكلمة التي دانت لها العرب والأعاجم  ( لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومن تلك الساعة شرع عثمان في نصرة دين الله ، فأخذ يشارك في غزوات النبي ببدنه و ماله ؛ لأنه أيقن من أول وهلة أن الإسلام ليس كلمة تقال أو مظاهر تقام ! بل هو تضحية وإقدام ، وأين شبابنا اليوم من عثمان ؟ فما ذا قدموا لأنفسهم ومجتمعاهم و أوطانهم .. ؟
وإن عثمان قد جمع في شخصه من الفضائل والمكارم ما جعله جديرا وحقيقا بأن يزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية، ولما توفيت زوجه ابنته الثانية  أم كلثوم ، ولما توفيت هذه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كان عندنا أخرى لزوجناها عثمان"، قال الحسن البصري إنما سمي عثمان بذي النورين لأنه لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبيّ غيره.
وعن أبي موسى الأشعري قال: " كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي : " افتح له وبشر بالجنة "، ففتحت له فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي فحمد الله ، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي : " افتح له وبشر بالجنة" ، ففتحت له ، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي فحمد الله ، ثم استفتح رجل فقال لي: " افتح له وبشر بالجنة على بلوى تصيبه" ، فإذا عثمان ، فأخبرته بما قال رسول الله فحمد الله ثم قال: "الله المستعان". متفق عليه
ولما صعد رسول الله جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف الجبل فقال صلى الله عليه وسلم: "اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان"  رواه مسلم .
ولقد كان عثمان صاحب ثروة عظيمة فاستعملها في مرضاة الله تعالى ، فكان ينفق أمواله لنصرة هذا الدين بدون حساب ، فقد أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال شهدت النبي وهو يحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان: " يا رسول الله ....عليّ ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله "، فنزل رسول الله وهو يقول: "ما على عثمان ما عمل بعد اليوم".
وهو الذي اشترى بئر رومة حيث قال رسول الله: "من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله خير منها في الجنة" فقال عثمان:" اشتريها من خالص مالي". أخرجه أبو نعيم فى الحلية والترمذى.
أيها الأخوة: ولم يكن عثمان سباقاً في مجالات الجهاد بالمال والنفس فحسب ، بل كان عابداً خاشعاً خائفاً من الله لا يمل من قراءة القرآن ، وروي أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود  أيام الحج ، ولذلك قال ابن عمر في قوله تعالى:" أمّن هو قانت أناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة". قال هو عثمان بن عفان.
وكان رحيماً بأهله وخدمه فكان إذا استيقظ من الليل لا يوقظ أحداً من أهله ليعينه على الوضوء ... وكان يقال له : لو أيقظت بعض الخدم ؟ فيقول: " لا ‍،  الليل لهم يستريحون فيه" ، فأين نحن اليوم من هذه الأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة ؟
وإن أعظم منقبة سجلت لعثمان ولا ينساها التاريخ له أبداً ، بل لا ينساها أهل الإسلام أبداً  أن جمع القرآن في مصحف واحد  وعلى حرف واحد ، وجمع الناس في سائر الأمصار على القراءة به ، فصان بذلك شريعة الإسلام إلى يوم الدين .
وأبرز ما اتسم به من الأخلاق : الحياء : فكان كالعذراء في خدرها من شدة حيائه ، حتى قال فيه صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة" رواه مسلم.  الله أكبر عثمان تستحي منك الملائكة لشدة حيائه ، و لا غرو  فإن الحياء هو خلق الإسلام ، فأين الحياء اليوم في رجالنا ونسائنا وأبنائنا وبناتنا ؟ !   ألا رضي الله تعالى عن عثمان الذي كان مثلاً رائعاً للصدق والإيمان والحياء والبذل في سبيل الله.
وفي  يوم مقتله رأى في منامه رسول الله وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا له: " اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة " ، فلما أصبح شد عليه سراويله خشية أن تبدو عورته إذا هو مات أو قتل ، وقال لأهله : إني صائم . ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه وأخذ يقرأ فيه حتى قتل من يومه ، وذلك قبيل المغرب بقليل ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، فكان خبر مقتلة فاجعة على الأمة  الإسلامية ، فبكته النساء ، وبكاه الصحابة ، وأكثرهم حزناً عليه علي بن أبي طالب ، واغتمت المدينة تلك الليلة وأصبح الناس ما بين مصدق ومكذب حتى استبانوا الأمر وتيقنوا الخبر ، ووجدوا دمه قد سقط على قوله تعالى في سورة البقرة :" فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " ، فرضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في الجنة مع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق