......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

خطبة عيد الأضحى

الخطبة الأولى

الله أكبر   الله أكبر   الله أكبر  الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً. الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن   تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد /
فها هو عيد الأضحى المبارك قد أتى حاملا معه الخيرات والبركات ، والذكريات الطيبات ، ولنا في ذلك وقفات موجزات ، نستلهم منها العبر والعظات.

الوقفة الأولى مع قصة خليل الرحمن

 فعيد الأضحى يذكرنا بالمواقف الجليلة  لإبراهيم عليه السلام ،  إبراهيم الذي كان وحده أمة ، وأثنى عليه ربه بقوله:  "وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى "[ﺍﻟﻨﺠﻢ:37] . إبراهيم الذي أعلن ميثاقه العقائدي في الناس قائلا كما أخبر القرآن ":إنّي وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين"[الأنعام 79]. وعمد إلى  الأصنام فكسرها انتصارا لتوحيد الملك العلام ، فما كان من قومه إلا أن رموا به في النار ؛ انتقاما لأوثانهم ، "قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين" [الأنبياء 68]. فرمَوْه فيها وهو يقول:"حسبي الله ونعم الوكيل ".   فقال لها ربها:  "يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم". [ الأنبياء 69].  فالله أكبر   الله أكبر   الله أكبر .. مع معية الله النار لا تحرق إبراهيم ؟ فكن مع الله و لا تبالي...ثم إن إبراهيم صار شيخا طاعنا في السن ، وقد اشتاق إلى ولد ، فدعا ربه قائلا:" رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ " [الصافات 100]. فوهبه اللهُ غلاما حليما ، وهو سيدنا اسماعيلُ عليه السلام ، ولما شب إسماعيل وصار يسعى مع أبيه ، يأمره الله عز وجل في المنام بذبحه ، فلله ما أعظمه من أمر؟ أن يؤمر الرجل بذبح فِلْذَةِ كبده بيده ، " قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" [ الصافات 102].ويمر إبراهيم السكين على رقبة ولده فإذا بها لا تقطع ؟ ويمررها ثانية وثالثة ... فإذا هي لا تقطع ؟
فالله أكبر   الله أكبر   الله أكبر …  مع معية الله السكين لا تقطع إسماعيل كما أن النار لم تحرق إبراهيم ؟ فكن مع الله و لا تبالي ....
 " فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ "[الصافات 103]. أي أسلما أمرهما لله ، و الله تعالى لا يضيع من أسلم إليه أمره ،  وهنا يأتي الفرج من السماء ويُنادى إبراهيم : " وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إن هذا لهو البلاء المبين وفدينه بذبح عظيم "[الصافات 107]. الله أكبر   الله أكبر   الله أكبر  الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
أيها الناس : هذه ليست مجرد واقعة نرويها ، بل هي قصة تتضمن دروسا وعبرا ،  فإبراهيم وإسماعيل كلاهما مر بامتحان عسير فوفّيَا ، وامثلا أمر ربهما ، وهنا نسأل أنفسنا ، هل امتثلنا نحن أوامر ربنا ؟ إبراهيم يؤمر بذبح ولده فيمتثل ويطيع ، وإسماعيل يستسلم للذبح راضيا بأمر ربه ، ونحن أمرنا بالصلاة فهل صلينا كما أمرنا ؟ وأمرنا بالتضحية من أجل المحافظة على ديننا فماذا قدمنا لديننا ؟ وأمرنا بالإنفاق في سبيل ربنا فهل أنفقنا ؟ وأمرنا بالمحبة والأخوة وكظم الغيظ والعفو والمسامحة وبر الوالدين وصلة الأرحام... فهل استجبنا ؟
إبراهيم وإسماعيل كلاهما قد نجحا في الامتحان ، فهل نجحنا نحن في ما امتحننا الله به ...؟ والدنيا كلها امتحان ، والله قد يمتحن العبد بالشيء وضده ، كما قال سبحانه وتعالى ":وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ". [الأنبياء35].
                      · فيا من امتحنه الله بالمرض أو الفقر أو فقد أحد أحبته ... هل صبرت واحتسبت فكان لك الأجر ؟ أم جزعت فكان عليك الوزر ؟
                      · ويا من امتحنه الله بالصحة والعافية  أوالمال  أو الجاه..هل شكرت للمنعم جل جلاله ؟ وهل وظفت هذه النعم في مرضاته  سبحانه وتعالى؟ الله أكبر   الله أكبر   الله أكبر  الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.

الوقفة الثانية مع أوضاع الأمة الإسلامية

فإن الأمة الإسلامية تمر اليوم بمرحلة صعبة وخطيرة -  ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم- فسوريا وليبيا ومصر واليمن والعراق ، كلها مجتمعات مسلمة تعيش أوضاعا مؤلمة ، من قتل وتشريد، ودمار وآلام .. وفتن متلاحقة كقطع الليل المظلم ؟ والمسجد الأقصى يئن ، ويتعرض لأبشع الهجمات اليهودية ، وأهلنا في غزة محاصرون ؟  وإخواننا مسلموا بورما يبادون ؟ يحدث كل هذا في الوقت الذي تقارب فيها اليهود والنصارى والملحدون والمشركون والزنادقة والمنافقون ، وتواطئوا كلهم على ضرورة التصدي للمد الإسلامي ، وإجهاض مشروعه ولو أقتضى ذلك إبادة معتنقيه .
 وكل المسلمين يتألمون لما آل إليه أمر الأمة الإسلامية ؛ ولكن لا ننسى أننا قد نكون  مساهمين في نشر الفتن وتأجيجها ؟ فكرهك أو حسدك لأخيك المسلم فتنة ، ونشرك للأكاذيب والافتراءات في مجتمعك فتنة ، وطعنك في إخوانك فتنة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". [رواه مسلم].

فمن التناقض: أن تتألمُ لبيت المقدسِ في يدِ الاحتلال، وأنت تهجر  بيوت الله بجوارك ،  فلا أنت تحافظ على صلاتك فيها ، و لا أنت تعتني بها ، أو تُنفق من فضول مالك على بنائها وتشيدها ؟
ومن التناقض:  أن تتألم لاحتلال بلاد المسلمين وأنت تحتل ملك غيرك ، وتأخذ مال غيرك ، وتعتدي على حق غيرك ....؟
ومن التناقض: أن تتألم لأوضاع المسلمين وأنت هاجر للقرآن ، مضيع لوقتك تنتقل من الهاتف إلى التلفاز، ومن المقهى إلى الانترنت.. ومن الغيبة إلى النميمة ، ومن الكبر الى العجب ، ومن الحسد إلى الحقد ، ومن النظر الحرام الى سماع الحرام.....فلو نصبت لك كاميرا خفية تترصد حركاتك  من يقظتك إلى نومك ، ثم  استأذنوك في عرض شريطِ حياتك اليومية على الفضائيات، لرفضت وتحسّرت وتألمت ؟؟ فلِمَ لا تتحسر وكلُّ أعماله ستُعرض يوم القيامة على رب العالمين ..؟
أيها الناس: من أراد أن يحكم على الأمة بما فيها من أزمات و فتن ، فلينظر إلى نفسه ثم ليحكم ، فلو أصلح كل واحد منا نفسه لصلحت الأمة ، ولكنْ كلُّ واحد يُلقي اللوم على الآخر وينسى نفسه.
إن كل المصائب التي حلت بأمتنا – اليوم- سببها نحن ، سببها انحرافنا عن المنهج الرباني .."فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". [النور 63].
فكم من أمر لله ورسوله قد خالفنا ؟؟ وكم من سنة قد هجرنا ؟؟ وكم من فتنة وبدعة قد نشرنا؟ والله المستعان؟ فلا راد لما حل بنا من عذاب ، و لا أمان لنا من العذاب إلا اتباع المصطفى ، وتطبيق منهجه في واقع حياتنا ، في أسرنا ، في أعمالنا ، في عبادتنا ، في حل مشاكلنا وخصوماتنا ، في علاقتنا مع بعضنا ....فإذا فعلنا ذلك فقد أمنا أنفسنا وأوطاننا من العذاب عاجلا وآجلا :" وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون."  [الأنفال 153]. أي وما كان الله معذبهم ومنهجك قائم في حياتهم. أكبر   الله أكبر   الله أكبر  الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.


الخطبة الثانية

الله أكبر   الله أكبر   الله أكبر  الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً ، الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
الوقفة الثالثة مع معاني العيد

أيها الناس: وقفتنا الثالثة والأخيرة مع معاني العيد ، فالعيد مظهر من مظاهر الدين ، وشعيرة من شعائره المعظمة ، التي تنطوي على حكم عظيمة ، ومعان جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها
فسر العيد ليس في يومه ، الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها ، وإنما سره فيما يعمر ذلك اليوم من صالح الأعمال ، وما يغمره من إحسان وأفضال ، وما يغشى النفوس المستعدة للخير فيه من سمو وكمال ... فللعيد معان كثيرة ، له معان دينية ، وأخرى إنسانية ، وأخرى اجتماعية وغيرها ...

·        فالعيد في معناه الديني :
هو شكر لله على تمام العبادة ،  وابتهاج بنعمة التوفيق للطاعة ؛ لهذا جاء عيد الفطر مرتبطا بإتمام فريضة الصيام ، وجاء عيد الأضحى مرتبطا بإتمام فريضة الحج ، لذلك فبهجة العيد إنما هي للطائعين ، ولا حظ فيها للعصاة الفاجرين ، كما قال عمر بن عبد العزيز " :ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد". وقال الحسن البصري " : كل يوم لا تعصي الله فيه فهو لك عيد ".

·        والعيد في معناه الإنساني:
هو يوم تلتقي فيه قوة الغني مع ضعف الفقير، على محبة ورحمة وعدالة ، عنوانها : المواساة والإحسان والتوسعة ، فليس من الإسلام أن نفرح بالعيد ثم ننسى إخواننا الفقراء ، قال صلى الله عليه وسلم :  "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"  . فهل يرضيك أيها المسلم أن ترى أولادك في هذا اليوم غير مسرورين ؟  إذا كنت لا تحب هذا لنفسك وأولادك ، فينبغي ألا تحبه أيضا لإخوانك إن كنت مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر، وإذن : عليك أن تسعى لرفع الغبن عن إخوانك ، وإدخال السرور عليهم كما أدخلته على أولادك في صبيحة هذا اليوم البهيج.

·        والعيد في معناه الاجتماعي:
 هو يوم للأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح  ، ويوم للأرحام يجمعها على البر والصلة ، ويوم للمسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور ، ويوم للأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب ، ويوم للنفوس الكريمة تتناسى فيه أضغانها ، فتجتمع بعد افتراق ، وتتصافى بعد كدر ، وتتصافح بعد انقباض ...
 هذا هو العيد في الإسلام ،  ولا خير في عيد لا تتحقق فيه تلكم المعاني ، ألا فحققوا -عباد الله-  هذه المعاني في واقع حياتكم ؛ لتحصلوا على مثوبة بارئكم ؛ فتسعدوا في عاجلكم وعاقبة أمركم.


وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هناك 7 تعليقات:

  1. بارك الله فيك شيخنا وأستاذنا الفاضل على جهدك ونشاطك اعانك الله وحفظك

    ردحذف
  2. بارك الله فيك شيخنا وأستاذنا الفاضل على جهدك ونشاطك اعانك الله وحفظك

    ردحذف
  3. بارك الله فيك شيخنا وأستاذنا الفاضل على جهدك ونشاطك اعانك الله وحفظك

    ردحذف
  4. احسن الله اليك شيخنا الفاضل وبارك في علمك ونفعنا بك...

    ردحذف
  5. السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته

    ردحذف
  6. بارك الله فيك شيخنا وبارك في عملك اعانك الله وحغظك

    ردحذف