......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 3 مايو 2015

تعدد الزوجات بين الفقه الإسلامي وقانـــون الأســــــرة الجزائري

هذا جزء من بحث  كنت  قد أعددته لأجل تقديمه  في الندوة  الشهرية  للسادة الأئمة بعنــوان:
" دراسة فقهية  مقارنة  لبعض مواد  قانون الأسرة الجزائري "

 جاء في المادة 8
"يسمح بالزواج بأكثر من واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي و توفرت شروط ونية العدل و يتم ذلك بعد علم كل من الزوجة السابقة و اللاحقة و لكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة الغش والمطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضا".
فمن خلال هذه المادة : يظهر أن تعدد الزوجات في قانون الأسرة الجزائري يخضع  للشروط والقيود التالية:
القيد  ألأول: ترخيص القاضي بالزواج.
المناقشة والتوجيه:
جعل تعدد الزوجات موقوفا على إذن القاضي أمر غير مسوغ شرعالماذا ؟
1-  أن الله سبحانه وتعالى أناط بالراغب في الزواج وحده تحقيق شرطي التعدد ، فهو الذي يقدر الخوف من عدم العدل ، " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً " فالخطاب فيه لنفس الراغب في الزواج ، لا لأحد سواه، من قاض أو غيره ، فيكون تقدير مثل هذا الخوف من قبل غير الزوج مخالفاً لهذا النص.
2-   البحث في توافر القدرة على الإنفاق منوط بالراغب في الزواج، لقوله صلّى الله عليه وسلم : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج.." فهو خطاب للأزواج ، لا لغيرهم.
أن إشراف القاضي على الأمور الشخصية أمر عبث ؛ إذ قد لا يطلع على السبب الحقيقي، ويخفي الناس عادة عنه ذلك السبب ، فإن اطلع على الحقائق، كان اطلاعه فضحاً لأسرار الحياة الزوجية، وتدخلاً في حريات الناس ، وإهداراً لإرادة الإنسان ، وخوضاً في قضايا ينبغي توفير وقت القضاة لغيرها، ومنعاً وأمراً في غير محله ، فالزواج أمر شخصي بحت ، يتفق فيه الزوجان مع أولياء المرأة ، لا يستطيع أحد تغيير وجهته ، وتبديل قيمه ، وأن أسرار البيت المغلقة لا ينبغي أن يعلم بها أحد غير الزوجين[1].
القيد الثاني: تأكد القاضي من موافقة الزوجتين  السابقة واللاحقة.
المناقشة والتوجيه:
اشتراط موافقة الزوجة الأولى أمر غير مشروع  ؛ إذ لم يقل أحد من أهل العلم باشتراط موافقة الزوجة الأولى ، كما أنه  يحد من حريات الراغبين في تعدد الزوجات ؛ لأن الزوجة ترفض الضرة مهما كان مستواها العلمي والأدبي، فكأن هذا الشرط يجعل التعدد مستحيلا.

القيد الثالث: أثبات المبرر الشرعي و تأكد القاضي من قدرة الزوج  على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية .
 و جاء في المادة 41 من مشروع التعديل: " لا تأذن المحكمة بالتعدد، إذا لم تكن لطالبه، الموارد الكامنة، لإعالة الأسرتين، وضمان جميع الحقوق، من نفقة، و مسكن ".  أما كيفية التأكد من ذلك فقد تركها المشرع الجزائري غامضة.
المناقشة والتوجيه:
أن اشتراط وجود المبرر – الذي يكاد ينحصر  في العقم والمرض المزمن– هو شرط مخالف للفقه بمختلف مذاهبه ، فلم يقل أحد من أهل العلم بأن التعدد مباح  لمن كانت زوجته مريضة أو عقيما فقط.
أسباب إباحة التعدد في الشريعة عامة وخاصة:
أما الأسباب العامة: فمنها معالجة حالة قلة الرجال وكثرة النساء، سواء في الأحوال العادية بزيادة نسبة النساء ، أو في أعقاب الحروب ، كما حد ث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ أصبحت نسبة النساء للرجال واحداً إلى أربعة أو إلى ستة، فقامت النساء الألمانيات بمظاهرات يطالبن بالأخذ بنظام تعدد الزوجات، بعد أن قتلت الحرب معظم رجال ألمانيا، وبعد أن كثر اللقطاء في الشوارع والحدائق العامة.
 ومن الأسباب العامة أيضا : الحاجة الاجتماعية إلى إيجاد قرابات ومصاهرات لنشر الدعوة الإسلامية كما حدث للنبي صلّى الله عليه وسلم ، فإنه عدد زوجاته التسع في سن الرابعة والخمسين من أجل نشر دعوته وكسب الأنصار لدين الله الجديد. وبقي إلى هذه السن على زوجة واحدة هي السيدة خديجة رضي الله عنها.
وأما الأسباب الخاصة فكثيرة منها:
1-       عقم المرأة أو مرضها، أو عدم توافق طباعها مع طباع الزوج.
2-       اشتداد كراهية الرجل للمرأة في بعض الأوقات.
3-       ازدياد القدرة الجنسية لبعض الرجال.
حكم التعدد في الفقه الإســــــلامي
اتفقت المذاهب السنية[2] على أن لأصل في التعدد الإباحة حتى أربع كحد أقصى ، وأن الإباحة مقيدة بشرطين فقط :
أحدهما:  العدل المادي بين الزوجات ؛ لقوله تعالى : " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً "
والثاني:  القدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية وأولادها؛ لقوله تعالى:" ذلك أدنى ألا تعولوا" أي أدنى ألا  يكثر عيالكم فتصبحوا غير قادرين على تأمين النفقة لهم ، لكن الأرجح أن العول – ها هنا – هو الجور من عَال الميزان عَولاً إذا مال ، وعال فلان في حكمه أي جار[3].
وقال الفقهاء قد يعرض للتعدد ما يجعله:
1)   واجبا كما لو كثر النساء في المجتمع المسلم وخشي العنت[4] مع امتلاك الباءة .
2) وقد يندب كما لو كثر النساء في المجتمع المسلم مع امتلاك الباءة و عدم الخوف من العنت.
3) وقد يحرم إذا غلب على ظنه  عدم العدل ، ولم يكن خائفا من العنت ، فإن عدد مع عدم القدرة على العدل صح الزواج مع الإثم .
4)   قد يكره لمن يملك القليل من الباءة ولم يكن خائفا من العنت.
القيد الرابع : أن عدم احترام هذه الشروط  يؤدي إلى فسخ الزواج الجديد قبل الدخول، و في حالة الغش يجوز لكن زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج ؛ للمطالبة بالتطليق.
المناقشة والتوجيه:
أن إحاطة التعدد بهذه القيود قد يفتح أبواب الفساد من ناحيتين:
الناحية الأولى : انتشار ظاهرة الزوج العرفي ، وإذا كان رجال القانون قد برروا تشريع  المادة 8  بحماية حقوق المرأة. فإن الواقع جاء عكس ذلك تماما ، فما تخفيه أروقة المحاكم من قصص وقضايا مترتبة عن الزواج العرفي الذي تضاعف منذ إقرار هذه المادة ، لهو أكبر دليل على أن المرأة هي الخاسر الأكبر في هذا الزواج . فليس هناك أسهل من التخلي عن امرأة لا تجمعها بزوجها أي وثيقة ، كما أن أكثر ما تواجهه المتزوجات بالفاتحة إثبات نسب الأبناء في حال تخلي الأزواج عنهن، فهم مصنفون في خانة الأطفال غير الشرعيين رغم أنهم نتيجة لعلاقة شرعية،  كما يطرح مشكل المطالبة بالميراث في حال وفاة الزوج ورفض عائلته أو الزوجة الشرعية الاعتراف بهذا الزواج.
الناحية الثانية : الإسهام في زيادة ظاهرة  العنوسة  ، نظرا لكثرة النساء وقلة الرجال كما هو معلوم ، وكان ينبغي للمشرع أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار ، فيسن من التشريعات ما يسهل  التعدد للتخفيف من هذه الظاهرة ، ولسد الذريعة  أمام العلاقات غير الشرعية ، وهو ما تقضيه المصلحة  الشرعية التي قامت عليها الشريعة الإسلامية ، ومنها: قاعدة : " تصرف الإمام على الرعية منوط [متوقف عليها ومعلق بها] بالمصلحة".ومعناها: أن تصرف الإمام ومن يمثله ، يجب أن يكون مبنيا على المصلحة العامة ، وما لم يكن كذلك كان تصرفا باطلا لا اعتبار له.

 الهوامش


[1] الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ . تأليف الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ . الناشر : دار الفكر - سوريَّة – دمشق . ج 9 / ص 165 + الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية، للأستاذ الشيخ زكي الدين شعبان: ص 196 وما بعدها.
[2] انظر: كتاب : تعدد الزوجات في الإسلام . تأليف الدكتور محمد بن مسفر بن حسين الطويل طبعة: إدارة الدعوة والإعلام بجماعة أنصار السنة المحمدية فرع مديرية التحرير - لجنة الدعوة . دار أم القرى للطباعة . ص 6 وما بعدها.
[3] الكتاب : التحرير والتنوير ـ  المؤلف:الشيخ محمد الطاهر بن عاشور .دار النشر: دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م ج 4/ ص 228
[4] العنت : المشقّة التي تكون ذريعة إلى الزنا .


هناك تعليقان (2):

  1. باسم الله و الحمد للله,نحن معك في كل كلمة فزواج الرجل من غير واحدة حق مشروع؛فلماذا يلجأ و يظطر لأخد إذن القاضي.وإني لأرى(زوبعة)في بيوت جزائرية

    ردحذف
  2. اذا كان القاضي.تكرهه.زوجته.الاولي.ولاتجامعه.ثلاث اشهر. ماذا يفعل.. يذهب يسال.. قاضي. ثاني. ام. يتزوج. من. امراءة. ثانية. ام. يذهب.. للحرام..

    ردحذف