......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 12 يناير 2014

المبحث السادس: "الوضوء وأحكامه"


المطلب الأول : تعريفُ الوضوء وحكمُه

v    شرع الباري جل ثناؤه الوضوء لحكم جليلة ، منها :
o       ليؤدي به المؤمن ما افترض الله عليه من العبادات.
1-  لمحو الذنوب والخطايا ورفع الدرجات ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ "[1].
2-    لنيل محبة الله تعلى والفوز برضاه؛ لقوله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ  "(البقرة222).
o       لإعطاء الجسد قوة ونشاطا ونضرة وجمالا.
v    وفيما يلي تعريفه وبيان حكمه وأنواعه:

أولا : تعريف الوضوء:

     أ‌-    الوضوء لغة : مشتق من والوضاءة ، وهي الحسن والنظافة ، وَيُقَالُ وَجْهٌ وَضِيءٌ أَيْ سَالِمٌ مِمَّا يَشِينُهُ ، وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ يُزِيلُ الْحَدَثَ الَّذِي هُوَ مَانِعٌ لِلصَّلَاةِ سُمِّيَ وُضُوءًا ، وهو بضم الواو اسم للفعل ، وبفتحها اسم للماء المعد للطهارة[2].
          ب‌-        اصطلاحــــا : هو : " طهارة مائية تتعلق بأعضاء مخصوصة ، على وجه مخصوص "[3] .

 ثانيا : حكم الوضوء:
v    الوضوء منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب.  

          أ‌-          الوضوء الواجب:

v    يجب الوضوء في ثلاث حالات ، وهي كالآتي:
1)   للصلاة - مطلقا - وما جانسها : كسجدتي الشكر والتلاوة ، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.." (المائدة:6). و قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ"[4].
2)   للطواف بالبيت فرضا كان أو نفلا ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير "[5] .
3)  لمس المصحف[6]: لقوله تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون "[7] (الواقعة:79). وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يمس القرآن إلا طاهر" [8].
 
        ب‌-        الوضوء المندوب.
يندب الوضوء في الأحوال الآتية :
1 - لزيارة العلماء والصالحين أحياء كانوا أو أمواتا ،  ومن باب أولى لزيارة نبي من الأنبياء ؛ لأن الوضوء نور يتقوي به النور الباطني في حضرتهم عند زيارتهم فيحصل المقصود.
2 - لزيارة سلطان أو الدخول عليه لأمر من الأمور ؛ لأن الوضوء حصن من سطوة السلطان[9].
3 - لقراءة القرآن – غيبا – وقراءة الحديث النبوي و العلم الشرعي ولذكر الله تعالى مطلقا ؛ لما روي عن المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال : " إني كرهت أن أذكر الله عز و جل إلا على طهر "[10].
4 - يندب الوضوء للجنب ( ذكرا كان أو أنثى ) أو لغير الجنب عند إرادة النوم  ولو نهارا ؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : "نعم إذا توضأ "[11]
5 - يندب الوضوء لدخول السوق ؛ لأنه محل لهو واشتغال بأمور الدنيا ، ومحل للأيمان الكاذبة ، فللشيطان فيه قوة تسلط على الإنسان ، والوضوء سلاح المؤمن ودرعه الحصين من كيد شياطين الإنس والجن.
6 - يندب إدامة الوضوء لأنه ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : " .. ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن "[12].
7 - يندب تجديد الوضوء للصلاة ولو نافلة أو للطواف[13] ، إن كان صلى بوضوئه الأول فرضا أو نفلا أو طاف به أو مس مصحفا ، وإلا كره له تجديد الوضوء ؛ لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه :"أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر "[14].
8 - يندب الوضوء لمن جامع ولم يغتسل إذا أراد أن يعود مرة أخرى للتي قد جامعها أو لغيرها ؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا "[15] .
9 - يندب الوضوء للْمُسْتَحَاضَة وَلصَاحب السلس لكل صَلَاة ، وسيأتي الحديث عن ذلك في حكم السلس.

المطلب الثاني : فرائضُ الوضوء وسننُه

الفرائض والأركان بمعنى واحد ، فالفرض مرادف للركن في اصطلاح الفقهاء إلا في الحج، ويختلف عن الشرط ، فالركن أو الفرض هو ما كان جزءا من ماهية (حقيقة) الشيء كقراءة الفاتحة في الصلاة ، أما الشرط فهو ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان خارجا عن ماهيته، كالبلوغ والقدرة على الوضوء[16].
أولا: فرائض الوضوء:
فرائض الوضوء سبع ، وهي :

1-    النية:

وهي القصد إلى فعل مخصوص ، والأصل في وجوبها : حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "[17] . وفيه مضاف محذوف ، تقديره: (إنما صحة الأعمال...) ، والوضوء عمل فلا يصح بدون نية.
v    ومحلها القلب ، ويكره التلفظ بها .  
v  ولينوِ المكلف رفع الحدث الأصغر ، أو ينويَ استباحة ما منعه الحدث الأصغر ، أو ينويَ أداء فرض الوضوء ، فإذا نوى استباحة ما تندب له الطهارة كقراءة القرآن - غيبا - أو زيادة صالح . . . فلا يرتفع حدثه إن لم ينو رفعه[18].
v  ووقتها عند ابتداء الوضوء ، و سن كونها عند أول مغسول مفروض وهو الوجه ، ولا يشترط استحضارها إلى آخر الوضوء ، فإن ذهل عنها أثناءه أجزأه ، و لا يضر تقدمها عن الوضوء بوقت يسر درءا للمشقة و رفعا للحرج ، أما إن تأخرت (مطلقا) أو تقدمت بوقت كثير لم تجزئ.
v    ويشترط فيها الجزم ، فلا تصح إن تردد فيها ، كأن يقول في نفسه : نويت الوضوء إن كنت محدثا.

2- غسل الوجه:

لقوله تعالى:"فاغسلوا وجوهكم"...
v  وحده طولا من منابت شعر الرأس المعتاد[19] إلى منتهى الذقن فيمن لا لحية له ، أو إلى منتهى اللحية فيمن له لحية ، وحده عرضا من وتد الأذن إلى الوتد الآخر.
v  ويجب تعاهد المغابن التي قد لا يصل إليها الماء ، كوترة الأنف ، وظاهر الشفتين ، وأسارير الجبهة ، وما غار من جفن ، عملا بالقاعدة المتفق عليها : " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
v    ويجب تخليل اللحية الخفيفة التي يظهر الجلد تحتها ، أما إن كانت كثيفة فيستحب تخليلها ولا يجب .
والمراد بالتخليل إيصال الماء للبشرة بالدلك على ظاهرها.

3- غسل اليدين مع المرفقين :

 لقوله تعالى : " وأيديكم إلى المرافق ". و (إلى ) بمعنى ( مع ) فيجب غسل المرفقين مع اليدين.
v  ويجب تخليل الأصابع مع مراعاة غسل تكاميش الأنامل وغيرها ؛ لقوله صل الله عليه وسلم "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"[20].
v  ولا يجب تحريك الخاتم المسموح فيه شرعا، سواء كان الخاتم واسعا أو ضيقا ، أما إن كان الخاتم غير مسموح فيه شرعا، كخاتم الذهب للرجل فلا بد من نزعه ، ما لم يكن واسعا يدخل الماء تحته فيكفي تحريكه.

4-    مسح جميع الرأس :

لقوله تعالى : " وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ". و جاء في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه: "...مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه"[21].
v  وحده : من منبت شعر الرأس المعتاد من الأمام إلى نقرة القفا من الخلف ، ويدخل بما في ذلك شعر الصدغين مما على العظم الناتئ في الوجه ، وكذلك البياض الذي خلفه فوق وتدي الأذنين ، وكذا مسح ما استرخى من الشعر مهما طال تبعا لأصله ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، وقال بعض متأخري المالكية إنما يمسح  الرجل دون المرأة[22] ؛ لتميزها باسترسال شعرها ، وفي إلزامها بمسحه كلما توضأت مشقة ، والمشقة تجلب التيسير .
v  ولا يشترط نقض الضفائر أو نقض ما جمع من الشعر بدون تضفير ، سواء كان الماسح ذكرا  أو أنثى ، ولو كانت الضفائر مشدودة ، ما لم تكن مضفورة بخيوط كثيرة تمنع مسح الشعر ، فيجب نقضها حينئذ[23].
v  و لا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ اخْتِيَارًا، أي من غير ضرورة[24] ، جاء فِي الْمُدَوَّنَةِ[25] : [ وَلَا تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا وَلَا غَيْرِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ (أي مع إمْكَانِهَا الْمَسْح عَلَى رَأْسِهَا) أَعَادَتْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ ][26] .
5-    غسل الرجلين مع الكعبين :

لقوله تعالى : " وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ". ، فيغسل القدمين مع إدخال الكعبين في الغسل ، وهما العظمان البارزان أسفل الساق.
v  ويجب تعهد ما تحتهما من عرقوب ( وهو العصب الذي فوق العقب) ، وأخمص ( وهو باطن القدم ) ، وسائر المغابن والشقوق التي في باطن القدم وظاهره ، وفي الحديث :"ويل للأعقاب من النار"[27]. جمع عقب وهو العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم.
v  ويندب تخليل الأصابع - وقيل يجب -  لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك"[28] . والمشهور وجوب التخليل  في اليدين وندبه في الرجلين ؛ لتلاصق أصابع الرجلين ، فاعتبرت كالعضو الواحد ، بخلاف أصابع اليدين فهي منفرجة ، فكأن كل واحد منها عضو مستقل.
6-    الدلك.
وهو إمرار باطن كف اليد على العضو المغسول  أثناء أو بعد صب الماء عليه مرة واحدة قبل جفافه .
v    ويندب أن يكون خفيفا ، ويكره فيه التشديد والتكرار ؛ لما فيه من التعمق المؤدي للوسوسة .
v  واستدل مالك وصحبه على فرضية الدلك بقوله تعالى : ( فاغسلوا )؛ لأن الغسل لغة هو إسالة الماء على العضو مع إمرار اليد عليه، فلا يتحقق الغسل بدون الدلك ، ومما يدل على وجوبه أيضا : فعله صلى الله عليه و سلم في صفة وضوئه ، فعن عاصم الأنصاري قال :"إن النبي صلى الله عيه وسلم أتِيَ بثلثي مد فجعل يدلك ذراعيه"[29].
v  واختلف هل هو واجب لذاته – وهو المشهور – أم واجب لغيره ، أي ؛ لأجل إيصال الماء إلى جميع أجزاء العضو المغسول.
7-    الموالاة أو(الفور).
v    وهي الإتيان بجميع أفعل الوضوء متوالية من غير تفريق بينها بزمن طويل .
v    والطول معتبر بجفاف العضو الأخير في الزمان المعتدل والمكان المعتدل والشخص المعتدل.
v  ودليل وجوبها: العطف بحرف الواو في آية الوضوء ، فهو يقتضي الموالاة بين الأعضاء المذكورة. ومما يدل على وجوبها أيضا: فعله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يتوضأ إلا متواليا ، وقد أمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء والصلاة معا ، فقد صح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم :" أنه صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يعيد الوضوء والصلاة "[30].
v    والمولاة واجبة بشرطين:
v    أحدهما:الذكـــــر:
 بأن يكون المتوضئ ذاكرا ، أما إن فرق بين أعضاء الوضوء ناسيا ، فإنه يبني على وضوئه ويتمه سواء طال الزمن أم قصر، وكذا من نسي عضوا من أعضاء الوضوء ، أو ترك لمعة في أثناء الوضوء ناسيا ، فإن طال الزمن اقتصر على فعل المنسي وحده ولا يعيد ما بعده من الأعضاء ، أما إن لم يطل الزمن ( أي لم يجف العضو الأخير بعد ) فإنه يفعل المنسي ويعيد ما بعده - استنانا – مرة مرة لأجل تحصيل سنة الترتيب.
v    وثانيهما:القـــدرة:
بأن يكون المتوضئ قادرا على الموالاة ، فإن فرق بين غسل الأعضاء لعجزه عن الموالاة  غير مفرط ، فتسقط عنه الفورية ويكون حكمه كحكم الناسي ، ومثال ذلك أن يحضر الماء الكافي - باعتقاده – للوضوء ، ثم يظهر عدم كفايته ، أو يهراق الماء ويحتاج إلى ماء آخر ليكمل به وضوءه ، فينتظر مدة تجف بها الأعضاء التي غسلها ، فعند حضور الماء يبني على ما فعل ويتم وضوءه ولو طال الزمن .
أما إذا كان عاجزا مفرطا كمن أحضر من الماء مالا يكفي لوضوئه ، فإنه يبني على ما فعل ما لم يطل الزمن ، فإن طال الزمن صار حكمه كحكم من فرق بين أعضاء الوضوء عامدا لا ناسيا ولا عاجزا ، فيبطل الوضوء ويجب عليه إعادته من جديد.
ودليل سقوط المولاة بالنسيان: قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"[31].
ودليل سقوطها بالعجز: قوله تعالى : " فاتقوا الله ما استطعتم " (التغابن16). وقوله صلى الله عليه وسلم : "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"[32]. ومن القواعد المقررة لدى أرباب العلم : " لا تكليف إلا بمقدور ".

ثانيا: سنن الوضوء:
السنة: هي ما طلبه الشارع وأكد أمره ، ولم يقم دليل على وجوبه ، فيثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ،  وسنن الوضوء ثمانية وهي :
1 - غسل اليدين إلى الكوعين :

وذلك  قبل إدخالهما في الإناء ، إن كان الماء قليلا وغير جار ، وأمكن الإفراغ منه ، كآنية الوضوء أو الغسل.
 أما إن كان الماء كثيرا أو جاريا ، أو لا يمكن الإفراغ منه ، فتحصل السنة بغسلهما في الإناء ، سواء كانتا نظيفتين أم متنجستين ، ما لم يخش تغير الماء بنجاستهما إن هو أدخلهما فيه ، فعندها يتحيل على غسلهما خارجه إن أمكن ، وإلا ترك الماء وتيمم إن لم يجد غيره ؛ لأنه في حكم العادم للماء .
v    ويكفي في حصول السنة غسلهما مرة واحدة ، أما الغسلتان : الثانية والثالثة فمستحبتان .
v  ويتأكد غسلهما بعد الاستيقاظ من النوم مطلقا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ ، فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ، أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ"[33].

2 - المضمضة :

وهي إدخال الماء إلى الفم وخضخضته ثم طرحه ، فإن ابتلعه ، أو أدخله ومجه من غير تحريك ، أو تركه يسيل من فمه ، فلا يجزئ ،  ويستحب أن تكون ثلاث مرات.

3 - الاستنشاق :

- وهو جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف ، فإن دخل من غير جذب فلا يكون آتيا بالسنة ،  ويندب أن يكون ثلاث مرات ، (أولاهما سنة والأخيرتان مندوبتان).
- ويندب المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم ، وذلك بإيصال الماء إلى أقصى الفم والأنف ، أما الصائم فتكره له المبالغة درءا لمفسدة صومه [34] ، وفي الحديث المتقدم :" ... وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ".

4 - الاستنثار:

وهو طرح الماء من الأنف بالنفس ، ويندب أن يضع إصبعيه السبابة والإبهام من يده اليسرى على أنفه كما يفعل في امتخاطه.
وفي الحديث :" إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر .."[35].

5-    رد مسح الرأس :

 بشرط أن يبقى بلل من أثر مسح رأسه ، وإلا سقطت سنة الرد لكراهة التجديد.

6 - مسح الأذنين :

ظاهرهما وباطنهما مرة واحدة ، ويدخل في ذلك صماخ الأذنين ، وصفة المسح المستحبة أن يمسح ما يلي الوجه بالسبابتين ، وما يلي الرأس بالإبهامين ، تأسيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت أنه :"...مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه"[36] .

7 - تجديد الماء لمسح الأذنين :
فلا يكفي في السنية أن يمسح أذنيه بالبلل الباقي من مسح رأسه ،لحديث عبد الله بن زيد : " أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأذنيه ماءً غير الذي أخذه لرأسه "[37] .
8 - ترتيب الفرائض :

وهو سنة على المشهور خلافا للشافعي .
- وحقيقته : أن يغسل الوجه أولا ، ثم اليدين ، ثم يمسح الرأس ، ثم يغسل الرجلين .
- فإن نكس - بأن قدم فرضا على آخر-  ففيه التفصيل الآتي :
v    فإن طال الزمن:
§        فإن نكس سهوا أعاد العضو المنكس وحده مرة واحدة - استنانا - ولا يعيد ما بعده.
§        وإن نكس عمدا - أو جهلا - استأنف وضوءه من جديد استحبابا .
v    فإن لم يطل الزمن:
               أعاد المنكس فقط مرة واحدة ، ثم أتم ما بعده مرة مرة ، سواء نكس عمدا أو سهوا.

فـــــرع: حكم من ترك عضوا أو لمعة من وضوئه ؟

أولا - إذا كان هذا المتروك فرضا:

             أ – الناسي :
v    إذا طال الزمن أعاد العضو المنسي وحده.
v    إذا لم يطل الزمن أعاد العضو المنسي ، وأعاد ما بعده – مرة مرة – استنانا[38].
v    وفي كلا الحالتين ، إن كان صلى أعاد الصلاة التي صلاها بهذا الوضوء الناقص.

ب - العامد :
يعيد الوضوء من جديد - طال الزمن أو قصر -  وإن صلى فصلاته باطلة .

 ثانيا - إذا كان هذا المتروك سنة:

             أ – الناسي :
          يأتي بها لما يُستقبل من الصلوات ، وصلاته التي صلاها - بدونها- صحيحة.
 
            ب- العامد :
v    يأتي بها لما يُستقبل من الصلوات أيضا ، ويستحب له أن يعيد الصلاة التي صلاها بنقص السنة في الوقت الاختياري.
       
          و لا فرق في ترك السنة بين طول الزمن وقصره.

         قال ابن عاشر - رحمه الله - :
        
وذَاكِرُ فرْضِه بِطـــُـــولٍ يفْعَلُهْ          فقطْ وبالقربِ الموالي يكملـهْ
إن كان صلى بَطلَت ومن ذكرْ           سنَّتَهُ يفـــعلـــها لما حضــــرْ

v    وهذا الذي  ذكره ابن عاشر  إنما هو فيمن  ترك فرضه ناسيا ، و لم يذكر حكم العامد ، وهو كما فصلناه آنفا .


المطلب الثالث: مستحبات الوضوء و مكروهاته

أولا : مستحبات الوضوء:
المستحبات : هي ما طلبها الشارع ولم يؤكد على طلبها ، فيثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ، ويعبر عنه بالفضائل والمندوبات،
ومستحبات الوضوء هي كالآتي:
1 - إيقاع الوضوء في محل طاهر ؛ لكونه عبادة مشتملة على ذكر الله ؛ ولئلا يتطاير إليه ما ينجسه.
2 - استقبال القبلة ، إن أمكن من غير مشقة ؛ لأنها من أشرف الجهات.
3 - التسمية في أوله ، والإمساك عن الكلام بغير ذكر الله تعالى[39] إلا لحاجة ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : " لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه "[40].
4 - تقليل الماء الذي يرفعه للأعضاء حال الوضوء مع إحكام الغَسل ؛ لأن الإسراف مكروه في كل شيء .   
5 - التيامن [41] ؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب التيامن في شأنه كله في نعليه وترجله وطهوره "[42] .
6 - جعل الإناء المفتوح من جهة اليد اليمنى ؛ لأنه أعون في التناول ، بخلاف الإبريق ونحوه فيجعله في جهة يساره ، فيفرغ منه على يمناه ، ثم يرفع الماء بيديه جميعا إلى العضو.
7 - البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو ، بأن يبدأ في الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن أو اللحية ، ويبدأ في اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ، وفي الرأس من منابت شعر الرأس المعتاد إلى نقرة القفا ، وفي الرجل من الأصابع إلى الكعبين.
8 - الغسلة الثانية والثالثة في الفرائض والسنن ، لكن لا تحسب الثانية ما لم يستوعب العضو بالغسلة الأولى ، ولا تحسب الثالثة ما لم يستوعب العضو بالغسلة الثانية ، فإذا توقف الاستيعاب على الغسلات الثلاث فتعتبر كلها واحدة ، ويطالب ندبا بالثانية والثالثة ، أما بالنسبة للمسح فتكره الثانية والثالثة .
9 - ترتيب السنن مع بعضها : غسل اليدين إلى الكوعين أولا ، ثم المضمضة  ، ثم الاستنشاق... وكذلك ترتيب السنن مع الفرائض ، أي البدء بالسنن المذكورة أولا ، ثم غسل الوجه ، ومسح الأذنين بعد مسح الرأس.
10 - الاستياك قبل المضمضة بعود لين ، والأفضل أن يكون من أراك ، ويكفي الأصبع عند عدمه ، ويستحب أن يستاك بيده اليمنى.
11-  الدعاء بعد الوضوء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"[43].

12- صلاة ركعتين بعد الوضوء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة"[44].
ثانيا : مكروهات الوضوء :
المكروهات : هي ما طالب الشارع تركها لا على سبيل الحتم واللزوم ، فيثاب تاركها ولا يعاقب فاعلها ، وهي تنافي السنن والمستحبات ، ومكروهات الوضوء كالآتي :
1 - الوضوء في البقة النجسة .
2 - الإسراف في الماء .

3 - الكلام أثناء الوضوء بغير ذكر الله تعالى.
 4 - الزيادة على الثلاث في المغسول ، وعلى الواحدة في الممسوح.
 5 - البدء بمؤخر الأعضاء بدلا من مقدمها.
6 - كشف العورة حال الوضوء إذا كان بخلوة ، أو مع زوجته أو أمته ، وإلا حرم أمام الأجانب.
7 - مسح الرقبة ؛ لأنه من الغلو في الدين .
8 - الزيادة في المغسول على محل الفرض كإطالة الغرة ، أما الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل "[45] . فمحمول على إدامة الوضوء عند علمائنا.
9 - ترك سنة من سنن الوضوء.
10- الوضوء بالمياه المكروهة.

المطلب الرابع: نـواقـــض الوضوء

النواقــض : جمع ناقض ، وهو ما يفسد الوضوء ، فتقول: نقضت الشيء أي أفسدته ، ويعبر عنها بالمبطلات أو الموجبات.
وتنقسم نواقص الوضوء إلى ثلاثة أقسام :

أحداث - وأسباب -  وغيرهما ( الردة والشك )

أولا : الأحداث :
جمع حدث ، وهو : "الخارج المعتاد من المخرج المعتاد على سبيل الصحة والاعتياد".

فخرج بالخارج : الداخل من أصبع أو حقنة ، فإن إدخالهما لا ينقض ، وكذا إخراجهما ؛ لأنهما غير معتادتي الخروج.
وخرج بالمعتاد : الخارج غير المعتاد ، مثل الحصى والدود ، ولو كان خروجه مع أذى.
وخرج بالمخرج المعتاد : المخرج غير المعتاد، فلو خرج ريح أو غائط من القبل فلا ينقض الوضوء ؛ لأنه مخرج غير معتاد لهما ، وكذا إذا خرج بول من الدبر فلا ينقض ؛ لأنه مخرج غير معتاد للبول .
وإذا خرج الخارج المعتاد من ثقبة فوق المعدة لم ينقض ، أما إن خرج من ثقبة تحت المعدة وكان المخرج المعتاد قد انسد، فإنه ينقض الوضوء.
وخرج بقولهم:على  سبيل الصحة والاعتياد: السلس الخارج على سبيل المرض فلا ينقض ، وسيأتي الحديث عنه في المطلب الموالي.
والخارج المعتاد سبعة أشــــــياء:
ستة في الذكر والأنثى وهـــــــي :
        الريح والغائط[46] والبول والمذي[47] والودي[48] والمني الخارج بغير لذة معتادة[49] ، كمن حك لجرب أو هزته دابة فأمنى ، ومثله  
        خروج مني الرجل من فرج المرأة إن كان دخل بوطء وخرج بعد أن اغتسلت .
وواحد يختص بالأنــثـــى: ويقال له الهادي ، وهو ماء أبيض يخرج من فرج المرأة الحامل قبل ولادتها.

ثانيا : الأسبــــاب :  
جمع سبب ، وهو : ما لا ينقض الوضوء بنفسه ولكنه موصل إلى الناقض ، والأسباب الناقضة للوضوء ثلاثة و هي :
          أ‌-          زوال العقل:
ويكون بأحد أمور أربعة : وهي : الجنون ، والإغماء ، و السكر ، والنوم . وهذا الأخير فيه التفصيل الآتي:

§        نوم ثقيل طويــل  :  ناقــــض للوضوء.
§        نوم ثقيل قصيـــر :  ناقــــض للوضوء.
§        نوم خفيف طويل :  لا ينقض ولكن يستحب منه الوضوء.
§        نوم خفيف قصير :  لا ينقض و لا يستحب منه الوضـوء.

وعلامة النوم الثقيل ألا  يشعر صاحبه بالأصوات أو بما يسقط من يده ، سواء كان مضطجعا أو جالسا أو قائما ، والأصل في إيجاب الوضوء منه : قوله صلى الله عليه و سلم : "العين وكاء[50] السَّهِ[51] فمن نام فليتوضأ "[52].
وأما النوم الخفيف فهو عكس الثقيل ، ودليله : حديث أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه ، قال :" كانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّئُونَ"[53]. فيحمل هذا على النوم الخفيف .
        ب‌-        اللمس :
وهو ملامسة المتوضئ شخصا يشتهى عادة بيده أو بجزء من بدنه ، ولو كان بعضو زائد ، أو كان اللمس لظفر أو شعر متصل ،  و هو ناقض للوضوء بثلاثة شرائـــــط :
1)    أن يكون اللامس بالغا ولو من امرأة لمثلها.
2)    وأن يكون الملموس ممن يُشتهى عادة من ذكر أو أنثى ، ولو كانا غير باغين.
3)    أن يقصد اللامس اللذة أو يجدها ، وفيه التفصيل الآتي:
§        قصــــد ووجــــد:    ينقض.
§        قصد ولم يجـــــد:    ينقض.
§        لم يقصد ووجـــد:    ينقض.
§        لم يقصد ولم يجد:   لا ينقض.
ولا ينتقض وضوء الشخص الملموس إلا إذا وجد اللذة وكان بالغا ، أو قصد اللذة – هو الآخــر - لأنه صار في الحقيقة لامسا لا ملموسا .
والأصل في إيجاب والوضوء من اللمس: عموم قوله تعالى: "أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ"(النساء43) . قال ابن عمر : " قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ"[54]
 وأما اعتبار القصد في النقض – ولو لم تصاحبه لذة - فمبناه على قاعـــــدة " الأمور بمقاصدها ".

        ت‌-        مس الذكر:

مس المتوضئ البالغ ذكره ينقض الوضوء ،  عمدا كان أو سهوا ، بلذة أو بغير لذة ، وذلك إذا مسه بغير حائل وبباطن الكف أو جنبه ؛  لقوله صلى الله عليه و سلم : " من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ "[55].

v    ولا ينتقض الوضوء بمس حلقة الدبر ، ولا بمس الأنثيين .
v    ولا ينتقض وضوء المرأة بمسها لفرجها إلا إذا أدخلت أصبعها فيه ، وهو ما يُعبر عنه بالإلطاف.
v    وإذا مس المتوضئ البالغِ ذكرَ غيرِه فإنه يعود حكمه إلى حكم الملامسة .

 ثالثا : نواقض الوضوء غير الأحداث والأسباب :

                            أ‌-          الـــــردة :
وهي الكفر بعد الإيمان ، ومنها : سب الدين والنطق بكلمات الكفر ، وهي محبطة للعمل ، بدليل قوله تعالى : " لئن أشركت ليحبطن عملك " (الزمر: 65). ومن العمل الوضوء والغسل.

        ب -  الشـــــك:

v    وهو هو استواء الطرفين من غير ترجح أحدهما عن الآخر، وفيه التفصيل الآتي :

§        إذا تيقن الحدث وشك في الطهـــــــارة :  ينتقض وضوؤه إجمــــــــــــاعا.
§        إذا تيقن كليهما وشك في السابق منهما:  ينتقض وضوؤه على المشهور.
§        إذا تيقن الطهارة وشك في الحـــــــــدث:  ينتقض وضوؤه على المشهور.

ففي كل هذه الحالات يجب عليه الوضوء إذا كان خارج الصلاة ؛ تطبيقا لقاعدة : " الذمـــة لا تبرأ إلا بيقـــــــــين " .
أما إذا كان داخل الصلاة :
v  ففي الصورة الأولى والثانية يقطع وجوبا ، وإن كان إماما استخلف ؛ لأن في أولاهما صار الناقض محققا ، والطهارة بعده مشكوك فيها ، وفي الثانية قد استوى عنده الجانبان ، و لا مرجح لأحدهما عن الآخـر، فيلــزمه طرح الشك والاحتياط للعبادة .
v  وفي الصورة الثالثة يتمادى في صلاته وجوبا لحرمتها ، تطبيقا لقاعدة: "اليقين لا يزول بالشك ". وهو قد دخل الصلاة  متيقن الطهارة ، فالطهارة عنده محققة والناقض مشكوك فيه ، فلا يخل بحرمة الصلاة بطرح المحقق للمشكوك فيه.
v    فإذا زال عنه الشك بعد ذلك فصلاته صحيحة ، ولكن إن استمر به الشك توضأ وأعاد الصلاة .
وهذا كله فيما إذا لم يكن مستنكحا[56] ، فإن كان كذلك فلا ينتقض وضوؤه حتى يتيقن ، وقد شُكِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلُ يُخيل إليه أنه يجد الشيءَ في الصلاة ، فقال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا"[57]   
المطلب الخامس: حكم السلـــس

من القواعد المتفق عليها : (لا تكليف إلا بمقدور) ؛ وذلك لأن الغرض من التكليف هو امتثال المكلف ما كلف به ، فإذا خرج عن استطاعته كان التكليف عبثا يتنزه عنه الشارع الحكيم ، ولهذا راعت الشريعة المعظمة خصوصية هذه الحالة ، فيسرت على المكلف ما خرج عن الاعتياد من الأحكام التكلفية ؛ لتقع تحت قدرته فيتمكن من امتثال ما كلف به ، ومن ثم قعد أهل العلم: ( المشقة تجلب التيسير ) ، و ( الأمر إذا ضاق اتسع ) وغيرهما ، ومن فــروع هــذه القواعد : التيسير على ذوي الأعذار ، ومنهم : صاحب السلس ، وفيما يلي تعريفه وبيان حكمه بإيجاز.

أولا : تعريف السلس :

أ - لغة : هو : "السهولة والانقياد ، وسمي عدم إمساك البول سلسا ؛ لخروجه بسهولة دون أن يتحكم فيه صاحبه".

ب – اصطلاحا : هو :" الخارج المعتاد من أحد المخرجين في حال المرض ، سواء كان  بولا أو غائطا   أو ريحا  أو منيا  أو مذيا  أو وديا أو دم استحاضة".

ثانيا: حكمـــه :

للسلس حالتان : فهو إما أن ينضبط وقته وإما ألا ينضبط ، وعلى صاحبه التداوي في جميع الحالات .

1.     ألا ينضبط وقت مجيء السلس ووقت انقطاعه.

           وله ثلاث صـــــــــور ، وهــــــــــي  كالأتي :
§        إن لازم الوقت كله فلا ينقض الوضــــوء.
§        وإن لازم جل الوقت أو نصفه فلا ينقض أيضا ، ولكن يستحب له تجديد الوضــوء لكل صلاة.
§        وإن لازم أقـــــــل من نصف الوقت كان ناقضا ووجب منه الوضوء، لكن إن خرج منه أثناء
الصلاة فصلاته صحيحة.

      2.  أن ينضبط وقت مجيء السلس ووقت انقطاعه.

      فهذا على صاحبه أن يتحرى وقت انقطاعه كـالآتي :

§        فإن جرت عادته أنه ينقطع أول وقت الصلاة ، وجب على صاحبه  تأخير الصلاة إلى آخر الوقت الاختياري.
§        وإن جرت عادته أنه ينقطع آخر وقت الصلاة ، وجب على صاحبه  تقديم الصلاة في أول الوقت الاختــياري.
     وإذا تحرى ثم أتاه وهو في الصلاة فصلاته صحيحة .

والمراد بالوقت: الوقت الشرعي الذي تكون فيه أوقات الصلوات ، وهو من الزوال إلى الشروق من اليوم التالي .

وهذا التفصيل إنما هو على طريقة المغاربة ،  أما على طريقة أقطاب المدرسة العراقية : فكلما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقا[58].



[1] مسلم.1/219/ رقم251.
[2] انظر: مختار الصحاح .ص 726
[3] انظر: بلغة السالك . 1/41.
[4] رَوَاهُ الْبُخَارِيّ1/44/رقم133.
[5] الترمذي ج 1 كتاب الحج باب 112 / 960
[6] سواء كان كاملا أو جُزْءا مِنْهُ ، وَلَو مسه من فَوق حَائِل أَو بِعُود، وكذلك كتابته وَحمله وَلَو مَعَ أَمْتعَة لم يقْصد حملهَا وَإِنَّمَا قصد حمله فِيهَا. وَيسْتَثْنى من ذلك : - الْمعلم والمتعلم - والمكرر للقرآن بنية حفظه -   والخائف على ضياع القرآن - وكتب التفسير وما شابهها كترجمة القرآن .
[7] "لا يمسه .." نهي بصيغة الخبر ، بقرينة وجود من يمسه في الواقع من غير المتطهرين ، فلو كانت للإخبار للزم منها مخالفة الواقع ، والمخالفة في خبر الله تعالى محال.
[8] أخرجه مالك في الموطأ . 1/199/ رقم469.
[9] ويندب الوضوء للمخاوف كافة ، كركوب الطاهرة أو البحر...
[10] أبو داود : ج 1 / كتاب الطهارة باب 8 / 17
[11] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض باب 6 / 23
[12] ابن ماجة : ج 1 / كتاب الطهارة باب 4 / 277
[13] لا لغيرهما كمس المصحف.
[14] الترمذي : ج 1 كتاب الطهارة باب 44 / 58
[15] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض باب 6 / 27
[16] شروط الوضوء ليست مقررة عليكم ولذلك آثرت الاستغناء عنها .
[17] مسلم : ج 3 / كتاب الإمارة باب 45 / 155
[18] والضابط في ذلك :(أنه إذا نوى فعل ما لا يصح بدون وضوء ارتفع حدثه ، كما لو توضأ بنية مس المصحف ، فيمكنه أن يؤدي بهذا الوضوء ما شاء من العبادات الأخرى . أما إذ توضأ بنية ما يصح فعله بدون وضوء فلا يرتفع حدثه ، كما لو توضأ بنية دخول السوق أو ركوب طائرة أو زيارة عالم..فلا يصح أن يؤدي بهذا الوضوء صلاة و لا طوافا ولا مس مصحف).
[19] خرج بالمعتاد الأصلع والأغم وهو من نزل شعره جهة حاجبه. ولا يجب على الأصلع أن ينتهى في غسله إلى منابت شعره بل يقف بالغسل عند الحد المعتاد الذى ينبت فيه الشعر ، ويجب على الأغم أن يدخل في غسله الشعر الذى نزل عن منابت الشعر المعتاد.
[20] أبو داود : ج 1 / كتاب الطهارة باب 55 / 142
[21] أخرجه البخاري في صحيحه .4/37/ رقم183.
[22] أنظر: أحكام القرآن لابن العربي 2/51-75.
[23] هذا في الوضوء ،أما في الغسل فلا بد فيه من نقض ما اشتد ضفره .
[24] فإن كان المسح لضرورة جاز كالمسح على الجبيرة ؛ ولأن الضرورات تبيح المحظورات ، وقد يجب عليه المسح ذلك إن خشي الهلاك ؛ لأن حفظ النفس مصلحة ضرورية أما مسح الرأس فمصلحة تحسينية ، والضروري مقدم على الحاجي والتحسيني معا.
[25] انظر : مواهب الجليل في شرح مختصر خليل.  دار الفكر ؟ الطبعة: الثالثة: 1412هـ - 1992م . ج1 / ص 207.
[26] هذا مذهب مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، و َقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ اخْتِيَارًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاشْتَرَطَ ابْنُ حَنْبَلٍ أَنْ يُلْبَسَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ.

[27] البخاري1/50/1قم165.
[28] أبو داود . 1/35/ رقم 141.
[29] ابن خزيمة 1/62/ رقم118.
[30] أبو داود . 1/45/ رقم 175.
[31] ابن ماجه في سننه برقم 2043
[32] البخاري 99/2/ رقم 6858
[33] أبو داود . 1/ 27 / رقم 111.
[34] المبالغة مصلحة يستحق فاعلها الثواب ، ولكنها كرهت لأنها قد تؤدي إلى إفساد الصوم ، والمفسدة المتوقعة كالمفسدة الواقعة ، ومن القواعد المقررة لدى أرباب العلــــــــــم : "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". فافقه هذه القاعدة ، واعلم بأنها ليست على إطلاقها ، وإنما هي فيما كانت مفسدته راجحة ومصلحته مرجوحة .
[35] البخاري 1/ 49/ رقم 161.
[36] بن ماجه.1 / 159 / رقم 439 .
[37] أخرجه الحاكم في مستدركه . 1/ 252 / رقم 538 .
[38] تطبيقا لقاعدة  " ما قارب الشيء أعطي حكمه"
[39] ورد أنه صلى الله عليه و سلم كان يقول حال الوضوء :
 " اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي وقنعني بما رزقتني ولا تفتني بما زويت عني " (أخرجه أحمد في مسنده والنسائي في عمل اليوم والليلة ).
[40] أبو داود : ج 1 / كتاب الطهارة باب 48 / 101
[41] وهو تقديم العضو الأيمن على الأيسر .
[42] مسلم : ج 1 / كتاب الطهارة باب 19 / 67
[43] مسلم . ج 1 / كتاب الطهارة باب 6 / رقم 576 .
[44] مسلم . ج 1 / كتاب الطهارة باب 6 / رقم 576 .
[45] البخاري : ج 1 / كتاب الوضوء باب 3 / 136
[46] هو الفضلة الخارجة من الدبر ، وأصله المكان المنخفض ، فهو من باب تسمية الشيء باسم محله .
[47] ماء أصفر رقيق يخرج عند اللذة ، بسب مداعبة أو إدامة نظر أو تفكر...ويجب منه الوضوء مع غسل الذكر كله ، فعن علي رضي الله عنه قال : " كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه و سلم لمكان ابنته فسأل فقال : توضأ وتغسل ذكرك " (البخاري : ج 1 / كتاب الغسل باب 13 / 266).
[48] ماء ثخين أبيض يخرج عقب البول ويجب منه ما يجب من البول.
[49] اللذة المعتادة : أي المعهودة ، سواء كانت بسبب جماع أو لمس أو فكر أو إدامة نظر...فخروج المني بسببها موجب للغسل.
[50] الوكاءُ : الرباط ، فإذا نامت العين انحل رباط الدبر ، و قد يخرج منه شيء وهو لا يدري .
[51] السَّهِ : اسم من أسماء الدبر.
[52] أبو داود ج 1 / كتاب الطهارة / باب 80 / 203.
[53] أخرجه مسلم / كتاب الطهارة / باب 33 / رقم 376.
[54] أخرجه مالك في كتاب الطهارة / بَاب : الْوُضُوءِ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ رقم 134.
[55]  الترمذي : ج 1 / الطهارة باب 61 / 82
[56] وهو من أن يأتيه الشك كل يوم ولو لمرة واحدة.
[57] أخرجه مسلم . في كتاب: الحيض(4) / باب: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شَكَّ فِى الْحَدَثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّىَ بِطَهَارَتِهِ تِلْكَ (26) رقم(830)
[58] انظر : مواهب الجليل: 1 / 291.  و حاشية العدوي. 1/ 163.

هناك تعليق واحد: