ويشتمل
هذا المبحث على خمسة مطالب وهي كالآتي:
المطلب
الأول : تعريف الفقه في اللغة والاصطلاح
هو
الفهم مطلقا، ويأتي بالكسر والضم بالمعنى نفسه ، فيقال: فقُه وفقِه، وقيل يأتي بالفتح
بمعنى الفهم وبالضم بمعنى الاعتياد على الفهم، فيقال: فقِه إذا فهم، وفقُه إذا
أصبح الفهم سجية له.
وقيل
الفقه هو الفهم العميق الناتج عن التفكر والتأمل، لا مطلق الفهم، ويشهد له قوله
تعالى على لسان قوم شعيب عليه السلام: "قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما
تقول " (هود91)،
فمطلق الفهم لظاهر قوله متيسر لهم ، ولكنهم لا يدركون أغراضه ومراميه ، مما يدل
على أن الفقه هو الفهم العميق لا مطلق الفهم.
ثانيا : الفقه اصطلاحا :
[أ] الفقه في اصطلاح الأصوليين
وفيما يلي شرح محترزات هذا التعريف:
2. "الأحكام"
جمع حكم ، وهو في اللغة المنع والقضاء ، يقال حكمت عليه بكذا إذا منعته من خلافة ،
وحكمت بين القوم فصلت بينهـم.
والحكم
في الاصطلاح هو: (خطاب ءالله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا
أو وضعا)[4]. فالله تعالى هو الحاكم، والمكلف محكوم عليه ، وفعل المكلف محكوم فيه ، والحكم
الشرعي نوعان:
v
حكم وضعي: ويشمل الصحة والبطلان أو الفساد، والعزيمة والرخصة ، وتسمى: (أحكاما
وضعية).
3. "الشرعية "
أي ما
كانت من قبل الشارع الحكيم ، وهو الله تعالى، فيدخل في ذلك الأحكام الواردة عن
طريق القرآن أو الواردة عن طريق السنة الشريفة؛ لقوله تعالى: "وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى" (النجم:3)، وكذلك ما كان منها عن طريق الإجماع والقياس وغيرهما من أدلة
الشريعة، لثبوت حجية هذه الأدلة بالقرآن الكريم أو السنة المطهرة ، كما هو معروف
في بابه.
ويخرج
بهذا القيد الأحكام اللغوية، كقولنا: الفاعل مرفوع .. فإنه حكم لغوي
وكذلك الأحكام العقلية والطبيعية وغيرها.
4. "
العملية "
معناه ما يتعلق من الأحكام
بأفعال العباد، فيخرج به ما يتعلق باعتقادهم، كالبحوث
المتعلقة
بوجود الله تعالى
وصفاته ، والملائكة والكتب السماوية وغير ذلك من الأمور الاعتقادية ، التي أفرد لها الفقهاء علما مستقلا بها
عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد.
5. "المكتسب من أدلتها "
أي
المستنبط والمأخوذة من أدلة
الأحكام الشرعية ، فيخرج بذلك علم العوام فلا يعتبر من الفقه
اصطلاحا، لخلوه عن معرفة الدليل، وعلم الله فهو
ليس مكتسبا بل أزليا ، وعلم الأنبياء فهو ليس مكتسبا بالنظر والاجتهاد ، بل هو وحي
من الله تعالى.
6. " التفصيلية
" هي الأدلة الجزئية المتعلقة بالمسائل
الفرعية، كقوله تعالى: "إنَّ
الصَّلاةَ
كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)النساء:103). فهذا دليل تفصيلي لوجوب
الصلاة، ويخرج بهذا الوصف الأدلة الإجمالية، كالقرآن الكريم
والسنة النبوية ، فإنهما مصدر للأحكام ،
ولكنهما مصدر
عام غير متعلق بمسائل فرعية معينة.
[ب] الفقه في اصطلاح الفقهاء
هو ": مجموع الأحكام والمسائل
العملية التي
قالها المجتهدون
وأفتى بها
المفتون وتوصّل إليها
أهل التخريج". أو
هو: " حفظ طائفة
من مسائل
الأحكام الشرعية
العملية بدليلها
أو مجرداً عنها"[6].
مقارنة بين تعريف الفقهاء
وتعريف الأصوليين:
v عند
الأصوليين أن الفقه هو ما كان مكتسبا من
الأدلة الشرعية بواسطة النظر والاجتهاد ، وعلى هذا فغير المجتهد لا يسمى فقيها عندهم
مهما حفظ من فروع الفقه ومسائله .
v أما عند
الفقهاء فمعرفة ما
قاله المجتهدون والمفتون وأهل التخريج وحفظها هو
الفقه عند الفقهاء وإنْ لم
يكن هو قائلها أو
مفتيها أو محصّلها بنفسه ، وعلى هذا فمن حفظ طائفة
من مسائل الأحكام الشرعية العملية بدليلها أو
بغير دليلها
فهو فقيه عند الفقهاء.
هذا ويطلق الفقه أيضا على مجموعة الأحكام والمسائل الشرعية العملية نفسها ، ولكل مذهب مجموعته الفقهية الخاصة به
، فإذا قيل : " فقه المالكية " أو " فقه الحنفية " أو "
فقه الشافعية " أو " فقه الحانبلة " فالمقصود بها تلك المسائل التي
قررها فقهاء المذهب والمبثوثة في كتب الفقه .
المطلب الثاني : موضوعُ علم الفقه
وغايتُه
موضوع علم الفقه: هو أفعال المكلّفين من العباد، من حيث ما يثبت له من الأحكام الشرعية، فالفقيه يبحث في بيع
المكلف وإجارته ، ورهنه وتوكيله ، وصلاته وصومه وحجّه ، وقتله وقذفه وسرقته
وإقراره ووقفه ؛ لمعرفة الحكم الشرعي في كل فعل من هذه الأفعال..
وغايته:هي تطبيق
الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين وأقوالهم، فالفقه هو المرجع للقاضي في قضائه،
وللمفتي في فتواه، وهو المرجع لكل مكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عنه من
أقوال وأفعال[7]..
المطلب
الثالث : حكم تعلم الفقه
تعلّم الفقه قد يكون
فرض عين على المكلّف كتعلّمه ما لا يتأدّى الواجب الّذي تعيّن عليه فعله إلاّ به، ككيفيّة
الوضوء والصّلاة، والصّوم ونحو ذلك ، وعليه حمل بعضهم الحديث المرويّ عن أنس، عن
النّبيّ صلى الله عليه وسلم: " طلب العلم فريضة على كلّ مسلم "[8].
وقد يكون
تعلّم الفقه فرض كفاية، وهو ما
لا بدّ للنّاس منه في إقامة دينهم، كحفظ القرآن والأحاديث وعلومهما ونحو ذلك ، فيجب
أن يوجد في الأمة فقهاء يفتون الناس ويعلمونهم أمور دينهم ، ويبينون لهم ما يتقون
، وذلك ما تشير إليه الآية الكريمة :
" وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ
مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ
فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ"[التوبة 122] .
أما
التّبحّر في أصول الأدلّة ،
والإمعان فيما وراء القدر الّذي يحصل به فرض الكفاية فهو مستحب ، يستحق فاعله المثوبة من
الله تعالى ، و لا يعاقب على تركه .
المطلب
الرابع : أهميةُ الفقهِ و فضلُ تعلمِه
إن معرفة الفقه الإسلامي وأدلة
الأحكام، ومعرفة فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في هذا الباب من الأمور المهمة
التي ينبغي لأهل العلم العناية بها وإيضاحها للناس؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين
لعبادته، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأحكامه وأدلته،
ولا يكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب من أئمة الحديث
والفقه الإسلامي. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا
درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن أسباب سعادة العبد، وعلامات
إرادة الخير به أن يفقهه الله في دينه ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" [9]. وقال عليه الصلاة
والسلام : "
من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل
الله
له به طريقا إلى الجنة"[10]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" مَا عُبِدَ اللَّهُ
بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ ، وَلَفَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ
أَلْفِ عَابِدٍ ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا الدِّينِ
الْفِقْهُ " ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " لأَنْ أَجْلِسَ
سَاعَةً فَأَفْقَهَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِي اللَّيْلَةَ إِلَى الْغَدَاةِ .[11]
وتتجلى أهمية علم الفقه في
كونه الوسيلة التي بها يعرف الحلال
والحرام ؛ لذلك عرفه الإمام الكاساني بقوله :"الفقه هو علم الحلال والحرام"[12].
ورحم الله الشافعي إذ يقول : "فَلَولاَ العِلْمُ
مَا سَعِدَتْ رِجَالٌ *** ولا عُرِفُ الحلالُ ولا الحرامُ" ،كما أنه لا يمكن الإتيان بالعبادات والمعاملات على الوجه
الصحيح إلا بالفقه ، والله تعالى إنما يقبل من العمل أخلصه وأصوبه ، والأصوب هو ما
وافق الشرع ، وإدراكه متعذر على غير المتفقهين
في الدين ، ولأجل هذا أعز الله العلماء ورفع من شأنهم ، وقال تعالى : " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ
" . والسر في ذلك أنهم يعرفون الله تمام المعرفة ويدركون الطريق الموصل إليه
، بخلاف الجهلاء الذين قد يضعون الأمور في غير مواضعها ، وقد
يسيئون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، لذلك أنصح أخواني وأخواتي بانتهاز هذه
الفرصة - فرصة التكوين - في كسب مفاتيح التفقه في الدين، فالعلم أشرف مطلوب،
وطالبه أشرف مخلوق . ولله در القــــــائل:
العلـم أشــــرف مطلــــوب
وطالــبه *** - لله أكرم- من يمشــي عــلى قـــدم
فقدِّسِ العلمَ واعـرف قدر حـرمــــته *** في القول والفعــل والآدابَ فالتـــزم
يا طالب العلـــــم لا تـبغِ به بــــدلاً *** فقد ظفــرت ورب اللّــــَوح والقــــلم
واجهـــــد بعـــزم قـوي لا انثناء لـه *** لو يعلم المــرء قدر العلـــم لم يــــنمِ
فقدِّسِ العلمَ واعـرف قدر حـرمــــته *** في القول والفعــل والآدابَ فالتـــزم
يا طالب العلـــــم لا تـبغِ به بــــدلاً *** فقد ظفــرت ورب اللّــــَوح والقــــلم
واجهـــــد بعـــزم قـوي لا انثناء لـه *** لو يعلم المــرء قدر العلـــم لم يــــنمِ
والنيةَ فاجـعلْ
لــوجه الله خـــالصـةً *** إن
البناء بدون الأصـــــل لم يــــــقمِ
المطلب الخامس : نشأة الفقه وتطوره
لقد مر الفقه
- في نشأته ونموه - بأدوار عدة يمكن إجمالها فيما يلي[13]
أولا :عصر
النبوة:
نشأ الفقه في عصر
النبوة ، حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يجيب الصحابة عما يعرض لهم من أسئلة
، مستندًا إلى الوحي المنزل عليه ،
فكان الاعتماد - في هذا العصر- على
الوحي وحده ، ومنه السنة النبوية المطهرة ؛ لأن مرجعها إليه ، وكذلك ما اجتهد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم-
مرده إلى الوحي أيضا ؛ لأنه إن كان صائبا أقره
، وإن كان خاطئا صوبه ، كما في شأن أسارى بدر ، ولكن لم من الفقه
شيء -
في هذا العصر- باستثناء بعض الجهود الشخصية.
ثانيا:
عصر الصحابة:
و بعد وفاة النبي
عليه الصلاة والسلام توالت الفتوحات واتساع رقعة الدولة ، فدعت الحاجة إلى الاجتهاد ؛
لمعرفة حكم الوقائع المستجدة ، فقام بتلك المهمة أولوا القدرات
الفقهية من الصحابة البررة ، كالخلفاء
الراشدين الأربعة ، وعائشة وزيد بن ثابت ،
وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأمثالهم رضوان الله عليهم أجمعين ، وكانوا
يعتمدون في الإجابة عما يُسألون عنه على الاجتهاد المعتمد على القرآن والسنة ، لكن لم يدون شيء
من الفقه في هذا
العصر أيضا.
ثالثا:عصر
التابعين:
ثم استمر التابعون في
الإجابة عن أسئلة الناس، وقد اتسعت دائرة الاجتهاد – في هذا العصر - نظرًا لاتساع
الدولة الإسلامية، ودخول أعداد هائلة من الناس في دين الله ، ممن لهم عادات وتقاليد
تختلف عن الصحابة وتابعيهم ، وهو ما دعا العلماء لبذل مزيد من الجهد للإجابة عن
أسئلة الناس،
ولم تستجد مسألة إلا وبينوا حكمها في الدين، وقد ساعدهم على ذلك أن
أحكام الدين جاءت عامة ، نصت
على مسائل كلية مجملة ، وقد ظهرت في اجتهاداتهم مدرستان:
[أ] مدرسة أهل
الحديث: وهم أهل الحجاز، الذين يعتمدون على النص ويدورون معه حيث
دار، ولا حاجة عندهم للأخذ بالرأي ؛ لأن لديهم ثروة كبيرة من السنة
وأقوال الخلفاء والفقهاء، ومن أعلامها:
سالم مولى ابن عمر،
وعكرمة وابن جريج ـ من تلاميذ ابن عباس ـ وسعيد بن المسيب، الذي أطلق عليه اسم فقيه
الفقهاء، وقد عرفوا باسم أهل الحديث لعنايتهم به.
[ب] مدرسة أهل الرأي: وهي مدرسة أهل
العراق، الذين لم يجدوا من السنة ما وجده الآخرون، والذين كانوا يتخوفون من الأحاديث
الموضوعة، مما حملهم على التشدد في قبول الحديث، ومن أعلام هذه المدرسة:
إبراهيم النخعي وحماد بن سليمان والأحناف.
ويمكن التأريخ له من
أواخر أيام الأمويين وحتى القرن الرابع الهجري، وفيه دوِّن الفقه ، كما ظهرت
المذاهب الفقهية التي ما تزال قائمة حتى اليوم.
ويلاحظ أن المذهب
الفقهي الذي كان له تلامذة خدموه استمر وتقدم، ومن لا تلاميذ له مات واندثر، وبقيت بعض اجتهاداته
محفوظة، فمذهب الأوزاعي مثلاً لم يعد له وجود اليوم، بينما المذاهب الأربعة وإلى
جانبها المذهب الشيعي الزيدي ثم الشيعي الجعفري ما تزال قائمة بفضل من يخدمها وينشرها
ويكتب فيها، ومن هذه المذاهب:
1- المذهب الحنفي. نسبة لأبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي 80-150 هـ،
ابتدأ حياته تاجرًا، وهو من
أصحاب علم الكلام، لكنه تحول إلى الفقه، فراح يجمع حوله التلاميذ، ثم يطرح القضية
لمناقشتها، فإذا نضجت دونت، وقد منح تلاميذه قدرًا كبيرًا من الحرية، فلم يتركوا مسألة دون
نقاش، بينما نجد إمامـًا مثل مالك يملي على طلبته ما يراه دون مناقشة.
كما سار الأحناف وفق منهج واضح، يتحرى العلة ويبحث عنها، لكنهم ابتدئوا بالفروع الفقهية أولاً ، ثم استخرجوا الأصول والقواعد منها فيما بعد.
كما سار الأحناف وفق منهج واضح، يتحرى العلة ويبحث عنها، لكنهم ابتدئوا بالفروع الفقهية أولاً ، ثم استخرجوا الأصول والقواعد منها فيما بعد.
وقد كان لأبي
حنيفة جمهور من التلاميذ، على رأسهم أبو يوسف الذي صار قاضيـًا
للقضاة، ومحمد بن الحسن
الشيباني، وزفر بن الهذيل، والحسن بن زياد ،
وقد أوجدوا بعض المصطلحات
الخاصة بهم، فإذا اتفق أبو حنيفة وأبو يوسف، قالوا: اتفق "الشيخان". وإذا
وقع الاتفاق بين أبي يوسف ومحمد، قالوا اتفق "الصاحبان".
وقد أطلق على الأحناف أهل الرأي وهو التوجه الشائع في الكوفة.
2- المذهب المالكي. نسبة لمالك بن أنس (93-179هـ). درس الحديث والفقه
واستوعب فقه
أهل المدينة، وحين شهد له سبعون رجلاً من الفقهاء جلس للإفتاء
والتدريس في مسجد رسول
الله أولاً ، ثم تحول إلى داره، وكان يملي
على تلاميذه ما
عنده دون حوار أو نقاش، وكان لا يحب أن يفتي في قضية إلا إذا وقعت، ويكره الافتراض، وكتب الإمام مالك
الموطأ فكان أساس مذهبه ، ونشر تلاميذه مذهبه من بعده، واشتهر عنه تقديمه لعمل أهل المدينة على حديث الآحاد، وحجته أن أهل
المدينة ظلوا يتوارثون ما أخذوه عن رسول الله فهو أشبه بالسنة المتواترة.
3- المذهب الشافعي. نسبة لمحمد بن إدريس الشافعي (150-204هـ) ولد
بغزة، ونشأ في مكة، تتلمذ على
مفتيها مسلم بن خالد الزنجي حتى أجازه بالإفتاء، ثم تحول إلى الإمام مالك، فسمع منه
الموطأ ولازمه حتى وفاته، وارتحل لليمن فالتقى بأحد تلاميذ الأوزاعي وتتلمذ عليه.... ثم
تحول إلى مكة وظل يفتي ويدرس مدة عشر سنوات ، ثم عاد إلى بغداد عام (195هـ) ، وبعد عامين رجع إلى مكة
ثم عاد إلى بغداد ، ثم ارتحل إلى مصر في نهاية القرن الثاني الهجري، واستمر يفتي
ويعلم حتى توفي في عام 204هـ.
ولقد جمع في كتابه
الحجة مذهبه القديم ، فلما حل بمصر أقام مذهبه الجديد بناء على تغير العرف والعادة، ويمكن اعتبار
فقه الشافعي وسطـًا بين مذهب أهل الحديث وأهل الرأي، وقد ألف الرسالة (وهي أول ما دون في أصول الفقه) التي حوت أصول مذهبه ونشر تلاميذه مذهبه في العالم.
4- المذهب الحنبلي : نسبة لأحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، ولد ببغداد(
(164-241هـ). رحل طلبـًا للعلم
إلى مكة والمدينة والشام واليمن وغيرها، وتتلمذ على الإمام الشافعي، وكان عالمـًا
بالسنة، وله فيها مسند يحوي أكثر من أربعين ألف حديث، هذا إلى جانب اشتغاله بالفقه، ، وقد
بنى مذهبه على الأصول الآتية وهي: 1- الكتاب والسنة. 2- فتوى الصحابي إذا لم تخالف نصا
فهي عنده إجماع. 3- إذا
اختلف الصحابة أخذ الأقرب للكتاب والسنة. 4- وكان يلجأ للقياس عند الضرورة، فإذا
تعارضت الأدلة توقف، وكان يكره الفقه الافتراضي كمالك ، وكان يكره أن تدون فتاواه ، لكن أصحابه كتبوا
عنه ، ولما جاء أبو بكر الخلال
جمع هذه المسائل والفتاوى ورتبها في كتابه الجامع، وقد ألف المرداوي الإنصاف في اثني
عشر جزءًا كلها في مذهب أحمد، وقد
كان يفتي في المسألة، فإذا وجد حديثـًا أفتى حسب الحديث؛ لذا كثرت الخلافات
والمرويات عنه.
[2] انظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول. لعبد الرحيم الأسنوي. مؤسسة
الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى ، 1400هـ .
تحقيق : د. محمد حسن هيتو . ص50.
[4] انظر: إرشاد
الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول. لمحمد
الشوكاني.تحقيق: أحمد
عزو. دار الكتاب العربي . الطبعة:الطبعة
الأولى 1419هـ - 1999م . ج1/ص25.
[5] الواجب هو " ما يثاب فاعله و يعقاب
تاركه " ، وضده الحرام وهو " ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه "،
والمندوب هو" ما يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه" ، والمكروه
هو " ما يثاب تاركه و لا يعاقب فاعله " ، والمباح هو " ما
يستوي فعله وتركه " .
[11] رواه الطبراني في الأوسط وأبو بكر
الآجري في كتاب فضل العلم وأبو نعيم في رياضة
المتعلمين من
حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف وعند الترمذي وابن ماجه من حديث
ابن عباس بسند
ضعيف.
[14] إن أفضل ما يعتمد عليه في
هذا الموضوع ما كتبه المرحوم الشيخ محمد
أبو زهرة عن الأئمة المجتهدين ومذاهبهم.
ما المصدر الذي أخذ منه أهمية الفقه
ردحذف