......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

روضة شروط الصيام



أيها الإخوة المؤمنون : لا زلنا بمعونة الرحمان نجول في رحاب روضات الجِنان من دروس رمضان ، وإن هذا لهو الفضل الكبير ، ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا عنده من المقبولين ، أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحِيحيْهِما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " ؛ لذلك سيكون حديثنا في هذا المجلس حول فقه الصيام ، وسنقتصر في درس اليوم على تعريف الصيام وبيان حكمه وشوطه والمسائل المتفرعة عن ذلك (1):
تعريف الصيام وحكم صوم رمضان
يطلق الصيام في اللغة ، على الإمساك عن الشيء مطلقا  ، ومنه قوله تعالى – حكاية عن مريم - : " إني نذرت للرحمن صوما " أي إمساكا عن الكلام .
أما في اصطلاح الفقهاء فهو : الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر  إلى غروب الشمس بالنية .
و صوم رمضان فرض عين على كل مكلف ، دل على فرضيته القرآن والسنة والإجماع ، فمن القرآن  قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون .. إلى قوله تعالى  .. فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . " ( البقرة )
 ومن السنة  قوله  صلى الله عليه و سلم : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " ( أخرجه مسلم )
 وقد أجمعت الأمة على فرضية صوم رمضان ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين ، فهو معلوم من الدين بالضرورة ، وهو أحد الأركان الخمسة للإسلام ؛ ومن أنكره  كان كافرا بالإجماع .
وقد فرض صيام رمضان يوم الاثنين ، لليلتين خلتا من شهر شعبان ، في العام الثاني من الهجرة .
شروط الصوم
الشروط جمع شرط وهو : (ما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده وجود و لا عدم) ، و شروط الصوم عند علمائنا المالكية تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، شروط وجوب فقط ، وشروط صحة فقط ، وشروط وجوب وصحة معا ، وتفصيلها كالآتي :
أولا : شروط الوجوب فقط
 وهي التي لا يطالب المكلف بتحصيلها سواء كانت قي قدرته  أم لا ، وعددها ثلاثة :
1- البلوغ: فلا يجب الصيام على صبي ولا يؤمر به ، قال العلامة الصاوي في الحاشية:" فَالصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ( الصيام ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ، وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ سَبْعٍ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَشْرٍ ."
2- القدرة على الصيام: فلا يجب على عاجز عن الصيام ، سواء كان عجزه حقيقيا ، ككونه مريضا أو شيخا كبيرا ، أو كان عجزه حكميا ، كالمرأة المرضع التي لها قدرة على الصوم ، لكنها تخاف على رضيعها أن يلحقه ضرر بسبب صيامها هي .
3- الإقامة : فلا يجب على مسافر سفر قصر.
فهؤلاء جميعا لا يجب عليهم الصيام ، وإن صاموا صح صيامهم .
ثانيا: شروط الصحة فقط
 وهي التي لا تصح العبادة إلا بوجودها ، وعددها اثنان :
 1- الإسلام: فلا يصح الصيام من كافر وإن كان واجبا عليه ؛ باعتبار أن الكفار  مخاطبون بفروع الشريعة .
 2- الزمان القابل للصوم: فلا  يصح الصيام في غير الزمان الذي جعل الشارع الصوم فيه ، فلا يصح الصيام في العيدين مثلا ، ومن فعل ذلك كان عاصيا ، لما أخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يصلح الصيام في يومين يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان " ، كما يحرم الصيام في اليوم الثاني والثالث من عيد الأضحى ؛ لما أخرج مسلم في صحيحه : " أيام التشريق أيام أكل وشرب " .
ثالثا: شروط والجوب والصحة معا
 وتسمى بشروط الأداء ، وهي ثلاثة شروط :
- 1 العقل: فلا يجب على مجنون و لا مغمى عليه ولا يصح منهما وهما على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل " رواه أبوداود
  - 2النقاء من دم الحيض و النفاس: فلا يصح من حائض و لا نفساء و لا يجب عليهما .
- 3
دخول وقت صوم رمضان: فلا يجب و لا يصح قبل ثبوت الشهر
فهؤلاء جميعا لا يجب عليهم الصيام ، وإن صاموا كان صيامهم غير صحيح .
المسائل المتفرعة عن شروط الصيام
وسنبين الآن بعض المسائل المتفرعة عن هذا الموضوع :
1-  يجوز الفطر للمريض في حالتين : أولاهما : إذا شق عليه الصوم .  والثانية: إذا كان يعلم بالتجربة أو بإخبار طبيب أن مرضه قد يزيد أو أن شفاؤه قد يتأخر بسبب الصوم . 
2-  ويجب الإفطار على المريض إذا خاف على نفسه هلاكا ، فيجب عليه الإفطار في هذه الحال ؛ حفظا للنفس التي أوجب الله حفظها ، وإن لم يفعل كان آثما ، لقوله تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا  وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا " (النساء 30). ويجب القضاء على المريض الذي يرجى شفاؤه ، لقوله  تعالى :" فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة 184).بخلاف صاحب المرض المزمن فلا قضاء عليه ، وإنما عليه أن يتصدق عن كل يوم أفطره بمد من غالب قوت أهل البلدة ، وهو السميد عندنا في الجزائر ، و يجوز إخراج قيمته المالية ، وهي : ((من 25 دج إلى 70دج).
ولا يجب الصيام على الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، إذا شق عليهما الصيام ، ويباح لهما الإفطار ولا قضاء عيهما ، ويستحب لهما أن يتصدقا عن كل يوم بمد من غالب قوت أهل البلد ، أو يخرجا قيمته المالية ، قال تعالى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " (البقرة 184). فتشمل هذه الآية الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين لا يستطيعون الصوم ، فيفطرون ويطعمون مكان كل يوم مسكينا.



3- والحامل والمرضع لا يجب عليهما الصوم ، و يباح لهما الإفطار إذا شق عليهما الصيام أو خافتا على ولدهما ، وفي الحديث : " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام " (أخرجه الترمذي ). 
ويجب عليهما القضاء، ويجب على المرضع التي أفطرت خوفا على رضيعها الإطعام أيضا ، بخلاف الحامل فلا يجب عليها الإطعام؛ لكونها في حكم المريض، والله اعلم.  
4- لا يجب الصيام على الحائض والنفساء و لا يصح منهما ، ويجب عليهما القضاء ، وإذا طهرت إحداهما قبل الفجر وأخرت الغسل بعده ، فصيامها صحيح ، وإن راودها الشك هل حصل لها الطهر قبل الفجر أو بعده ، وجب عليهما صيام ذلك اليوم ، كما يجب عليها قضاؤه احتياطا ، لكن إذا خرج منها الدم بعد طلوع الفجر بطل صيامها و لا يلزمها إمساك في هذه الحالة و لو ظلت بقية يومها طاهرا .
5- لا يجب الصيام على المسافر كما تقدم ولو لم تكن فيه مشقة ، لأن العلة في إباحة الفطر للمسافر ليست هي المشقة ، وإنما هي السفر ، ولكن قال علماؤنا : الصوم في السفر أفضل لمن لا يشق عليه الصيام .
6- وإنما يباح الفطر للمسافر بالشروط الآتية :
* أن تكون المسافة يباح فيها قصر الصلاة ، وهي 84 كيلو متر تقريبا .
* أن يسافر قبل الفجر ، إذا كان اليوم الأول من سفره ، فإن خرج بعد الفجر لم يجز له الفطر في ذلك اليوم ؛ لأن تعالى يقول : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهو قد شهده ؛ إذ أدركه الفجر وهو مقيم ، أما في اليوم الثاني و ما بعده فله الفطر ولو خرج نهارا ، لكونه صار مسافرا .   
* أن يبيت الفطر ليلا ، أما إن بيت الصيام ثم بدى له الفطر نهارا فلا يجوز له ذلك عند علمائنا ، إلا إذا كانت هناك  ضرورة كأن يطرأ له ما يجب السفر نهارا وشق عليه الصوم في السفر ، فلا تكليف – حينئذ – إلا بمقدور .
لكن جمهور الفقهاء على غير هذا ، حيث جوزوا الفطر لمن بيت الصيام وخرج قبل الفجر وأراد الفطر أثناء     النهار .      
* ويجوز الفطر للمسافر ولو أقام يومين أو ثلاثة في سفره ، فإذا نوى إقامة أربعة أيام صار في حكم المقيم ، ولم يجز له الفطر حينئذ .
* وإذا وصل المسافر إلى محل إقامته نهارا وهو مفطر ، جاز له الأكل بقية يومه ، ولكن عليه أن يستخفي عن الأنظار ، وله أن يجامع زوجته إذا وجدها قد طهرت أثناء ذلك النهار واغتسلت .


1]من مراجع هذا الموضوع:
- التاج والإكليل لمختصر خليل . محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله .دار الفكر / بيروت / 1398ج2 . ص 377 وما بعدها.
- لخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية ـ للقروى المؤلف / محمد العربى القروى . دار الكتب العلمية . ص 191 وما بعدها.
- العبادات أحكام وأدلة . للدكتور صادق الغرياني . دار ومكتبة الشعب للنشر والتوزيع . مصراتة / ليبيا .ج2 . ص 203 وما بعدها.
- فقه السنة . السيد سابق . ج 1 . ص 437 وما بعدها.

هناك تعليقان (2):

  1. اشكرك ياشيخ على هذا الجهد واسال الله العلي القدير ان يتقبل منك امين لدي سؤال عن الاطعام هل يجوز ان يجمع المبلغ خلال شهر رمضان ويعطيه لفقير واحد ام عليه ان يعطي كل مسكين حق ذالك اليوم وشكرا

    ردحذف
    الردود
    1. يجوز أن يعطى مبلغ فدية رمضان إلى مسكين واحد ، وهو أفضل لأنه يتححق به إغناؤه عن السؤال ، ويجوز أن يدفع هذا المبلغ في بداية رمضان أو وسطه أو آخره ، فالأمر واسع إن شاء الله ، والله أعلم .

      حذف