......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الثلاثاء، 7 مايو 2013

العمل عبادة



الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد /
إن الله سبحانه خلقنا لأجل عبادته ، فقال تعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات56) والعبادة لا تنحصر في إقامة الشعائر التعبدية المعهودة، من صلاة وصيام وحج و زكاة فحسب.... بل لها مفهوم أوسع من ذلك بكثير، فهي تشمل  العبادات المذكورة ، كما تشمل كل عمل تعود منفعته على العامل نفسه أو على أهله أو مجتمعه و وطنه ... فالسعي لطلب الأرزاق هو الآخر عبادة جليلة ، متى توافرت فيه الشروط  وانضبط بالضوابط الشرعية التي سنبينها بعد حين.
 كانَ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا مَعَ أَصْحَابه ذَات يَوْم ، فَنظر إِلَى شَاب ذِي جلد وَقُوَّة وَقد بكر يسْعَى، فَقَالُوا: وَيْح هَذَا، لَو كَانَ شبابه وَجلده فِي سَبِيل الله ، فَقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم "لَا تَقولُوا هَذَا، فَإِنَّهُ إِن كَانَ يسْعَى عَلَى نَفسه ليكفها عَن الْمَسْأَلَة ويغنيها عَن النَّاس فَهُوَ فِي سَبِيل الله! وَإِن كَانَ يسْعَى عَلَى أبوين ضعيفين أَو ذُرِّيَّة ضِعَاف لِيُغنيَهُمْ ويكفيهم فَهُوَ فِي سَبِيل الله، وَإِن كَانَ يسْعَى تفاخرا وتكاثرا فَهُوَ فِي سَبِيل الشَّيْطَان"[1]
والشاهد في هذا الحديث أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اعتبر الساعي على نفسه أو عياله خارجا في سبيل الله ، ومن ثم فكل من خرج لأداء عمله فهو في عبادة ، أيا كان كان عمله ؟
فالمعلم في مدرسته ، والطبيب في مخبره، والطيار في جوه ، والغواص في بحره ،  والمرأة في خدمتها لزوجها وتربيتها لأولادها ، والتاجر والفلاح والبناء وطالب العلم ..كل أولائك في عبادة .
والإسلام  يدعو إلى العمل و يمجده ويعتبره سبيلا لنيل المغفرة والظفر بمحبة الله تعالى ،  قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم : " من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له "[2] . وقال أيضا : " إن الله يحب المؤمن المحترف"[3]
والإسلام مع حظه على العمل ، فإنه يذم البطالة والعيشَ عالة على الغير ، قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم  " لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "[4].
وقال أيضا : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزْعَةُ (قطعة) لحم"[5] .
لكن ما هي الشروط التي ينبغي توفرها في العمل حتى يمكن اعتباره عبادة يؤجر صاحبها ؟
1-    الإخلاص . لقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم : "إنما الأعمال بالنيات .."[6]
2- المشروعية. لقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم : " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.. "[7] . فالذي يتاجر في المحرمات -مثلا - عمله ليس عبادة بل هو معصية .
3- الإتقان. لقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه "[8] . فالذي يغش في عمله مأزور غير مأجور .
4- ألا يشغله عمله عن أداء الواجبات. لقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله .." (المنافقون) . فلا خير في عمل يشغل صاحبه عن ذكر الله وعن الصلاة ، وغير ذلك مما افترضه الله على عباده . فهذه هي أهم الشروط التي إذا توافرت في العمل كان عبادة يستحق صاحبها المثوبة من الله تعالى .
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي معاجمه الثَّلَاثَة من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة بِسَنَد ضَعِيف.
[2] أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث ابْن عَبَّاس
[3] أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَضَعفه من حَدِيث ابْن عمر.
[4] رواه البخاري.
[5] متفق عليه .
[6] متفق عليه
[7] رواه مسلم.
[8] أخرجه الطبراني في الأوسط  رقم 897.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق