مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله و صحبه ومن والاه.
وبعدُ : عنوان هذا البحث الموجز:
(مشروعية الحزب الراتب بين المؤيدين والمنكرين)
وظاهر من هذا العنوان أنه لا بد من دراسة الموضوع دراسة فقهية مقارنة، ولأجل
ذلك سلكت في دراسته الخطة الآتية:
- تعريف الحزب
الرتب وتحرير محل النزاع في المسألة
- بيان مذاهب
الفقهاء في المسألة
- أدلة كل
فريق ومناقشتها
- الترجيح وأهم
النتائج المستخلصة
أولا:
تعريف الحزب الراتب
الحزب الراتب هو عبارة
عن القراءة الجماعية للقرآن بصوت واحد، في المساجد والزوايا والمدارس القرآنية ... وقد جرى
العمل بهذا العرف في بلاد المغرب العربي منذ القرن العاشر الهجري، وذلك
بعد أن وضع الشيخ عبد الله الهبطي وقفا للقراءة الجماعية بنغمة واحدة، وخصصت لها
أوقات معلومة، فقد تكون بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر... و قد درجت الجزائر كغيرها
من بلاد المغرب على قراءة القرآن جماعة بصوت واحد، سواء في وقت محدد كما هو الشأن
في (الحزب الراتب) أو في سائر الأوقات لتكرار
القرءان ومراجعة حفظه، أو في مناسبات معينة لأجل التبرك بتلاوة القرآن العظيم.
ثانيا: تحرير
محل النزاع في المسألة
1- اتفق العلماء على أن
قراءة القرآن من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله، واتفقوا أيضا على أن
الاجتماع لقراءة القرآن في المسجد في غير أوقات الصلاة أمر مشروع، إذا
كانوا يقرؤون بالدور؛ بحيث يقرأ أحدهم والبقية يستمعون ثم يقرأ الثاني ثم
الثالث.... فهذه الطريقة لا خلاف في مشروعيتها، وهي مندرجة قطعا ضمن قول
النبي صلى الله عليه وسلم: (و ما
اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة وحفتهم
الملائكة و ذكرهم
الله فيمن عنده)[1].
2- اتفق الفقهاء على جواز
القراءة الجماعية بصوت واحد إذا كانت لأجل التعلم والتعليم.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي: "قوله صلى الله عليه وسلم (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من
بيوتِ الله يتلونَ كتابَ الله) هذا
يدلُّ على
استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته، وهذا إن حُمِل على تعلم القرآن وتعليمه فلا خلاف في استحبابه.[2]"
وقال القاضي عياض المالكي - معلقا على حديث (وما
اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله) -:"ظاهره يبيح الاجتماع لقراءة القراَن فى المساجد، ولكن مالك قد قال فى المدونة بالكراهة.. وقد يكون هذا
الاجتماع لتعلم بعضهم من بعض، بدليل قوله : (ويتدارسونه بينهم) ومثل هذا لم ينه
عنه مالك ولا غيره"[3].
وجاء في فتاوى لجنة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
بالمملكة العربية السعودية:"..فإذا كان المقصود
أنهم يقرءون جميعا بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة فهذا غير مشروع, وأقل أحواله
الكراهة؛ لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله
عنهم, لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به"[4].
3- واختلف العلماء في حكم
القراءة الجماعية بصوت واحد، إذا لم تكن لأجل التعلم والتعليم، كما هو الشأن
في (الحزب الراتب) الذي يقرأه الحفظة والمتعلمون، فهذا هو المحل المتنازع فيه،
وهو ما سنناقشه بإيجاز في المطالب الآتية:
المطلب الأول: بيان مذاهب الفقهاء في المسألة
اختلفت كلمة العلماء في
حكم القراءة الجماعية بصوت واحد إلى مذهبين: وبيانها كالآتي :
المذهب
الأول: المنع وأقل أحواله الكراهة: وقد نسب هذا المذهب إلى
الإمام مالك رحمه الله، جاء في المعيار المعرب :"أن
مالكا سئل عن ذلك فكرهه، وقال: هذا لم يكن من عمل الناس"[5].
وعليه سارت مختلف الطوائف السلفية، غير أنها لا تقف عند حد الكراهة كما روي عن
مالك، بل تعتبره بدعة ضلالة في الدين.
المذهب
الثاني: الجواز أو الاستحباب: وقد ذهب إليه جم غفير من أهل العلم، منهم الإمام النووي
الذي دافع عنه كثيرا، وعزاه إلى أصحاب الشافعي، وصرح بأنه
مذهب جمهور العلماء[6].
وهو المفتى به والمعمول به في سائر الديار
المغاربية.
المطلب الثاني: أدلة المانعين ومناقشتها
تختلف أدلة مالك وأصحابه
عمّا تحتج به السلفية، لهذا سنناقش أدلة كل فريق على حدة.
1- أما مالك رحمه الله
فالظاهر من أقواله ومما عزاه إليه أصحابه أنه كره القراءة الجماعية لأنها أمر
محدث، لم يكن معروفا لدى السلف، ولا وجود لها في عمل أهل المدينة، الذي يحتج به
مالك وينزله منزلة الخبر المتواتر، وأيضا أن هذه القراءة الجماعية يُبتغى به
الألحان والمباهاة.
قال
ابن
رشد
رحمه الله:"إنما كرهه (يعني مالكا) لأنه أمر مبتدع ليس من فعل السلف، ولأنهم يبتغون به الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضا و زيادة بعضهم في صوت بعض على نحو ما يفعل في الغناء، فوجه المكروه في ذلك بين، والله أعلم .[7]"
مناقشة
هذا الاحتجاج:
أن هذه النصوص المنقولة
عن مالك كقوله: "لا أعرفه عن السلف". أو قوله : "أنها
ليست بالأمر القديم". أو قوله:
"لأنه أمر مبتدع". ونحو ذلك مما نقل عنه في المسألة، لا يستفاد منها
أن هذا القراءة الجماعية غير مشروعة أصلا، وإنما غاية ما يستفاد منها أنه لم يبلغه
فيها دليل عن السلف، كما هو الشأن في المسائل التي قال فيها أصحاب مالك أنه لم
يبلغه فيها الحديث، وربما بلغ غيره ما لم يبلغه هو، وقد رد النووي على مالك واعتبر
انكاره للقراءة الجماعية مخالفا لما عليه السلف والخلف ولما يقتضية الدليل،
وأورد في كتابه "التبيان في آداب حملة القرءان" العديد من الأدلة الدالة
على ثبوت القراءة الجماعية عن السلف[8].
والظاهر من نص ابن رشد
المتقدم أن الكراهة عند مالك محمولة على ما يحدث في القراءة من مخالفات شرعية،
كاللحن والمباهاة ونحوهما، وقد صرح بذلك أبو الوليد الباجي فقال: " ووجه تلك الكراهية: للمباراة في حفظه والمباهاة بالتقدم فيه"[9].
وهذا خارج عن محل
النزاع، إذ لا خلاف في منعه إذ (الحكم يدور مع علته عدما ووجودا). فمتى وجدت
تلك المخالفات منعت القراءة الجماعية، ومتى انتفت تلك المخالفات عادت القراءة إلى
أصلها من إباحة أو ندب.
2- وأما السلفية ومن وافقهم فيحتجون على بدعية
القراءة الجماعية بالنصوص النبوية الواردة في النهي عن الابتداع في الدين، منها:
-
ما روته أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"[10].
-
ما رواه جابر رضي الله عنه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إن خير الحديث
كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل
محدثة بدعة"[11].
وجه
الاستدلال: من هذين الحديثين
ونحوهما أن قراءة القرآن الكريم جماعة على الطريقة المعهودة أمر محدث، إذ لم يكن
في الصدر الأول، ومن ثم فهي مدرج ضمن الابتداع المشار إليه في هذين الحاديثين ونظائرهما.
مناقشة
هذا الاستدلال:
تقدم أن الإمام النووي
صرح بثبوت القراءة الجماعية عن السلف، وسنذكر طرفا منها في أدلة المجيزين مطلقا،
وعلى فرض عدم ثبوتها فإن احتجاج السلفية لا يسلم به، لأن البدعة المنهي عنها في
الدين هي ما توافر فيها شرطان:
الأول: أن تكون حادثة، أي لم تكن في الصدر
الأول.
والثاني : أن تناقض أصلاً من أصول الشريعة قرآنًا أو سنة أو إجماعاً.
فإذا اجتمع الشرطان كان
الأمر المحدَث بدعة، وإن لم يجتمع الشرطان، بأن كان الأمر غير محدث أصلا بل كان
موجودا في الصدر الأول فلا يكون بدعة، أو كان محدثا ولكنه لا
يناقض أصلا من أصول الشريعة فلا يكون حينئذ بدعة أيضا، والدليل
على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنةً يعمل بها من بعده كان له
أجرها، و أجر من عمل بها
من غير أن ينقص من أجورهم شيئا؛ ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة يعمل بها من بعده ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن
ينقص من أو زارهم شيئا"[12].
فقد دل هذا النص النبوي
على أن الأمر المحدث إن كان حسنا فهو مقبول، وإن كان قبيحا فهو فممنوع؛ والقبيح ما
ناقض أصلا من أصول الشريعة، والحسن ما وافقها.
وفي هذا الصدد يقول شهاب
الدين القرافي: "البدعة إذا عَرضت تُعْرض على
قواعد الشريعة وأدلتها، فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به مِنْ
إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا"[13].
وقد يطلق اسم البدعة على
الأمر المحدث الحسن، ولكنه إطلاق بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الشرعي، ويشهد لذلك قول
عمر عن صلاة التراويح: "نعم البدعة
هي."
وقد فصلنا القول في هذه
المسألة في بحث مستقل بعنوان: "البدعة مفهومها وضوابطها".
وبناء على ما تقدم فإن قراءة الحزب الراتب لا تناقض أصلا من أصول الشريعة، بل هي مندرجة ضمن كثير من
الأصول الشرعية كالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع للقراءة، والمصالح المرسلة
والاستحسان... وعلى هذا فلا يشملها مسمى بالبدعة بالمعنى الاصطلاحي،
ومن ثم فلا حجة فيما استدلوا به على عدم مشروعيتها، وهذا علاوة على ثبوتها عن
السلف كما نص النووي.
المطلب الثالث: أدلة المجيزين ومناقشتها
استند المجيزون للقراءة الجماعية إلى أدلة من النقل والعقل منها:
1-
قوله صلى الله عليه
وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون
كتاب الله ويتدارسونه
فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله
فيمن عنده".
-
2 ما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه: "خرج على حلقة من
أصحابه فقال ما يجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر
الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال: أتاني جبريل عليه السلام فاخبرني أن الله
تعالى يباهي بكم الملائكة"[14].
وجه
الاستدلال:
دل هذان الخبران على
استحباب الاجتماع للذكر وقراءةِ القرآن العظيم، وقراءةُ الحزب الراتب هي نوع من
هذا الاجتماع، فتكون مشمولة بالاستحباب، قال لإمام النووي:" قراءة
الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهرة [15].
مناقشة
هذا الاحتجاج
أن الاجتماع المشروع لتلاوة القرآن محمول على من يقرأون
بالدور، لا على من يقرأون بصوت واحد، وإذا كانت بصوت واحد فهي لأجل التعلم، أما
المتعلمون الذين يحسنون التلاوة فلا يشرع
لهم ذلك؛ لأنه غير ثابت عن السلف، ولأن القراءة الجماعية بصوت واحد تشتمل على
مفاسد، منها:
-
اللحن في القراءة كترك
المدود أو مدها أكثر مما تستحق.
-
المباهاة وتطاول القراء
بعضهم على بعض.
-
التشويش على المصلين وغير
ذلك.
الجواب
على هذا الاعتراض
يجاب عن هذا الاعتراض من
ثلاثة أوجه:
1-
أن حمل القراءة الجماعية
على من يقرأون بالدور فقط منتقض بما ثبت عن السلف من القراءة الجماعية، من ذلك ما
روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه: (كان يدرس القرآن معه
نفر يقرؤون جميعا)[16].
فقوله: يقرأون جميعا أي
بصوت واحد، وهذا يدل على ثبوت القراءة الجماعية عن السلف، وحتى لو سلمنا جدلا بعدم
ثبوتها عن السلف فإن ترك السلف ليس حجة شرعية، وقد استحسن العلماء
الذين عليهم المدار في الفتوى هذه الطريقة.
فقد نقل الإمام أبو
العباس الونشريسي انه شوهد أبو الحسن محمد بن أحمد البطرني (يجمع الثلاثة في القراءة)[17].
وقال الونشريسي: " والأستشهاد بعمل أهل البلد ببعض الأقوال الفقهية دون بعض
أمر معروف شهير عند الخاص والعام, لا يجهله من له بالطلب أقل تلبس"[18].
وهذا يدل على أن ما
جرى به العمل في الأمصار معتبر شرعا، بشرط أن لا يصادم ولا يناقض أصلا من
أصول الشريعة، وما قراءة القرآن الكريم على هذه الطريقة المعهودة إلا عمل
جارٍ منذ قرون بهذه الديار، وليس فيه مخالفة لأدلة الشريعة وقواعدها، والعادة الحسنة إذا لم تخالف الشرع
ولم تناقض أصلا من أصوله فهي معتبرة لقاعدة: (الثابت عرفا كالثابت شرعا).
2-
أن القول بجواز القراءة
الجماعية للتعلم فقط لا يصح؛ لأنه تحكم على النص بغير دليل، وتخصيص له بلا مخصص؛
فقوله صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم)
فــ[ما] نافية، و)قوم) نكرة جاءت في سياق النفي، ومن القواعد المقررة لدى أرباب
الأصول: (النكرة في سياق النفي تفيد العموم). ومن القواعد الأصولية المقررة أيضا: )الأصل في
العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه).
وإذن : فقوله
صلى الله عليه وسلم: (وما جلس قومٌ) عام فيشمل بعمومه الرجال والنساء والكبار
والصغار والعلماء والمتعلمين...
وقد تفطن
إلى هذا صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه للأربعين النووية، فقال : "قوله (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ) اُستدل به على أن هذا لا
يُخص به قوم من قوم، فيصلح أنَّ يكون هؤلاء المجتمعون من العلماء، أو من طلبة العلم،
أو من العامة، أو من العُبّاد، أو من غيرهم، فالمساجد تصلح للاجتماع فيها لتلاوة
كتاب الله، ولتدارسه، فإذا اجتمع أي قوم، أي فئة لأجل تلاوة كتاب الله وتدارسه،
فإنهم يتعرَّضون لهذا الفضل العظيم"[19].
ومن ثم فالقول بالجواز للتعليم
فقط إنما هو استنتاج لا دليل عليه، ومتى كان قول القائل عاريا عن الدليل لم يلتفت
إليه، بل هو مردود بما بيناه من القواعد الأصولية.
3-
أما القول بأن القراءة
الجماعبة بصوت تشتمل على مخالفات شرعية؛ فالأولى تركها عملا بقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)
فجوابه: أن المخالفات المذكورة نادرة في الغالب الأعم، ومن ثم فلا يصح اعتبارها
مبررا لعدم مشروعية الحزب الراتب تطبيقا لقاعدة: (لا
تترك المصالح الغالبة لأجل المفاسد النادرة). وأما قاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فمحلها وموضوعها الأفعال التي تكون مفاسدها راجحة
على مصالحها، أما ما كانت مصلحته راجحة على مفسدته فلا تشمله هذه
القاعدة، وقراءة الحزب الراتب تتضمن مصالح
راجحة تسوغ مشروعيتها.
ومن تلك المصالح:
-
المساعدة على
حفظ القرآن الكريم وضبطه.
-
تعهد القرآن الكريم
ومراجعته وعدم نسيانه، فهي تحقق الاستجابة لأمر الشارع:
(تعــاهدوا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من
الإبل في عُقُلها)
-
أن نسيان القرآن بعد
حفظه يعد ذنبا عظيما، والحزب الراتب يقي إلى حد بعيد من الوقوع في هذه
المفسدة الكبيرة، لأن المؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
-
ومن المصالحة المرجوة في
الحزب الراتب تسميع كتاب الله تعالى لمن يريد سماعه من العوام و لا يخفى ما في ذلك
من الأجر والمنافع.
المطلب الرابع: المذهب المختار وأهم النتائج المستخلصة
بعد بيان مذاهب الفقهاء في هذه المسألة واستعراض أهم أدلتهم ومناقشتها،
يمكننا استخلاص النتائج الآتية :
1- إنّ الأدلة التي ساقها
المانعون، لا يستقيم الاستدلال بها في هذا الموضع فهي خارجة عن محلّ
النزاع؛ لأن شروط البدعة التي نص عليها أهل العلم غير متوفرة في قراءة القرآن جماعة على طريقة الحزب الراتب.
2- أن هذه الكيفية
لا تصادم أصلا من أصول الشرع، بل هي منسجمة مع قوانينه، سائرة وفق مراسمه، مندرجة
في سلك أصوله العامة الدالة على استحباب الاجتماع للذكر والقراءة، وفي مقدمتها
الخبر الصحيح : "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت
الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه
فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله
فيمن عنده".
3- أن القول بجوازها
للمتعلمين فقط لا يعول عليه؛ لأنه تخصيص بلا مخصص، والتخصيص بلا مخصص لا
يصح.
4- أن هذه الطريقة تتضمن مصالح غالبة
وراجحة: ومن القواعد المقررة لدى علمائنا: "إذا كانت المصلحة هي الغالبة جلبناها و لا نبالي
بارتكاب المفسدة".
وبناء على هذه النتائج
المتقدمة فإن هذه الطريقة تدور في حكمها بين الإباحة والندب مطلقا، فلا
ترتقي إلى درجة الوجوب، ولا تنزل إلى رتبة الحظر أو الكراهة، إلا إذا اشتملت على
مخالفات شرعية فتمنع، لذلك ينبغي الحرص على تجنب تلك المخالفات كالألحان
والمباهاة، وينبغي اختيار الوقت المناسب لقراءة الحزب الراتب، بأن لا يكون في الأوقات
التي يتنفل فيها الناس؛ لاتقاء مفسدة التشويش على المصلين.
1-
أبو عبد الله المواق. التاج والإكليل لمختصر خليل، دار الفكر بيروت 1398م
2-
ابن رجب الحنبلي. جامع العلوم والحكم . دار المعرفة –
بيروت- الطبعة الأولى 1408ه
3-
أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح الموطإ، مطبعة
السعادة مصر، الطبعة: الأولى1332 هـ
4-
أبو الوليد ابن رشد القرطبي، البيان والتحصيل
والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، تحقيق: د
محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان، الطبعة: الثانية، 1408هـ 1988م
5-
شهاب الدين القرافي، الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق
6-
أبو الفضل القاضي عياض، إِكمَالُ المُعْلِمِ
بفَوَائِدِ مُسْلِم، تحقيق: الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل، دار الوفاء للطباعة
والنشر والتوزيع، مصر، الطبعة: الأولى، 1419 هـ
1998م
7-
أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي. المعيار المعرب والجامع
المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب.
8-
محيي الدين يحيى بن شرف النووي . المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار
إحياء التراث العربي – بيروت- الطبعة: الثانية، 1392
9-
أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي،
التبيان في آداب حملة القرآن، الطبعة: الثالثة، 1414 هـ - 1994م
10-
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ . شرح الأربعين النووية.
11-
مجلة البحوث الإسلامية . الصادرة عن لجنة البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. سنة 1935 هـ ج 19 / ص 150.
أعضاء اللجنة: إبراهيم بن محمد أل الشيخ. الشيخ محمد بن عودة. الشيخ عبد الله
بن سليمان بن منيع . الشيخ عثمان الصالح أشرف. على جمال النهرى عبد الله البعادى .
عبد العزيز الفارس.
12-
صحيح البخاري
13-
صحيح مسلم
14-
سنن أبي داود
15-
سنن الترمذي
[1] أخرجه أبو داود في سننه رقم : [1455]
[2] جامع العلوم والحكم لابن رجب 300
[3] شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ
المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم 8/195
[4] مجلة البحوث الإسلامية . الصادرة عن لجنة البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. سنة 1935 هـ ج 19 / ص 150.
[5] المعيار
المعرب.. للونشريسي 1/115
[6] انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 21/17
[7] البيان والتحصيل لابن رشد 1/298
[8] التبيان
في آداب حملة القرآن للنووي 101
[9] المنتقى شرح الموطإ للباجي 1/345
[10] أخرجه البخاري في صحيحه رقم [2550]
[11] أخرجه مسلم في صحيحه رقم [2042]
[12] أخرجه مسلم في
صحيحه رقم [2398]
[13] الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي 4/250
[14] رواه
الترمذي
[15] التبيان في آداب حملة
القرآن 101
[16] رواه أبو دواود
[17] المعيار المعرب
للونشريسيي 1/255
[18] المعيار المعرب للونشريسيي 1/203
[19] صالح بن عبد العزيز آل الشيخ . شرح الأربعين النووية 375
فتح الله عليكم وجزاكم الله خيرا شيخنا الكريم
ردحذفبارك الله فيكم وجزاكم خيرا
ردحذفحفظكم الله تعالى ويسرعليكم كل أمر ترجونه
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله نعم عندما يرد شيى لم يكن على عهد رسول الله يحدث الخلاف والاختلاف ونحن بسيطوا الفهم بحيث أن لنا قدوة انتهى عندنا الأمر أي أن الذي جاء بالرسالة ما جمع أصحابه وقرؤ بتلك الطريقة اذا لا يحق لنا أن نقراء تعبدا بتلك الطريقة لان الأمور العبودية توقيفية أليس كذالك والحمدلله
ردحذف