......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 26 أغسطس 2012

أوفوا بعـهــد الشهداء ( مناسبة أحداث الثامن ماي 1945 م )


خطبة الجمعة بمسجد مالك بن أنس بالتلاغمة – الجزائر - 20 /6/1433 هـ = 11 / 5/ 2012 م
                                                                             

بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على النبي المختار وآله وصحبه الأخيار. قال الله تعالى : " وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور" هذه الآية الكريمة ترشدنا إلى التذكير بأيام الله تعالى وما جرى فيها من أحداث عبر التاريخ كله ؛ لنستلهم منها العبر والدروس فـــ"إن من يهمل الدروس وينسى ضربات الزمان لن يستفيدا..." ، وإن من أعظم الأيام التي ينبغي أن نتذكرها ونذكر بها : أيام كفاح الجزائر في سبيل عقيدتها وحريتها ، ومن أجل أن تبقى عربية مسلمة ، إنها لأيام عظائم لا يجوز نسيانها ! وكيف تنسى تلك الأيام وقد أجمع أهل النشامة والشهامة والشرف أنه: " حيث سال الدم لا تنبت شجرة النسيان " أبدا...وعندما نتأمل التاريخ لا نجد بقعة من الأرض ارتوت بدماء الشهداء ، كأرض الجزائر التي دفعت ثمن حريتها مليونا ونصف مليون من الشهداء أو يزيدون،ففي أحداث الثامن ماي 1945 م   قتل ما يزيد عن 45000 في أيام معدودات...؟
حيث خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية وعفوية لمطالبة فرنسا الغادرة بالوفاء بعهدها مع الجزائريين ، حيث وعدتهم أن إذا حاربوا معها الألمان فستمنحهم حريتهم وترد إليهم أرضهم المغصوبة ، ولكن حين انتصر الحلفاء وهزمت جيوش النازية العاتية ، وقلنا لفرنسا أوفي بعهدك فقد وفينا بعهدنا ، ودفعنا بخيرة أبناء ليقاتلوا معك ، فقابلتنا بالتقتيل والقمع الوحشي ؛ إذ لم ترحم منا صغيرا ولا كبيرا ولا رجلا ولا امرأة ، ودمرت قرانا
ومداشرنا من فوق رؤوس أهلها ، وتلك طبيعة أعداء الإسلام : الغدر والخيانة " أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يعلمون " { البقرة } لقد كانت أيام عظيمة ، حين نتذكرها ندرك يقينا أن استرجاع سيادتنا لم يقدم لنا عطاء سائغا سلسبيلا ، بل كان نتيجة لتضحيات جسام ، فــنحن – كما قال شاعرناـ "لم يكن يصغ لنا لما نطقنا فاتخذنا رنة الرشاش وزنا" ومن هنا بدأ التغيير الحاسم ، وأخذت ثورة التحرير تشق طريقها نحو فجر الحرية والسيادة ، وتوالت قوافل الشهداء تسقي ربوع الجزائر بالدماء الطاهرة الزكية ، وحينما نتذكر تلك الأيام نشعر بعظم المسؤولية والأمانة التي ألقاها الشهداء البواسل على عواتقنا وأعناقنا ، وما أدراك ما أمانة الشهداء ؟ إنها أمانة العهد الذي عاهدوا الله عليه ، وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛إذ قاموا فقالوا: " نحن ثرنا فلات حين رجوع أو ننال استقلالنا المنشودا " " نحن ثرنا فحياة أو ممات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر" فاشهدوا...! إنهم يستشهدوننا على هذا العهد الذي  عاهدوا الله عليه ، ألا فلتشهد الأجيال وليشهد التاريخ ولتشهد الدنيا برمتها ، ونحن على ذلك من الشاهدين : أن شهداءنا البواسل قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؛ إذ قدموا أرواحهم رخيصة فداء لعقيدتهم ووطنهم وشعبهم . وإذن : فلا خير فينا إن نسينا فضلهم علينا وتضحياتهم من أجلنا ،وهل ينكر فضل من أحسن إليه إلا لئيم ، أو يتنكر لأصله وتاريخه إلا زنيم ، ولن نكون مبالغين إن قلنا : أن كل ذي فضل يمكن مكافأته على فضله إلا الشهداء ،  فإن لهم فضلا سابقا لا يكافئهم عليه إلا الله تعالى ، فهاأنتم اليوم تتمتعون برغد العيش وتأكلون مما لذ وطاب ، وتنعمون بالحرية والسيادة ، وتنامون في دياركم آمنين مطمئنين ، من أين لكم هذا  لولا الله ثم تضحيات الشهداء ؟ والقرآن العظيم يقول لكم " واذكروا إذ انتم قليل  مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون" { الأنفال } والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على أرجح الأقوال ، فاذكروا – إذن - النساء اللائي متن تحت التعذيب دون أن ينطقن بكلمة واحدة تمس بأمن ثورتنا المقدسة ، واذكروا الرجال الذين صرخوا وصاحوا بأعلى أصواتهم قائلين : " مرحبا بالموت إن عاش شعبنا سعيدا "
صيحة تـرجف العوالـم مــنها ونــداء مـضى يهز الوجودا
اشنقوني فلست أخـشى حـبالا واصلـبوني فلست أخشى وعيدا
واقض يا موت في ما أنت قاض أنا راض إن عاش شعبي سعيدا
أنــا إن مـت فالجزائـر تـحـيا حـرة مستـقلـة لن تبيـدا
نعم يا إخوة الإيمان هكذا كانت صرختهم جميعا...........              
صرخة ردد الزمان صداها فأحسن الترديدا...فاحفظوها كالمثاني ...وانقلوها للجيل ذكرا مجيدا.
فيا إخواني ويا أجيال اليوم ، ويا طلائع الأمل وبناة المستقبل ، لا تنسوا تاريخكم وأمجادكم وشهداءكم.
مثل القوم الذين نسوا تاريخهم........كلقيط عي في الحي انتسابا
أو كمغلوب على ذاكـــرة ...يشتكي من صلة الماضي انقضابا                               
 وخلاصة الخطاب أيها الإخوة: أن الشهداء قد وفوا بعهدهم ، ويجب على الأجيال الحاضرة والمستقبلية أن توفي بعهدهم ، ألا وإن من الوفاء للشهداء أن نسير على النهج الذي خطوه بأقلامهم
ثم وقعوه بدمائهم ، ذلكم النهج الذي المتمثل بإيجاز في : حفظ الأرض التي زرعوها بأعظمهم وسقوها بدمائهم ، وإنما نحفظها ونحميها بالوفاء لإسلامنا ، والمحافظة على وحدتنا الوطنية ، فلولا الوفاء لإسلامنا لما قرر الشعب يوما مئالا . ولولا اتحادنا لما حققنا يوما انتصارا .
فقوتنا تكمن في اعتصامنا بإسلامنا وتمسكنا باتحادنا وأخوتنا ، فمهما كانت الظروف قاسية ،ومهما تغيرت الأوضاع واشتدت الأزمات ، فشعارنا السرمدي : الجزائر أولا وقبل كل شيء ، كما قال العلامة بن باديس رحمه الله تعالى .




هناك تعليق واحد: