......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 26 أغسطس 2012

اتقوا موارد الهلاك



خطبة الجمعة بمسجد مالك بن أنس بالتلاغمة : يوم الجمعة 25/5/2012 م
بعد حمد الله والصلاة والسلام على النبي المختار وآله وصحبه الأخيار .
لقد جرت سنة الله عز وجل في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم ، فإذا اتقى الناس ربهم عز وجل ، أنزل الله عليهم البركات من السماء ، وأخرج لهم الخيرات من الأرض ، قال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض[الأعراف:9]. وقال تعالى:"وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً " [الجن:16]، أما إذا تمرد العباد على شرع الله تعالى ، وفسقوا عن أمره أتاهم العذاب والهلاك من حيث لا يشعرون ، فالله عز وجل لا يبدل حال العباد من النقمة إلى النعمة ، ومن الرخاء إلى الشدة ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى الفسق ، قال تعالى: "ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم[الأنفال:53].
هذا قانون رباني ثابت لا يتغير ولا يتبدل : إذا كان العباد مطيعين لله عز وجل ، معظمين لشرعه ، أنزل الله عز وجل عليهم النعم ، وأزاح عنهم النقم ، فإذا تبدل حال العباد من الطاعة إلى المعصية ، ومن الشكر إلى الكفر، حلت بهم النقم ، وزالت عنهم النعم ، وإذن : فكل ما يحصل للعباد من محن ومصائب إنما هو بما كسبت أيديهم ، ويعفو ربنا كثير من العصيان فلا يآخذ به ، كما قال جل ثناؤه: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوعن كثير "[الشورى:30].
أيها الإخوة : اتقوا غضب الجبار جل في علاه ،  وإياكم وان تغتروا بنعم الله عليكم وأنتم مقيمون على معصيته " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليم تشخص فيه الأبصار " و قد بين لنا الله ورسوله  أسباب هلاك الأمم لنتقيها ، منها  :
انتشار الفساد وكثرة الخبث. قال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القوم فدمرناها تدميراً "[الإسراء:16].
والمعنى:  أمرنا مترفيها بطاعة الله وتوحيده وبدل أن ينفذوا ما أمرهم الله به فسقوا فيها أي خرجوا عن طاعة ربهم وعصوا أمره ، وكذبوا رسله : فحق عليها القول أي وجب عليها الوعيد: فدمرناها تدميراً أي أهلكناها إهلاكا مستأصلا .
ولم يستثن الله من الهلاك أحدا ، لماذا ؟  لأن الهلاك إذا جاء عم الجميع ، كما قال تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" [الأنفال:25]. بل تصيب من ظلم ومن لم يظلم .
وكما في الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها لما سمعت النبي يقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه
الإبهام والتي تليها، قالت له: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث "رواه البخاري.
 فكثرة الخبث سبب أنزال الهلاك على الجميع ، والمراد بالخبث ، ما ترونه اليوم أمام أعينكم من الفسوق والعصيان ، وتجاهر الناس به دون خجل ولا وجل ، كخروج النساء كاسيات عاريات  مائلات مميلات ، فوقع في حبالهن الساقطون ممن لا مروءة لهم ولا أخلاق ولا قيم ؛ لأن الوقوع في الرذائل يذهب بالحياء ويقتلعه من جذوره ، وإذ نزع الحياء من العبد  لم يبق له دين ولا إيمان و لا أمانة ، فصار بهيمة تمشي على الأرض بل هو أضل منها سبيلا .
أيها الإخوة : ومن أسباب هلاك الأمم الكفر بنعم الله عز وجل وعدم القيام بواجب شكرها . قال تعالى: "وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "[النحل:112].  
ومن أسباب هلاك الأمم ظهور النقص والتطفيف في الكيل والميزان ومنع حق الله وحق عباده ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن –: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" رواه ابن ماجة  
ومن أسباب هلاك الأمم التنافس في الدنيا والرغبة فيها والتخاصم من أجلها ، لقوله   "  فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم " (روه البخاري  
فاتقوا الله عباد الله واتقوا مواطن الهلاك وأسبابه و لا تغتروا بنعم الله عليكم ، فإن الله يمهل ولا يهمل ، واعموا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق