......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 19 أبريل 2017

نفحات من وحي الإسراء والمعراج

 الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

أيها المؤمنون : يقول الله تعالى:"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".

هذه الآيات تحدثنا عن معجزة الإسراء المعراج ، التي أكرم الله بها نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام ، في العام العاشر من البعثة ، وهو العام الذي ماتت فيه زوجته خديجة ، التي كانت تواسيه  بمالها ونفسها  ، وتقف إلىى جانبه  في كل شدة  وعسرة ، وفي العام  ذاته مات عمه أبوطالب الذي كان  هو الآخر يدافع عنه ويحميه ، وبعد وفاته نال كفار قريش من النبي ما لم ينالوه منه في أي وقت مضى ، وقد سمي ذاك العام بعام الحزن ، لشدة ما كابد فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد في سبيل ربه ، وفي هذه الأثناء خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عله يجد فيها ناصرا أو مصغيا إلى دعوته ، إلا أن أهلها قابلوه بالسوء والأذى ، فحرضوا عليه  سفهاءهم يرمونه بالحجارة ، فلجأ إلى بستان عتبة بن ربيعة والدماء تسيل من قدميه ، وراح صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ، ويشكو إليه بثه وحزنه ، قائلا: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك" وهو بهذه المناجاة  يعلمنا أن الشكوى إلى الله مظهر من مظاهر العبودية ، ووسيلة من وسائل التقرب إلى الله .

 وبعد تلك المعاناة والشدائد والآم  ، التي تعرض لها خير الأنام ، عليه أفضل الصلاة والسلام ،  جاءت مكرمة الإسراء والمعراج ؛ تتويجا من الله تعالى لنبيه وتكريما ، وتجديدا لعزيمته وتثبيتا، لتؤكد له وللمصلحين الشجعان من بعده ، أن ما يلاقيه المؤمن من محن في هذه الحياة، إنما هو سنّة الله تعالى  في التعامل مع أصفيائه ومحبيه ... فها هو سبحانه وتعالى يدعو حبيبه محمدا – بعد تلك المعاناة -  إلى ضيافته ، ويطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا سواه ، حيث بلغ صلى عليه وسلم مبلغا لم يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، كمال قال البصيري رحمه الله:  

خفضت كلّ مقام بالإضافة إذ ... نوديت بالرّفع مثل المفرد العلم

والمعنى : أنك يا محمد لما بلغت تلك المرتبة ، خفظ مقامك كل المقامات، وخصك ربك بنداء مخصوص ؛  لرفع شأنك بين الأنبياء ، كما خُصّ المفرد العلم بالرفع من دون أقسام المنادى في اللغة العرببة.

وهذا المقام هو ما  اشارت اليه الآية الكريمة في سورة النجم :" ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى  مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى  وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىعِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى  إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى  مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى".

وقد اختار الله جل ثناؤه زمن الليل للإسراء بنيه  :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً .." ؛ لأن الليل هو الزمن الذي يأنس فيه المؤمن بربه ، وينقطع فيه عن شواغل الدنيا باجمعها ، فتصفو نفسه وتسمو روحه ، ويزداد قلبه تعلقا ببارئه ..

وقد شاء الله عز  وجل أن يحط نبيُه راحلَه بالمسجد الأقصى قبل أن يعرج إلى السماوات العلا ، " .. مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .." ؛ ليهيب بالمسلمين في كل زمان وكل مكان  ألا يفرطوا في هذا البيت ، وأن لا يهنوا ولا يتخاذلوا أمام عدوان النصارى واليهود على هذه الأرض المقدسة ، وأن يطهروها من رجسهم ، ويعيدوها إلى أصحابها المؤمنين ،  ولعل ذلك ما جعل صلاح الدين الأيوبي يستبسل ذلك الاستبسال العظيم ، ويضحي تلك التضحيات الجسام ،  في سبيل صدّ الهجمات الصليبية عن هذه البقعة الطاهرة المقدسة حتى ردهم على أعقابهم خائبين.

وإنما استفحل أمراليهود في هذا العصر وعلا شأنهم؛ لأنهم لم يجدوا مقاومة جدية وشجاعة من أهل الإيمان الراسخ ، فمسلموا اليوم آثروا الحياة الدنيا واطمأمنوا بها  ،  وانسلخوا عن قيم دينهم ،  وأمجاد أسلافهم ، وابتغوا العزة لدى أعدائهم  ،  وغرقوا في الشهوات والملذات ، فهم يمرحون ويلعبون وينفقون الأموال الطائلة على حفلات الرقص والمجون ؟ فذهبت ريحهم وزالت هيبتهم ورخصت دماؤهم وأعراضهم ..

أيها المسلم عــذرا      فقومنا صاروا نعاس
وكلهم يحلم قصرا      ويزينه بمــــــــــــاس
ومليك قد تفرعـن      وزعيم في هجـــــاس

ولكن حين يظهر أهل الإيمان وطلاب الدار الآخرة ، فلن تجد  إسرائيل إلا منهزمة ، بل ستزول حينئذ من خارطة  العالم بشكل كلي ،  وهذا أمر لا مرية فيه ، وإنما له أمد وللأمد انقضاء ، "..فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ." 
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغَرْقَد؛ فإنه من شجر اليهود". أخرجه البخاري ومسلم.

أيها الأخوة الكرام: إننا في هذه المرحلة الحاسمة في أشد الحاجة إلى دروس الإسراء والمعراج:

-    فهي تعلمنا أن للمحن والمصائب حكماً جليلة ، منها أنها تسوق أصحابها إلى باب الله تعالى وتلبسهم رداء العبودية ، وتدفعهم إلى طلب العون من الله ..

-         كما تعلمنا أنه مادام الله هو الآمر ،  فلا شك أنه هو الضامن وهو الحافظ و الناصر..

-         وتعلمنا أحداث الإسراء والمعراج أن اليسر مع العسر، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب ..

-    وتعلمنا أحداث الإسراء والمعراج ألا نفرط في المسجد الأقصى ، فهو من صلب عقيدتنا ،  وألا نتخاذل أمام عدوان اليهود على هذا المسجد المبارك ، وأن نعد العدة وأن نعقد العزم على تحريره من رجسهم كما حرره صلاح  الدين ، وكما حرر أجدادنا ارض الجزائر الطاهرة من رجس الغزاة الفرنسين ،  ولن يعود لهذه الأمة مجدها وعزها ، حتى تحرر المسجد الأقصى ، ويوم تحريره آت لاريب فيه ، وكل آت هو قريب ، ونسأل  الله أن يجعل لنا من شرف تحريره نصيبا  ، اللهم آمين.


وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين

هناك تعليق واحد:

  1. الإسراء هو السير ليلاً، والمعراج مفعال من العروج، وهي الآلة التي يصعد بها، والله أعلم بكيفيتها، والمقصود العروج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وأهل السنة والجماعة يقولون: إنه كان يقظة، وكان بروحه وجسده، وهذا هو الصحيح. وهذا الإسراء والمعراج معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن من حكمة الله تعالى أن جعل فيها الإسراء الذي يستدل به عملياً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأن الله قادر على أن يعرج به من المسجد الحرام إلى السماء، لكن لو عرج به إلى السماء، وجاء الرسول في الصباح يقول: عرج بي إلى السماء، لقال المشركون: هذا مثل كقولك إنه ينزل عليك ملك! أي: أن هذا أمر غيبي لا يمكن أن نستدل به على صدق ما تقول، لكن من حكمة الله أن جعل الإسراء إلى بيت المقدس.

    اقرأ المزيد في إسلام أون لاين :
    https://islamonline.net/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%AC/

    ردحذف