......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 29 ديسمبر 2016

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

 الحمد لله الواحد الأحد ذي الجلال والإكرام ، المبين لعباده على لسان رسله شرائع الأحكام ، من واجب وحلال وحرام ، وكلفهم بالوقوف عند حدودها واتباع  أوامرها واجتناب نواهيها ، تكليفاً لا انفصال لهم عنه ولا انفصام ، وأمر رسله وورثتهم من خلقه بتنفيذها بين عباده ؛ ليرتفع الظلم والفساد والهرج والعناد ، تنفيذاً لا يشوبه حيف في إقامة الحق بين ذوي الخصام ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد قطب دائرة الكونين المؤيد بالوحي والإلهام ، وعلى آله وأصحابه الذين مهدوا للدين من بعده فاستنار الحق واستقام ، وقاموا بالشريعة المطهرة أحسن قيام .

" ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" [التحريم:6].


أيها الإخوة الكرام : أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا ذراعا، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: " فمن؟! " أي من غير هؤلاء تتبعون ؟

في هذا الحديث إخبار منه صلى الله عليه وسلم  ببعض المزالق التي ستقع فيها هذه الأمة ، و قد وقع - حقا - ما تنبأ به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، فهـــا هي أمة الإسلام اليوم تتبع سنن - أي طرق - الضالين من اليهود والنصارى ، وتقلدهم في كل شيء سافل تافه من الأقوال والفِعال ، ويا ليتنا قلدناهم في العلم والصناعة ، أو في الاختراع والابتكار ..! وإنما قلدناهم في الأخلاق السافلة ، ومن جملة ما قلدناهم فيه ، ظاهرة : (الاحتفال برأس السنة الميلادية) ، فقد انتشر هذا المنكر الشنيع بين المسلمين ، وانشغلوا به انشغالا كبيرا ، واهتمّوا به  غاية الاهتمام ، و هاهم اليوم له يتهيئون ، وبقدومه يستبشرون ، وقد اتخذوا مناسبته عيدا لــــهـــــم ، يفرحون فيه و يمرحون ، ويتبادلون التهاني والهدايا ويبذرون فيه من أموالهم ما يبذرون..!

وهذا التقليد الأعمى للنصارى وللكافرين عموما له أسباب عديدة ، أهمها سببان :

أولهما:  ضعف  الإيمان بالله تعالى ، فإذا ضعف الإيمان انحرف الناس عن الصراط المستقيم ، وإذا ضعف الإيمان ضاعت العقيدة الصحيحة وحلت مكانها الخرافات والأباطيل ؛ ولأجل ذلك اهتم المسلمون الأوائل بعلم العقيدة ، وعلموه لصغارهم وكبارهم ورجالهم ونسائهم ؛ لأن العقيدة هي أصل الدين وعماده ، وعليها تُبى سائر الأعمال ، ولن يقبل الله عملا ما لم يكن قائما على أساس من الإيمان متين.

والثاني: الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية ،   فمتى جهلت الأمة أمر دينها كانت مسخرة لشياطين الإنس والجن ، أخرج الطبراني في الأوسط  و الترمذي وابن ماجه في سننهما ، كلهم عَنْ أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ  ": مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ ، وَلَفَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا الدِّينِ الْفِقْهُ " ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " لأَنْ أَجْلِسَ سَاعَةً فَأَفْقَهَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِي اللَّيْلَةَ إِلَى الْغَدَاةِ".

فالفقه هو الوسيلة التي يعرف  بها الحلال والحرام ؛ لذلك عرفه الإمام الكاساني بقوله :"الفقه هو علم الحلال والحرام"[بدائع الصنائع للكاساني الحنفي.ج1/ص2]. ورحم الله الشافعي إذ يقول :

فَلَولاَ العِلْمُ مَا سَعِدَتْ رِجَالٌ *** ولا عُرِف الحلالُ ولا الحرامُ

و من نتائج ضعف الإيمان والجهل بالدين ما نراه اليوم من تدافع كثير من المسلمين إلى الاحتفال بأعياد النصارى، ولعلهم يظنون أن هذه الأعياد هي مجرد عادات فلا يترب عليها أي أثر شرعي ، وهذا خطأ فادح ؛ لأن الأعياد هي مِن جُملة الشرائع والمناهج والمناسك ، التي قال فيها القرآن :" لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا "[المائدة48] وقال تعالى  : "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا "[الحج34]. وبناء على هذا يكون المحتفل بأعياد الكافرين مشاركا لهم في شرائعهم ومناسكهم الخاصة بهم ، وهذا تناقض صريح يجعل صاحبه في دائرة المذبذبين ، كما قال تعالى في شأن المنافقين "مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ"[النساء143]. والمحتفل برأس السنة الميلادية مذبذبا بين الفريقين ، فهو من جهة يقرأ في صلاته : " إهدنا الصراط المستقيم " ، والصراط المستقيم يقتضي مخالفة أهل الجحيم ، ثم هو يشاركهم في مناسكهم ،  فكان من بذلك من شر الناس منزلة ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" إن شرّ الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه" [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]. وهذا المحتفل قد أتى المسلمين بوجه ثم أتى النصارى بوجه آخر.

وقد جاءت نصوص كثيرة من القرآن والسنة تنهى المسلمين عن موالاة بالكافرين والتشبه بهم ، والنهي المطلق يقتضي التحريم كما هو معلوم ، من ذلك:

1- قوله تعالى:" وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ "[المائدة:77]. والاحتفال برأس السنة هو اتباع لأهواء الضالين ، فهم لا يحتفلون بميلاد عيسى باعتباره نبيا ، وإنما يعتبرونه إلها أو أنه ابن الله ، ومشاركتهم في احتفالهم هي إقرار لهم على هذا الاعتقاد الضال.

2- قال الله جل ثناؤه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "[المائدة:51]. والولاية المذكورة في هذه الآية تشمل محبة الكافرين ونصرتهم ، واتباعهم وتقليدهم  في منهاج حياتهم ، والتشبه بهم في شؤونهم التي هي من خصائصهم ، وانظر إلى قوله تعالى :(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فظهار الآية يفيد كفر الموالي للكافرين ، ومن مظاهر الموالاة الاحتفال بأعيادهم ،  ولكن أقل ما يستفاد من ظواهر هذه النصوص التحريم ، وقد جاءت نصوص السنة هي الأخرى مؤكدة لما جاء في القرآن الكريم منها :

1- ما رواه أبو داود في سننه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من تشبه بقوم فهو منهم".

2وفي رواية أخرى :" لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى".

3- وروى أبو داود في سننه عَنْ أَنَسٍ ابن مالك ، قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا. فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". وهذا ليل واضح على أن الشريعة هادفة في مقاصدها إلى إقامة هدي للمسلمين مخالف للكافرين من يهود أو نصارى ، فإذا احتفل المسلم بأعيادهم كان منافضا للشريعة في مقاصدها وغاياتها ، ومناقضة قصد الشريعة منزل خطير ، لأنها تجعل صاحبها في منزلة الرافض لأحكامها . 

4- وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَطَاوُسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُمْ في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قالوا هِيَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ ، يعني لا يحضرونها ولا يشاركون فيها ، وحقيقة هي زور وباطل ، وقد قلت لكم أنهم يعتقدون أن المسيح إله أو أنه ابن الله ، فأي زور وأي باطل أكبر من هذا.

ولهذا حذر علماء الإسلام من مختلف المذاهب من الاحتفال بأعياد الكفار يهودا كانوا أو نصارى وأفْتَوْا بتحريمها ، ونصوصهم في ذلك لا حصر لها ، منها : ما نقله الفقيه المالكي ابن الحاج  عن ابن حبيب وهو من كبار فقهاء المالكية قال : (.. لا يَحِلُّ للمسلمينَ أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ، لا لحْماً ولا إداماً ولا ثوباً ... ولا يعانون على شيءٍ من دينهم ، لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم ، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك ، وهو قولُ مالكٍ وغيرهِ، لم أعلمْ أحداً اختلفَ في ذلكَ).[المدخل لابن الحاج 2 /  47- 48].

واختلف الفقهاء في حكم تهنيئة الكافرين بأعيادهم ، والخلاصة أن تهنيئتهم بمناسبة رأس السنة الميلادية ، وأعيادهم بصفة عامة ، مكروهة كراهة مغلظة ؛ لما فيها من  التودد والموالاة ، والمساهمة في إشهار شعائرهم الباطلة والإعلاء من شأنها ... لكن يستثنى من هذا إذا كان المسلم مقيما بالبلدان الغربية كإخواننا المقيمين في فرنسا ، فلا بأس أن يهنئ جيرانه بأعيادهم ؛ لما في ذلك من مصلحة التأليف ، والترغيب في الإسلام ، وسد أبواب العدواة والكراهية ... فينبغي أن يؤخذ هذا المآل بعين الاعتبار ، والله أعلم .

ومن خلال ما قد سبق بيانه ، يتبين لنا أيها الإخوة الأكارم:

1-   أن مظهر الاحتفال برأس السنة الميلادية محرم شرعا ، قد دلت على ذلك الدلائل الواضحة مــــــن الكتاب والسنة ، وهو أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم ، ومن ثم فمن فعله كان آثما .

2-   أن مشاركة النصارى في الاحتفال بهذا العيد فيها نوع من إقرارهم على ضلالهم واعتقادهم بأن عيسى إله من دون الله ، وأو أنه ابن الله.

3-   أن هذا الاحتفال هو من جملة التشبه المنهي عنه شرعا ، وقد تضافرت النصوص على أن من تشبه بقوم حشر معهم والعياذ بالله.

4-   على المسلمين أن يتحصنوا بالعقيدة الصحيحة ، وبالفقه في الدين ، وأن لا يقدم أحدهم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه ، وأن يحثُّ أبناءه وأهله على الابتعاد عن كل مظهر من مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية ، وأن يبرز لهم سلبياته وأضراره على الدين والأخلاق ....

5-   ينبغي للمسلمين أن لا يكونوا إمّعات لا إرادة لهم ؛ ولا مبدأ لهم ، لقوله صلى الله عليه سلم :  "لا تكونوا إمّعة ، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أحسنوا، وإن أساؤوا أن لا تظلموا" (رواه الترمذي عن حذيفة ) . والإمّعة هو من لا رأي له حيث يقلّد كل أحد ، دون أن يستعملل عقله ، ولكثرة قوله : أنا مع الناس، سمي: إمّعة.

هذا وصلوا وسلموا على محمد سيد الأولين والآخرين ، وأفضل الخلق أجمعين ، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق