......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

السبت، 26 نوفمبر 2016

رعاية الطفولة وسبل مواجهة ظاهرة القتل والاختطاف

 لحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شىء قدير ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، والسراج المنير ،  اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ، أما بعد

لا شك أن الأولاد هبة عظيمة ، ونعمة من النعم الإلهية الجليلة ، التي تستوجب الشكر لله تعالى ، وشكر هذه النعمة لا يتم  و لا يتحقق إلا بالمحافظة عليها ، كما قال الشاعر الحكيم :
إذا كنـت في نعمـة فارعـها  ** فإن الذنـوب تـزيـل النعـم
وحطــهـا بطاعة رب العبـاد  ** فرب العـباد سريـع النـقـم
لذلك فإن المحافظة على نعمة الأطفال إنما تكون برعايهم منذ نشأتهم ، وإعدادهم نفسيا وروحيا وخلقيا وفكريا وبدنيا، حتى ينمو الطفل نموا طبيعيا متكاملا ، يحافظ على سلامة تكفيره وتوازن شخصيته ؛ ليكون بذلك امتداداً سليما لأسرته ، وعضوا نافعا  لمجتمعه ووطنه.
وفي معرض حديثنا عن الطفولة ينبغي  أن نستحضر في أذهاننا بأن الأطفال الذين نسهر على تربيتهم اليوم هم بناة مستقبلنا ، وهم أجيال الغد  التي ستحمل راية الإسلام ، وتذود عن مقدسات الأمة ، وتحمي ثوابتها ومقوماتها ، وتكون خير خلف لخير سلف ، وبإدراكنا لهذه الحقيقة ، نعلم أن مسئوليتنا تجاه الطفولة مسئولية كبيرة ، وأن صلاح مجمتعنا وما نطمح إليه من وتقدمه وازدهاره وأمنه واستقراره .. متوقف على ما نبذل من جهود في رعاية أطفالنا وتربيتهم وإعدادهم ،  وحمايتهم وتحصينهم من الأخطار الواقعة أو المتوقعة عليهم.
ونحن – ولله الحمد – ندين بديانة الإسلام ، وهو الدين الحق ، وحينما ننظر في تعاليمه نجده قد أهتم  بالطفل في جميع مراحله ، وكافة أطوار تطوره و نموه .... ونجد من ضمن المقاصد الكبرى للشريعة المعظمة ، أو ما يعبر عنه  بالكليات الخمس ، نجد من ضمنها : حفظ النسل ، يعني الذرية .
وفي هذا الصدد نجد الإسلام يرشد إلى تهيئة البيئة الصالحة لنتشئة الطفل قبل ميلاده ، ومن ذلك أن أمر بالزواج ورغب فيه ، وحث على اختيار الأم الصالحة للطفل ، جاء في الحديث:" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" (رَوَاهُ ابْن مَاجَه). وحرم العلاقات اللاشرعية من أجل حفظ نسب الأطفال ، حتى ينشأوا نشأة صالحة ، لا يشعرون فيها بالقهر والتشرد والضياع ...
 وشرع الحضانة والرضاعة وحقوق النفقة  ، وأثبت للطفل حق التلك ، فقال تعالى :" يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ للِذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ"(النساء11).
واعتبر حق الحياة للطفل حقا مقدسا لايستهان به ، و لا يجوز المساس به ، حتى قبل ميلاده ، وعدَّ الاعتداء عليه جُرْماً عظيما ، كما قال تعالى:" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إنَّ قتلهم  كان خِطْئاً كبيراً"(الإسراء31).
 كما أمر الإسلام  بحماية الطفولة من الأمراض والأوبئة الفتاكة ، ومن متاعب الأشغال ومشاق الأعمال ، لكي ينشأوا نشأة سليمة  ، تهيئهم لتحمل المسئوليات والقيام بالواجبات ، وقد سبق وأن أشرنا إلى أن أطفال اليوم هم رجال الغد ، وهم بناة المستقبل ، وعليهم يتوقف بناء المجتمع المنشود.
 ومما شرعه الإسلام لحماية الطفولة والحفاظ على مشاعرها وأحاسيسها أن أمر بالعدل والمساواة بين الأطفال ، جاء في الحديث:"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" (أخرَجَهُ البيهقيُّ). وهذه المساواة مطلوبة شرعا حتى في جوانب العطف والحنان ، فعن أنس ابن مالك قال :" كانَ رجلٌ جالساً مع النبيِّ  صلى الله عليه وسلم -فجاءَه ابنٌ له ، فأخذَه فَقبَّلَه ، ثم أجلسَهُ في حِجْرِهِ، وجاءتِ ابنةٌ له فأخذَهَا إلى جَانِبِه، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم  أَلَا عدلتَ بينهما ، يعني: ابنَهُ وابنتَه في تقبيلهما" (أخرَجَهُ البزارُ والبيهقيُّ).
إذن : أيها السادة كل هذه الحقوق وغيرها  كانت قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الطفل والطفولة بأربعة عشر قرنا، ولو اجتمعت الأمم على أن تضع قوانين لحماية الطفولة مثل القوانين التي وضعها الإسلام ، فلن يضعوا مثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
ولكن للأسف نحن على الرغم من انتسابنا للإسلام إلا أننا فرطنا في هذه الحقوق ، وضيعنا أولادنا ، وسمحنا للمظاهر السيئة تسري في كيانهم ، كسريان السم في العروق ، ومن ذلك - على سبيل المثال - ظاهرة العنف الأسري ، أو  ظاهرة العنف في المؤسسات التربوية والتعليمية ، والتي لا يخفى عليكم أمرها ، وما تتركه من آثار السيئة على الطفولة ، والتي تحتاج وحدها إلى عقد ندوات ودورات تحسيسية ، من أجل الوقوف على أسبابها ، واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجتها.
وإن مما يندى له الجبين ، وتهتز له النفوس ، وتتألم لسماعه القلوب، ما تتعرض له الطفولة اليوم من جرائم وحشية بشعة ، تتمثل في ظاهرة القتل والاختطاف ، وقد صرنا نتلقى كل يوم في الجرائد  والصحف والشاشات التلفزونية، أخبارا محزنة ، وأنباء مؤلمة ، عن جرئم بشعة ترتكب في حق الأطفال، مما ينذر بدق ناقوس الخطر.
وظاهرة القتل والاختطاف، ظاهرة خطيرة جدا ، وهي غريبة على مجتمعنا الجزائري المعروف عبر مراحل تاريخه بأنه مجتمع محافظ متماسك متراحم ، ولا تزال هذه الظاهرة في تزايد مستمر ، وإذا لم تعالج فلن تتوقف أبدا ، بل ستزداد ضراوة.
ويجب أن نعلم - في هذا الصدد- بأن حفظ الطفولة وحمايتها مسئولية مشتركة ، بين الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية ، والأجهزة الأمنية ، ومختلف شرائح المجتمع ، كل حسب موقعه ، وكل حسب الدور المنوط به وفق ما نص عليه الحديث النبوي"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"(متفق عليه).

وإن لظهور هذه الجريمة واستفحالها وانتشارها أسباب عدة ، نذكر منـــها :
1- عدم تطبيق القصاص على القتلة ،  وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ يأُولِي الالْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(االبقرة179). وإذا كان القصاص فيه حياة ، ففي تركه ممات بالمفهوم المخالف ، والحياة في تطبيق القصاص تكمن في ثلاثة جوانب :  
الجـــانب الأول :  أن فيه حياة لمن تحدثه نفسه بالقتل ، فإنه متى علم أنه إذا قَتَل قُتِل ترك القتل ، وبذلك يحفظ حياته فيبقى حيا فلا يقتل قصاصا.
و الجانب الثاني:  أن فيه حياة لمن يُراد قتله، لأن من هم بقتله إذا خاف من القصاص أحجم عن قتله ، فيبقى حيا هو الآخر.
والجانب الثالث:  أن فيه حياة لغيرهما ، لأن في بقاء القاتل حيا فتنة عظيمة قد تؤدي إلى هلاك عالم كبير من الناس ، وبتشريع القصاص زال ذلك كله  وبزواله تحققت مصلحة حياة الكل  ، فما أعظم هذا التشريع و ما أحوج العباد إليه .
وتطبيق القصاص ليس من حق الأفراد ، بل هو من حق الحاكم وحده ، فهو مسؤول عن حماية رعيته ، وما لم يطبق القصاص فلن يستطيع حمايتهم مهما فعل .
2 -  انتشار آفة المخدرات ، التي تفشت في وطننا بشكل رهيب ، وانتشرت بين أبنائنا وبناتنا ، حتى في المؤسسات التربوية والتعليمية ، ومتى أدمن الشخص على هذه الآفة أصبح يفعل كل شيء في سبيلها ، ولا يبالي بارتكاب أية جريمة ، لأنه  صار عنده اختلال في العقل ، والعقل إنما سمي عقلا لأنه يعقل ( يمنع ويحجز ) صاحبه عن  ارتكاب الدنايا ، ولهذا كان من الغايات الكبرى للشريعة الإسلامية أن تحفظ على الناس عقولهم ، فحرمت كل ما يفسد العقول  كالخمر ونحوه ......
3 -   ومن جملة الأسباب أيضا إهمال الآباء والأمهات لتربية أو لادهم ، فلا هم يراقبون  تصرفاتهم و سلوكاتهم ،  ولا هم يلقنوهم التربية الصالحة التي تجعل منهم أفراد صالحين نافعين ، ونتيجة هذا الإهمال غير خافية  عليكم !! فهاهم أولاد المسلمين قد تكون منهم جيل منحرف  ،  يتعاطى المخدرات – يفعل المنكرات – يسرق – يزني - يخطف  ويقتل ويدمر .......!!  و لا جرم أن الأولياء عن أولادهم لمسؤولون ، فكلما جنى أولادهم جرما لحقتهم اللعنة والآثام ، لأن الله تعالى كما يحاسب المجرمين المعتدين فهو يحاسب أيضا المفرطين المهملين .وفي الحديث:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "(متفق عليه)..
4- ومن جملة الأسباب أيضا الإدمان على مواقع الشبكة العنكبوتية ، التي تشتمل على مواقع إباحية هادمة للأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية ، مميتة لكل فضيلة وباعثة على كل رذيلة وجريمة ...
وإذا كان الانترنت وسيلة عصرية تتضمن العديد من الإجابيات لمن يحسن استعمالها واستغلالها ، فإن له من المساوئ والمخاطر ما لا يعلمه إلا الله  ، فهو سلاح ذو حدين ، ومن أهم مخاطره ومساوئه:
-       التعـــــرف على رفاق السوء وتدمير الفضائل ونشر الرذائل.
-       زعــــزعة العقائـــــد و نشــــــــــــــــر الكفـــــــر والإلحـــــاد.
-       والوقــوع فـي شبـكات التنصيـروالتشيع والإرهاب والإجرام.
وإذا كانت تلك مخاطره ومساوؤه فهل يعقل أن يُترك دون مراقبة وحماية ؟؟ وهل يعقل للأباء والأمهات أن يتركوا أولادهم دون رعاية و مراقبة وتوجيه ؟؟
وإذا أرادت أمتنا أن تقضي على هذه المظاهر الخطيرة ، فعليها أن تتقي الله عز وجل وتستعين به وتتبع الخطوات الآتية :
1       أن نربي أولادنا و نزرع في قلوبهم خوف الله و الانقياد لأوامره ، والوقوف عند حدوده، فينشأ أولادنا معظمين لما عظم الله ، فيعظمون حرمة  النفس التي حرم الله، والتي هي أشد حرمة من حرمة بيت الله الحرام ، ويقفون عند أمر الله ونهيه ، فلا يزهقون نفساً حرمها الله ، ولا يتعدون حداً حده الله.
2       أنه يتعين على أولي الأمر أن يطبقوا حدود الله ، فيطبقون شريعة القصاص من القتلة و المجرمين ، لينزجر غيرهم ويرتدعون ، فيكفون عن قتل الأبرياء بغير حق ، والله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، فهناك نفوس شتى لا تؤثر فيها موعظة ، ولا تنفعها تربية ، فلا بد لها من رادع قوي ، و لا رادع عن القتل إلا القتل، كما أشرنا سابقا.
3       ينبغي أن تتضافر جهود الجميع في محاربة آفة العصر (( المخدرات )) – المساجد – المؤسسات التربوية -   الأســر – رجال الأمن – المجتمع كله – لا بد أن يتعاون الجميع في التصدي لهذه الآفة ، لأنها من أبرز أسباب ظهور الاختطاف و القتل في بلادنا ، وينبغي أن يطبق على مروجيها حكم الحرابة ، الذين قال الله فيهم : " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(المائدة33).
4       ينبغي لولاة الأمور أن يسنوا من القوانين  ما يمنع ضياعَ الطفولة وفسادها كفرض الرقابة على المواقع الإباحية والإجرامية ونحوها .... وكإقامة الملتقيات والندوات الرسمية لدراسة أوضاع الطفولة ، والوقوف على دواعي المفساد الواقعة أو المتوقعة عليها ؛ لاستئصالها والاحتياط لها قبل وقوعها.


والحمد لله رب العالمين

هناك تعليق واحد: