من الفقه في الدين أن تعلم:
أن مصطلح (السلف) قد طاله ظلم وتزوير ، وتشويه وتحريف .. وأنه لابد
من العمل على تبرئة هذا المنهج الذي عناه ابن باديس بذلك الشعار الذي رفعه في
مجابهة فرنسا وأذنابها من الطرق المنحرفة ، وهو : (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما
صلح به أولها).
وذلك لأن مصطلح (السلف) أو (السلفية) يطلق على أمرين:
أحدهما
: السلف زمنا : والثاني : السلف اتباعا.
أما الأول: فقد اختلف في تحديد زمنهم على اربعة أقوال:
- 1
فقيل هم الصحابة فقط وإليه ذهب شراح الرسالة لأبي زيد القيرواني
(1)
- 2
وقيل هم الصحابة والتابعون وهو اختيار أبي حامد الغزالي(2)
-3
وقيل هم الصحابة والتابعون وتابعوهم أي اصحاب القرون الثلاثة
المفضلة التي ورد فيها الحديث: " خير
القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..
" (3). وهو اختيار الشوكاني (4) والسفاريني(5) وابن تيمية(6)
- 4وقيل هم من كان في
القرون الخمسة الأولى ، وهو اختيار البيجوري في شرح الجوهرة (7)
وأما الإطلاق الثاني: وهو السلف اتباعا.
فيراد به التمسك بالقرآن والسنة والتحلي بأخلاقهما والتأدب
بآدابهما.. على ضوء ما فهمه سلف هذه الأمة من الصحب الكرام الذين عايشوا التنزيل ،
وفقهوا أسرار التشريع ...
والسلف بهذا المفهوم لا يرغب مسلم عن الانتساب إليه ، كما لا يصح
أن تحتكره مجموعة معينة ، أو تستأثر به من دون المسلمين ...
فمن يدعي ذلك فكأنه يستأثر بالإسلام ويحتكره لنفسه .. وهذا خبل في
التفكير ، بل هو جناية على الإسلام وأمته ...
ولذلك فمن تمسك بالقرآن والسنة وتحلى بأخلاقهما وتأدب بآدابهما ..
واقتدى بما كان عليه سلف هذه الأمة من فهم للشريعة ومقاصدها ومراميها .. و ما
كانوا عليه من اعتقاد واتباع .. وأخلاق وآداب ....
فهو سلفي اتباعا : سواء كان حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا
أو ظاهريا ..أو غير ذلك ... وسواء كان صوفيا أو إخوانيا أو تبليغيا أو كان من أهل
الحديث أو كان وحدويا لا ينتمي لجماعة معينة ..
فالمعيار الذي يقاس به السلف اتباعا هو ما قد ذكرنا آنفا... وكل
أولاء تجمعهم رابطة واحدة هي : " انما المؤمنون اخوة".
وبالكشف عن هذه الحقيقة يتجلى لك أمران من الأهمية بمكان:
أحدهما : أنه لا يصح أن تستأثر
مجموعة معينة بهذا الانتساب .. ثم تحكم على كل من خالفها من المسلمين في الفقه أو
المعتقد أو الفكر بالضلال اوالابتداع أو الكفر أو مخالفة السنة ..أو غير ذلك.
والثاني: أن بعض المجموعات التي
تدعي لنفسها هذا الانتساب..
نجدها عند التحقيق أبعد ما تكون عن منهج السلف الصالح ..ولا بد من
الكشف عن هذه الحقيقة ؛ تبرئةً لهذا المنهج الرباني مما علق به من المفاهيم
السقيمة .. والسلوكات المشينة .. التي ترتبت عليها آثار جد خطيرة .. فرقت صفوف
المسلمين .. ونخرت قواهم .. واستحلت في أحيان كثيرة دماءهم وأموالهم ... والواقع
خير شاهد.
ويمتاز منهج السلف بميزات عديدة ، وبما أن الموضوع لا يسعه المقام
هاهنا ، فإني اكتفي بذكر ميزتين هامتين:
الميزة الأولى لمنهج السلف:
اعتقاد العصمة للكتاب والسنة دون سواهما:
أما اعتقاد العصمة لفهوم العلماء للكتاب والسنة واعتبار تلك الفهوم
هي الحق الذي يجب أن يتبع ، وما سواه فباطل ، فهذا لم يدعيه أحد من علماء السلف ..
ويشهد ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ أن ﻛﻞ ﻓﻘﻴﻪ ﻛﺎﻥشعاره:
"ﻓﻬﻤﻲ ﺻﻮﺍﺏ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻭﻓﻬﻢ ﻏﻴﺮﻱ ﺧﻄﺄ
ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ"
هذا هو منهج السلف ..أما المنهج ﺍﻟﺬﻱ نراه اليوم .. والذي ﻳﻌﺘﺒﺮ
ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﻟﻪ ﻣﺒﺘﺪﻋﺎً أوضالا يجب هجره والتحذير منه ... فهذا ليس منهجا سلفيا بل هو
منهج مبتدع ﻏﺮﻳﺐ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﻭﺍﻟﺨﻠﻒ ...... بل لا صلة له بالإسلام الذي جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم اطلاقا.
الميزة الثانية لمنهج السلف :
سلامة الصدور والألسن تجاه العلماء خاصة والمسلمين عامة.. وهو ما
تكفل القرآن المجيد ببيانه:
"وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا
الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...."
"وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم".
هذا منهج السلف تجاه إخوانهم المسلمين عامة .. والعلماء خاصة الذين
قال فيهم الطحاوي رحمه الله تعالى:
"ومن ذكرهم بسوء فهو على
غير السبيل"(9)
وأما من نراه اليوم من قطيعة وبغضاء .. وتحريض على قتل المسلمين
وسجنهم .. وطعن مقنن في العلماء تحت مسمى ( الجرح والتعديل)
فهذا ليس منهجا سلفيا ويجب أن يُبرأ منه منهج السلف...لأنه منهج
أهل النفاق الذين قال الله في شأنهم:
(( قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ )).
الهوامش
1-انظر تحرير المقالة ( ص
36
).
2- انظر الغزالي . إلجام
العوام ( ص 53
).
4- رواه البخاري ومسلم في
صحيحهما.
5- انظر: الشوكاني( التحف
في مذاهب السلف ( ص 7 ).
6- انظر السفاريني ( لوامع
الأنوار ( 1 / 20 ).
7- انظر ابن تيمية ( درء
تعارض العقل والنقل ( 7 / 134 )
8- انظر شرح جوهرة التوحيد
( ص 91 )
.
9- العقيدة الطحاوية ص445.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق