......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 22 أكتوبر 2015

عاشوراء بين السنة والشيعة

الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلا ، وأوضح لهم طرق الهداية وجعل اتباع الرسول عليها دليلا ، واتخذهم عبيدا له فأقروا له بالعبودية ولم يتخذوا من دونه وكيلا ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نشهد بها مع الشاهدين ، و ندخرها عند الله عدة ليوم الدين ، واشهد أن الحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه ، وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ، واشهد أن محمدا عبده المصطفى ، ونبيه المرتضى  ، ورسوله الصادق المصدوق ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، أرسله رحمة للعالمين وحجة للسالكين ، وحجة على العباد أجمعين ، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، صلاة دائمة بدوام السموات والأرضين، مقيمة عليهم أبدا لا تروم انتقالا عنهم ولا تحويلا.
"  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"  (آلعمران102)


مقدمة في فضل شهر الله المحرم

أيها الإخوة الكرام : نعيش هذه الأيام في ظلال شهر الله المحرّم ، وهو شهر مبارك ، وهو أول شهور السنّة الهجرية ، وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها : "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" [التوبة 36].
لذلك رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الصيام في شهر محرّم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّم" [رواه مسلم رقم 1982].


فضل عاشوراء ومراتب صيامه

ومن الأيام الفضيلة في هذا الشهر يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من محرم ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : "قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى ، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بصيَامِهِ" [رواه البخاري رقم 1865]. 
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أيضا- قَالَ : "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ " [رواه البخاري رقم1867]. 
وقال صلى الله عليه وسلم في بيان فضل صوم يومِ عاشوراءَ - :" إني أحتسبُ على الله أن يُكَفرِّ السنة التي قبله "[رواه مسلم ،رقم 1976]. 
وهذا من فضل الله علينا ، أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة ، والله ذو الفضل العظيم.
ولما كان اليهود يشاركوننا في تعظيم يوم عاشوراء أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم ، وذلك بأن نصوم يوما قبله أو بعده ؛ حرصا منه صلى الله عليه وسلم على عدم تشبه أمته باليهود والنصارى،    فعن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : "حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ، قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [ رواه مسلم، رقم 1916 ].
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن خزيمة قال صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده".
وبناء على هذه الأحاديث المتقدمة وغيرها تكون مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة ، قال الإمام ابن القيم :" فمراتب صومه ثلاثة: ‏‏أكملُها: أن يُصام قبله يومٌ وبعده يومٌ ، ويلي ذلك أن يُصام التاسع والعاشر، وعليه أكثرُ الأحاديث، ويلي ذلك إفرادُ العاشر وحده بالصوم". 


لم يثبت في عاشوراء غير الصيام

هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عاشوراء ، ولم يثبت عنه و لا عن أحد من أصحابه شيء غير الصيام في عاشوراء ، ولهذا فالمسلم يجب عليه أن يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم ؛ امتثالا لقول الله تعالى :"لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة".  وقوله تعالى :" وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
فلا يصح أن نزيد على ما شرعه النبي عليه الصلاة والسلام ، وإلا كنا مبتدعين في الدين ما لم يأذن به الله ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "[أخرجه البخاري ومسلم]. يعني أن من أحدث في الدين أمرا غير  مشروع ، فهو مردود على صاحبه وغير مقبول ، ومحدثه مأزور غير مأجور.


أفعال الشيعة في عاشوراء عمل جاهلي

ومن ذلك  ما تفعله الطوائف الشيعية في يوم عاشوراء ، حيث يلطمون الخدود ، ويشقون الجيوب ، ويفتحون بيوت العزاء ، وبعضهم يلبس السواد في شهر محرم ، وآخرون يُعبرون عن حزنهم بضرب رؤوسهم وأكتافهم بالسلاسل والسيوف .... ويمرون حول قبر الحسينالذي استشهد في هذا اليوم- على هيئة مواكب يبكون ويندبون ... وهم في ذلك كله يعتمدون على ما نُسب إلى أئمتهم زوراً وبهتانا " من بكى أو تباكى على الحسين وجبت له الجنة ". وهذا لا أصل له ، وهو  من أعمال الجاهلية ، ومن أكبر الكبائر ، قال صلى الله عليه وسلم :"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". [ورواه البخاري برقم 1215].


عقيدة أهل السنة في الحسين وموقفهم من مقتله

أما سيدنا الحسين رضي الله عنه الذي قتل يوم عاشوراء فنحن أهل السنة والجماعة نتقرب بحبه إلى الله ، ونقول فيه وفي أخيه الحسن ما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم: " هما ريحانتي من الدنيا ." ووصفهما أيضاً بأنهما : " سيدا شباب أهل الجنة "  
ويحزننا مقتله ونعتقد أنه قتل مظلوما وأن من قتله كان ظالما ، ولكننا لا نفعل ما يفعله الشيعة من البدع والمنكرات السابق ذكرها، ولقد كان أبوه علي أفضل منه فقتل ، وهم لا يتخذون يوم مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين ، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محاصر في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتما، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم مقتله مأتما، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الشيعة يوم مصرع الحسين، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين ككسوف الشمس والحمرة التي تطلع في السماء وغير ذلك من الخزعبلات .....
وفي هذا العصر - الذي كثرت فيه الفتن ، وكثر فيه الدجالون ، وأصبح لهم فضائيات ، ووسائل اتصال متعددة  ينشرون بها  دجلهم وخرافاتهم - ينبغي للمسلم أن يصحح عقيدته ؛ لأن نجاته يوم القيامة متوقفة على سلامة اعتقاده ،  وأن يتسلح بسلاح العلم الشرعي الذي يحميه من الافتتان بأهل البدع والأهواء.....
قال صلى الله عليه وسلم :" فإنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكُم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ من بعدِي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ". ] الدارمي٬ أبي داود[ .


آراء الفقهاء في التوسعة على العيال ليلة عاشوراء

بقية مسألة أخرى نشير إليها بإيجاز ، تتعلق بما يفعله الناس عندنا من التوسعة على العيال ليلة عاشوراء ، فهذه المسألة قد اختلفت فيها أنظار الفقهاء عندنا نحن أهل السنة والجماعة:
-    فذهب بعضهم إلى أنها من الابتداع في الدين ، وممن ذهب إلى ذلك أحمد بن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما ، وحجتهم أن هذه الأمور لم يأمر بها النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولم يفعلها خلفاؤه الرّاشدون ولا الصّحابة ولا التّابعون ؛ فتكون بدعة .
-    وذهب فقهاء آخرون إلى استحبابها ، وممن ذهب إلى ذلك :  ابن عابدين الحنفي  في حاشيته ، والحطاب المالكي في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ، وكذلك البهوتي الحنبلي في  كشاف القناع عن متن الإقناع ، وغيرهم ، وحجتهم ، ما رواه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن أبي الدنيا ... كلهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ". وهو ضعيف.
والراجح - والله أعلم- أنه لا يصح أن نقول ببدعيتها ؛ لأنها عادة لا تصام أصلا من أصول الشرع وقواعده الكلية ، و لا يصح – أيضا- أن نقول باستحبابها ؛ نظرا لضعف الأثر الوارد فيها.
     وإنما هي عادة جارية على الإباحة ، وقد سألنا الشيخ أحمد إدريس رحمه الله تعالى عن ذلك فقال :" لا نأمر بها و لا ننهى عنها".
     ومما يدل على رجحان هذا القول القاعدة المقاصدية:" ما كان من المذاهب وسطا كان أخلق بالإتباع".
     وفي ذلك يقول شيخ المقاصديين أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله : " إذا ثبت أن الحمل على التوسط هو الموافق لقصد الشارع ، وهو الذي كان عليه السلف ، فلينظر المقلد أي المذهبين كان أجرى على هذا الطريق ، فهو اخلق[أجدر وأحق] بالإتباع وأولى بالاعتبار". والله وحده أعلى وأعلم بالصواب

جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 والحمد لله رب العالمين.


 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق