......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الأحد، 12 يناير 2014

المبحث السابع : "الغسل وأحكامه"


المطلب الأول : تعريفُ الغسل وحكمُه

v    شرع الباري جل ثناؤه الغسل لحكم جليلة ، منها :
v    ليؤدي به المؤمن ما افترض الله عليه من العبادات، وليتأهب به لمناجاة الله تعالى على أحسن الأحوال وأكملها.
1)  لمحو الذنوب والخطايا ورفع الدرجات ؛ لأن الغسل طهارة كبرى مشتملة على الوضوء ، وفي الحديث : " أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ "[1].
2)    لنيل محبة الله تعلى والفوز برضاه؛ لقوله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ  "(البقرة222).
v    لإعطاء الجسد قوة ونشاطا ونضرة وجمالا.
v    لتنظيف ظاهر الجسد من الأقذار ، وفي ذلك وقاية له من الأمراض .
وفيما يلي تعريفه وبيان حكمه وأنواعه:

أولا: تعريف الغُسل :

          أ‌-          لغـــــــة:
v    الغُسـل: بضم الغين : اسم للماء الذي يغتسل به  ، كما يطلــــــق على الفعل أيضـا.
v    والغَسل: بفتح الغين : يطلق على الفعل ، فتقول: غَسلتُ الشيءَ ؛ أي طهرته بالماء.
        والغِسل بكسر الغين:  ما يغسل به الشيء من سدر وصابون ونحوهما.................

        ب‌-        اصطلاحا:
        هو: "إيصال الماء لجميع الجسد بنية استباحة الصلاة مع الدلك"[2].
ثانيا: حكم الغُسل:

     واجب على المكلف ( البالغ العاقل ذكرا كان أو أنثى) ، عند حدوث موجب من موجباته. والأصــل في مشـــــــــروعيته:    
1-  قوله تعالى: "وإن كنتم جنباً فاطهروا" [المائدة: 5]. وقوله تعالى: " فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله..." (سورة البقرة آية: 222).
2-  حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : جَاءَتْ أَمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهِ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ ؟ فَقَالَ: «تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا»[3].
3-    أجماع الأمة على مشروعية ووجوبه عند حصول أحد موجباته .


المطلب الثاني: موجبات الغســـــل

والمراد بها :  الأسباب التي توجب الغسل ، وتسمى حدثا أكبر ، وهي ستة أمور :

  أولا: خروج المني بلذة معتادة:[4]

سواء كان من الرجل أو المرأة ، ولخروجه حالتان :

أولاهما : خرجه في حالة النوم :
 ويعبر عنه بالاحتلام ، فيجب منه الغسل مطلقا ، سواء كان بلذة أم بغير لذة ، فمتى استيقظ المكلف من النوم ووجد في ثوبه منيا وجب عليه الغسل ، ولو لم يشعر بخروجه ؛ لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا. قَالَ: «يَغْتَسِلُ» ، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ. قَالَ: «لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَقَالَتْ: أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ ؟ قَالَ: «نَعَمْ. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»[5].

والثانية: خرجه في حالة اليقظة بلذة معتادة:
سواء خرج بسبب نظر أو فكر أو مباشرة ... فيجب منه الغسل ولو خرج بعد ذهاب اللذة . وأما إذا خرج المني بغير لذة معتادة ، كمن حك جربا أو نزل في ماء ساخن أو هزته  دابة فأمنى ، فلا غسل عليه ، وإنما عليه الوضوء فقط .

  ثانيا: الجمـــاع:

 وذلك بتغييب الحشفة[6] -  ولو بحائل غير كثيف لا يمنع اللذة - في فرج شخص مطيق للجماع ، قبلا أو دبرا [7]،  من ذكر أو أنثى أو خنثى ، ولو كان غير بالغ ، حيا كان أو ميْتا ، فيجب عليه الغسل سواء أنزل أم لم ينزل ، ولو كان الموطوء بهيمة  ؛ ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه و سلم - : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل "[8].  وفي رواية:   "وإن لم ينزل"[9].   وفي رواية:  " ..ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل "[10].

أما الموطوء فلا يجب عليه الغسل إلا بثلاثة شرائط ، وهـــــي :
1 - أن يكون بالغا ، فإن كان مميزا ندب له الغسل وإلا فلا يندب.
2 - أن يكون الواطئ مكلفا ، فإن كان صبيا مميزا فلا يجب الغسل على الموطوءة البالغة إلا إذا أنزلت.
3 - أن يكون الموطوء حيا ، فإن كان ميتا فلا يعاد غسله.

        ثالثا:  الحيض:

يجب الغسل بانقطاع دم الحيض ، فالانقطاع شرط لصحة الغسل ؛ لقوله تعالى : " فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن . . . ". فقوله تعالى :((حتى يطهرن)) معناه:انقطاع دم الحيض ، وقوله تعالى ": (( فإذا تطهرن)) معناه : اغتسلن بالماء.

         رابعا: النفاس:

الموجب الرابع النفاس ،  وهو الدم الخارج عند الولادة أو عقبها ، فيجب الغسل بانقطاع دم النفاس إجماعا ، أما إن ولدت المرأة ولم يخرج منها دم ، فالراجح وجوب الغسل أيضا ، إلحاقا لحكم الصورة النادرة بحكم غالبها.

        خامسا: دخول الإسلام:

إذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل ، وهو المشهور من مذهب مالك ؛ لما روي عن أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ ثُمَامَةَ الْحَنَفِيَّ لما أَسْلَمَ ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أَنْ يَغْتَسِلَ وَيصَلَّى رَكْعَتَيْنِ"[11].
v  واختلف في علة إيجاب الغسل عليه ، فقيل : لأن حاله لا يخلو من الجنابة ، أو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة . وقيل: أن العلة تعبدية .
v  فعلى القول الأول لا غسل على من أسلم إذا لم يكن جنبا ، وعلى القول الثاني يجب عليه الغسل مطلقا ، والمسألة قد جرى فيه خُلْف كبير بين علمائنا ، ولأحوط هو إيجاب الغسل ، والله أعلم .

ومثل الكافر المرتد ، وهو من كفر بعد الإيمان ، ، فالردة محبطة للعمل ، بدليل قوله تعالى : " لئن أشركت ليحبطن عملك " (الزمر: 65). ومن العمل الغسل.

        سادسا: الموت:

يجب - وجوبا كفائيا - تغسيل المسلم إذا مات ، لحديث أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ " اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ.."[12] ويستثنى من ذلك الشهداء فلا يُغسلون.

المطلب الثالث: أنواع الغســـــل

ينقسم الغسل إلى ثلاثة أنواع : واجب ومسنون ومستحب:

أولا: الغسل الواجب :

وذلك عند حصول موجب من موجباته الستة التي سبق بيانها.

ثانيا: الغسل المسنون:

1-    غسل الجمعة:
يسن لمصلي الجمعة ولو لم تكن واجبة عليه ، لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل"[13] ويشترط في صحته : أن يكون بعد طلوع الفجر ، وأن يكون متصلا بالذهاب إلى المسجد ، فإن تقدم على الفجر ، أو تقد كثيرا عن الذهاب إلى المسجد ، لم تحصل السنة فيعيده لأجل تحصيلها[14].

قال ابن عاشر رحمه الله :
وسُــــــنَّ        غُسْـــل بالـرَّواح  اتَّصــــلا              نُدب  تَهْــجــير وحال جُمُــلا
2-    غسل الإحرام:
يسن الغسل لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة ، ولو كان المحرم حائضا أو نفساء ، وتحصل السنة باتصاله بالإحرام ، فإن تأخر عن الاحرام كثيرا أعاده ،  ودليله ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه : " تجرد لإهلاله واغتسل"[15].  

ثالثا: الغسل المستحب:

v    غسل العيدين:
 يستحب الغسل للعيدين  ، لما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عَنهما قال: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى"[16].
ويدخل وقته في السدس الأخير من الليل ، ويستحب أن يكون بعد طلوع فجر العيد، ولا يشترط اتصاله بالتوجه إلى مُصلى العيد ؛ لأنه لليوم لا للصلاة ، فيطلب ولو من غير المصلي.
1-    الغسل بعد تغسيل الميت.
 فيستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل ؛ لقوله -  صلى اللَّه عليه وسلم -: "من غسل ميتاً فليغتسل"[17].
2-    الغسل لدخول مكة:
وهو مطلوب للطواف ؛ فيسقط عن الحائض والنفساء ؛ إذ لا طواف عليهما.
3-    الغسل للوقوف بعرفة.
يستحب الغسل للوقوف بعرفة ولو لحائض أو نفساء.
4-  الغسل لدخول المدينة المنورة. على ساكنها أفضل الصلاة والسلام .
فهي من أشراف البقاع وأطهرها ، وقد كان مالك لا يركب البغلة فيها ؛ إجلالا ساكنها عليه الصلاة والسلام.
5-    غسل الصبي إذا وطئ  مطيقة للجماع.
يستحب الغسل للصبي المأمور بالصلاة إذا وطئ امرأة مطيقة للجماع ، وكذلك يستحب الغسل للصبية المأمورة بالصلاة إذا وطئها بالغ ؛ لأن الواجب في حق غير البالغ مستحب.
6-    غسل المستحاضة عند انقطاع دمها.

المطلب الرابع: فرائـض الغســـــل

للغسلِ  خمسُ فرائضَ لا تقوم حقيقتُه الشرعية إلا بوجودها مجتمعة ، وهي:

 أولا : النية :

والأصل في وجوبها : حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "[18] . وفيه مضاف محذوف ، تقديره: (إنما صحة الأعمال...) ، والغسل عمل فلا يصح بدون نية.
v    وحقيقتها: أن يقصد الكلف بقلبه ما يريد فعله ،  فهي عمل قلبي لا دخل للسان فيه .
v    وحكمتها: تمييز ما هو عادة عما هو عبادة ، وتمييز العبادة المفروضة عن العبادة المسنونة أو المستحبة.
v    ووقتــها: عند غسل أول جزء من أجزاء البدن ، سواء ابتدأ بالفرج أو بغيره ، و لا يضر تقدمها بوقت يسير.
v  وكيفيتها: أن ينوي المكلف أداء فرض الغسل ، أو رفع الحدث الأكبر ، أو رفع الجنابة ، أو استباحة ما منعه الحدث الأكبر ، أو استباحة الصلاة.
v  ويصح رفع أكثر من حدث بغسل واحد ، كما لو اغتسلت المرأة بنية رفع الجنابة والحيض والنفاس ، و لا يضر نسيان حدث ، كما لو نوت المرأة رفع الجنابة ناسية للحيض مثلا .
v    ولا يضر في النية إخراج بعض ما يستباح بالغُسل ، كأن ينوي استباحة الصلاة دون الطواف أو العكس.
v  ولكن لا يصح غسله إذا أخرج ما قد حصل منه ، كأن يقول: نويت الغسل من الجماع لا من الاحتلام  ، والحال أنه أحتلم ، فإن أخرج ما لم يحصل منه صح غسله.
v  ويصح إشراك الغسل الواجب مع الغسل المسنون أو المستحب ، كأن ينوي رفع الجنابة والغسل للجمعة أو للإحرام أو الوقف بعرفة ، فيحصل له ثواب كل منهما ، سواء قدم الغسل الواجب أو المسنون أو المستحب في النية .

ثانيا : تعميم ظاهر الجسد بالماء :
ومن دلائله : حديث ميمونة في وصف غسل النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيه:"..ثم غسل سائر جسده"[19].
ويحصل ذلك بأن ينغمس في الماء ، أو يصبه على جسده بيده أو بغيرها ، كتلقيه الماء من المرشات التي تضخ المياه في الحمامات.
ويجب عليه أن يخلل بين أصابع  رجليه ويديه ، وأن يتعهد جميع مواطن بدنه ويتتبع تكاميشه ، كالشقوق والســرة والإبطين ، وكل ما غار من البدن[20] ؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم "إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشَّعرَ، وأنْقُوا البَشَر"[21].
وليس من ظاهر الجسد الواجب غسله الفم والأنف وصماخ الأذنين ، ولذلك كانت المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين من سنن الوضوء لا من فرائضه.

ثالثا : الموالاة(أو الفور) :
وهي الإتيان بجميع أفعال الغسل متوالية من غير تفريق بينها بزمن طويل ، بشرط أن يكون ذاكرا للموالاة وقادرا عليها ، وقد تقدم الكلام عنها في مبحث الوضوء ، فانظر دليلها وشروطها وتفاصيلها في ص 32.

 رابعا : الـدلك:
وهو : إمرار العضو على ظاهر الجسد، يداً أو رجلاً، فيكفي دلك الرِجْل بالأخرى، ويكفي الدلك بظاهر الكف وبالساعد والعضد، بل يكفي بالخرقة عند القدرة باليد على الراجح: بأن يمسك طرفيها بيديه، ويدلك بوسطها، أو بحبل كذلك، ويكفي ولو بعد صب الماء وانفصاله عن الجسد ما لم يجف، فإن تعذر الدلك سقط.
فإن تركه أو استناب من يدلك له مع القدرة على ذلك لم يجزئه ويجب عليه إعادة الغسل ، ولو تحقق وصول الماء إلى البشرة .
والمشهور أن الدلك واجب لذاته ؛ لقوله تعالى :" و لا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا" (النساء00). فلا يتصور اغتسال من غير دلك ؛ لأن العرب تفرق بين الغسل بالماء ، وبين الانغماس فيه ، فالأول يستلزم الدلك بخلاف الثاني.
وقيل واجب لغيره ، أي لأجل إيصال الماء إل سائر أجزاء الجسد الظاهرة ، وتعميم ظاهر الجسد بالماء واجب كما أسلفنا،      ((وما لا يتم الواجب إلا به فهو اجب)) ، وعلى هذا القول فمن انغمس في بحر أو نهر أو نحوهما بنية الاغتسال ، صح غسله ولو لم يدلك ، وهو قول جمهور أهل العلم خلافا لمشهور المالكية. 

خامسا : تخليل الشعر:
فيجب تخليل الشعر ولو كان كثيفا ، سواء في ذلك شعر الرأس أو غيره ، وذلك بأن يضمه ويعركه عند صب الماء ، حتى يصل الماء إلى البشرة .
ولا يجب على المغتسل نقضُ مضفورِ شعرِه ، ما لم يشتد الضفر، حتى يمنع وصول الماء إلى البشرة ، أو يضفر بخيوط كثيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة ، أو إلى باطن الشعر؛ لما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال : " لا ، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضن عليه الماء فتطهرين "[22].
ويستثنى من ذلك شعر العروس إذا زينته ، أو وضعت عليه طيبا ونحوه من أنواع الزينة ، فإنها لا يجب عليها غسل رأسها في هذه الحالة ، لما في ذلك من إتلاف المال ، و يجزئها أن تغسل بدنها وتمسح رأسها بيدها ، فإن كان على بدنها كله طيب ونحوه ، تخشى إتلافه بالماء سقط عنها فرض الغسل وتيممت[23].


المطلب الخامس: سنن الغســـــل

v    سنن الغسل خمس ، وهـــــــــــي :

1-    غسل اليدين إلى الكوعين:

يسن غسل اليدين إلى الكوعين ثلاثا قبل إدخالها في الإناء ، إن كان الماء قليلا وغير جار ، وأمكن الإفراغ منه ، كآنية الوضوء أو الغسل، أما إن كان الماء كثيرا أو جاريا ، أو لا يمكن الإفراغ منه ، فتحصل السنة بغسلهما في الإناء ، سواء كانتا نظيفتين أم متنجستين ، ما لم يخش تغير الماء بنجاستهما إن هو أدخلهما فيه ، فإنه يتحيل على غسلهما خارجه إن أمكن، أو يزيل نجاستهما بتراب ونحوه ، ثم يغسلهما فيه ،  والراجح أن الغسلة الأولى سنة ، والثانية والثالثة مستحبتان .

2-    والمضمضة:

وهي إدخال الماء إلى الفم وخضخضته ثم طرحه ، فإن ابتلعه ، أو أدخله ومجه من غير تحريك ، أو تركه يسيل من فمه ، لم يكون آتيا بالسنة ،  ويستحب أن تكون ثلاثا.

3-    الاستنشاق:

وهو جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف ، فإن دخل من غير جذب فلا يكون آتيا بالسنة ،  ويندب أن يكون ثلاثا.

4-    الاستنثار:

وهو طرح الماء من الأنف بالنفس ، ويندب أن يضع إصبعيه السبابة والإبهام من يده اليسرى على أنفه كما يفعل في امتخاطه.

5-    مسح صماخ الأذنين:

والصماخ: هو ثقب الأذن ، ولا يبالغ في المسح ؛ لأنه مضر بالسمع ، وأما ظاهر الأذنين وباطنهما فواجب غسلهما ؛ لأنهما من ظاهر الجسد الذي يجب غسله.

ومن دلائل هــــذه السنن :

v    حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت:
     " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ ثُمَّ تَوَضَّأَ
      مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلاَةِ"[24].
v    حديث ميمونة رضي الله عنها، قالت:
v    "وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به ، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ، ثم أفرغ بيمينه عـــــلى
v    شماله فغسل مذاكيره ، ثم دلك يده بالأرض ، ثم مضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ويديه ، ثم غسل رأسه ثلاثا ، ثم
     أفرغ على جسده..."[25].

فإن قيل : أنه لم يأتي التصريح في هذه النصوص بمسح الأذنين ، فالجواب : أن قول عائشة :"ثُمَّ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلاَةِ"
يستفاد منه الإتيان بجميع أفعال الوضوء ، بما فيها مسح الأذنين .


المطلب السادس: مستحبات الغســـــل ومكرهاته[26]

أولا : مستحبات الغسل:
المستحبات : هي ما طلبها الشارع ولم يؤكد على طلبها ، فيثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ، ويعبر عنه بالفضائل والمندوبات،
والآداب ، ومستحبات الغسل كثيرة ، نذكر أهمها بصفة مجملة:

1.     إيقاع الغسل في محل طاهر ؛ لكونه عبادة مشتملة على ذكر الله تعالى ؛ ولئلا يتطاير إليه ما ينجسه.
التسمية في أوله ، والإمساك عن الكلام بغير ذكر الله تعالى إلا لحاجة ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : "..ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه "[27]. والغسل طهارة مشتملة على الوضوء  فتستحب فيه التسمية.
2.     استحضار النية ، بأن يستصحب ذكرها  إلى آخر غسله .
3.     الاستتار عن أعين الناس ، وستر عورته ولو كان خاليا .
4.     تقليل الماء مع إحكام الغَسل ؛ لكراهة الإسراف في كل شيء .
5.  التيامن [28] ؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب التيامن في شأنه كله في نعليه وترجله وطهوره "[29] .
6.     إزالة الأذى قبل الغسل ، فيزيل ما عليه من النجاسة كالمني ونحوه.
7.     إعادة غسل اليد اليسرى بعد إزالة النجاسة من فرجه ، بأن يمسحها بتراب أو حجر أو يغسلها بماء وصابون.
8.  يستحب أن يتوضأ وضوءه للصلاة قبل الغسل – بما في ذلك مسح رأسه – بنية رفع الحث الأكبر ، وإن نوى الأصغر أجزأه ، وإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى آخر الغسل ، والأفضل أن يقدمهما .
9.  تخليل أصول شع رأسه قبل أن يفرغ عليه الماء ، بأن يغمس يديه في الماء بعد وضوئه ، ثم يرفعهما مبللتين ، فيخلل بهما شعر رأسه ، وفي ذلك فائدة طبية هامة ، وهي :( تنبيه أعصاب الدماغ لتنقبض مسامه ؛ فيأمن من الإصابة بالزكام).
10.            تقديم أعال الجسد على أسافله .
11. تثليث غسل الرأس ،  بأن يغرف عليه ثلاث غرفات من الماء ، ولو عم جميع رأسه بالغرفة الواحدة ؛ لأنه الوارد في صفة غسله عليه الصلاة والسلام.
12.     الإتيان بالدعاء المأثور بعد الغسل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"[30]. والغسل طهارة مشتملة على الوضوء  فتستحب فيه التسمية كما تقدم.
13.     صلاة ركعتين بعد الغسل كما هو الحال في الوضوء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة"[31].
فروع هامة
v   لا يُعاد الوضوء بعد الغسل ، إلا إذا حصل أحد نواقضه كمس الذكر ، سواء حصل ذلك أثناء الغسل أو بعده.
v   من اغتسل بنية رفع الحدث الأكبر ، ثم تبين له أنه لم يكن جنبا ، أجزأه وضوء ؛ لنيابة الحدث الأكبر عن الأصغر.
v   إذا توضأ قبل غسله فلا يلزمه إعادة غسل أعضاء الوضوء أثناء الغسل.

ثانيا : مكروهات الغسل :

ويكره في الغسل عكس ما سبق في فضائله ، فيكره فيه ما يلي :
1.     الغسل في البقة النجسة.
2.     الإسراف في الماء .
3.     الكلام أثناء الغسل بغير ذكر الله تعالى.
4.     تقديم أسافل الجسد على أعاليه.
5.     كشف العورة حال الغسل إذا كان بخلوة ، أو مع زوجته أو أمته ، وإلا حرم أمام الأجانب.
6.     ترك سنة من سنن الغسل السابق ذكرها.
7.     البول في الموضع الذي يغتسل فيه ؛ لأن عامة الوسواس منه.
8.     البالغة في الدك ؛ لأن من الغلو المذموم.
9.     الغسل بالمياه المكروهة .
فروع هامة
v   يجوز النوم قبل الاغتسال من الجنابة ، ولكن يستحب له إزالة الأذى ، وأن يتوضأ وضوءه للصلاة .
v   يجوز معاودة الجماع قبل الاغتسال ، ولكن يستحب له الوضوء ، سواء عاد للتي جامعها أو لغيرها.
v   يجوز للصائم في رمضان أو في غيره أن يصبح جنبا .
v   يجوز للزوجين أن يغتسلا معا من  إناء واحد.
v   يجوز الاغتسال من بفضلة طهور المغتسل ، ذكرا كان أو أنثى.
v   يجوز الاغتسال بماء زمزم خلافا للإمام أحمد.
v  يجوز الاستعانة بالغير في الغسل ، في دلك أ جلب ماء أو صبه ، بشرط أن  يأمن من كشف العورة، إن كان المستعانُ به غيرَ زوجة أو أمة.

المطلب السابع: الكيفية المستحبة للغســـــل

الكيفية المندوبة في الغسل ، هي تلك الواردة  في صفة غسله - صلى الله عليه وسلم - ، فهي أكمل الصفات ؛ لاشتمالها على الفرائض والسنن والمستحبات ، وهــــــي كالآتي :

v أن يجلس المغتسل في موضع طاهر ، مستترا عن أعين الناس ، وينوي - يقصد بقلبه - الغسل من الجنابة [32]، أو من الحيض أو النفاس ، أو الغسل للجمعة أو الإحرام .. أو غير ذلك مما هو قاصده.
v   ثم يبسمل و يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء .
v ثم يغسل فرجه وما يحيط به ، ويزيل ما على جسمه من أذى، ويكف عن مس ذكره بباطن كفه ، و لا يُطلب الكف من المرأة ، لأنها لا ينتقض وضوؤها بمسها فرجَها إلا إذا ألطفت[33].
v   ثم يغسل يده  اليسرى التي أزال بها النجاسة.
v ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، فيتمضمض ثلاثا ، ويستنشق ويستنثر ثلاثا ،  ثم يغسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاثا [34] ، ويمسح رأسه كما في الوضوء ، ويمسح أذنيه ، وإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى آخر الغسل ، والأفضل أن يقدمهما .
v   ثم يبلل أصابع يديه ويغرسهما في أصول شعر رأسه فيخلله .
v   ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات من الماء ، يعممه بكل واحدة منهن  ، و يعركه بيده.
v   ثم يغسل ظاهر أذنيه وباطنها إثر رأسه ، ويمسح صماخ ( ثقب ) أذنيه من غير مبالغة .
v   ثمَّ يغسل رقبته فمَنْكِبَيْه إِلَى الْمرْفقين ، ويخلل تحت إبطيه.
v ثم يفيض الماء على شقه الأيمن من الكتف إلى القدم ، ويتدلك من غير تشديد، ويفعل بالشق الأيسر مثل ما فعل بالأيمن.
v   ثم يغسل ظهره ، ويدلكه بيده ، وما عسر الوصول إليه يدلكه بالمنديل ونحوه كالحبل والتوكيل.
v   ثم يغسل بطنه  ويخلل سرته ، وليحترز من مس ذكره ؛ حفاظا على وضوئه.
v فإن كان قدم غسل قدميه كمل غسله ، وإن كان أخرهما غسلهما وكمل غسله ، ويجزئه هذا الغسل  عن الوضوء ما لم يحصل له ناقض كمس الذكر .
v   ثم يأتي بالدعاء المأثور[35] عقب غسله .
v   ثم يصلي ركعتين يخشع لله فيهما .



[1] مسلم.1/219/ رقم251.
[2] حاشية الصاوي على الشرح الصغير:160/1.
[3] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض باب 22 / 87
[4] خروج المني : يعني  انفصاله من مقره ووصوله إلى قصبة الذكر في حق الرجل ، وفي حق المرأة بروزه عن الفرج ووصوله إلى محل ما يغسل عند الاستنجاء ، وهو ما يبدو منه عند الجلوس لقضاء الحاجة ، لا لمجرد إحساسها بانفصاله . وصفات المني عند الرجل أبيض ثخين يخرج بتدفق ذو رائحة كرائحة الطلع أو العجين إن كان رطبا .
 وإن كان جافا فرائحته كرائحة البيض المشوي . وأما عند المرأة فهو أصفر رقيق ، لا يخرج بتدفق بل يسيل.
[5] أبوداود .كتاب الطهارة (1) . باب بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ الْبِلَّةَ فِي مَنَامِهِ(53) رقم(236).
[6] وهي رأس الذكر أو مقداره بالنسبة لمقطوع الذكر.
[7] أما تغييبها في غيرهما فلا يوجب الغسل إجماعا ما لم ينزل .
[8] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض باب 7 / 32
[9] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض باب 22 / 87
[10] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض بجحاث             اب 22 / 88
[11] ابن خزيمة . 1/ 125 / رقم 253.
[12] مسلم. كتاب الجنائز(12). باب في غسل الميت (12). رقم (2211).
[13] مسلم: كتاب الجمعة (8).  باب )1) . رقم (1988).
[14] وأجاز ابن وهب من المالكية الغسل بعد الفجر ولو طال الوقت بينه وبين الذهاب إلى المسجد وفاقا للشافعي وأبي حنيفة. وفي هذا القول تيسير على الناس وأصون لصحتهم لاسيما في وقت الشتاء.
[15] أخرجه البيهقي  في الكبرى. كتاب المناسك. باب الغسل للإحرام . رقم 1191
[16] أخرجه الترمذي.كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها(5). باب ما جاء في الاغتسال في العيدين(169). رقم (1315).
[17] أخرجه البيهقي  في الكبرى. كتاب الطهارة. باب الغسل من غسل الميت . رقم 1333
[18] مسلم : ج 3 / كتاب الإمارة باب 45 / 155
[19] النسائي في سننه الكبرى ج1/ص120 ح251
[20] و لا يلزم المرأة نزع خاتمها وأساورها ، فإن كانت واسعة اكتفت بتحريكها ، وإن كانت ضيقة فهي كالجبيرة ، بجامع الإذن فيهما.
[21] سنن الترمذي. ح رقم 106— سنن أبي داود ح رقم 248 – السنن الكبرى للبيهقي . ح رقم 860. وهو حديث ضعيف .
[22] مسلم : ج 1 / كتاب الحيض باب 12 / 58.
[23] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير . تحقيق محمد عليش.  دار الفكر - بيروت - ( د ت ط) . ج1/ ص134
[24] صحيح مسلم . كتاب الحيض(4). باب صفة غسل الجنابة(9). رقم (747).
[25] السنن الكبرى للبيهقي . كتاب الطهارة . باب إفاضة الماء على سائر الجسد . رقم 806.
[26] راجع : التاج والإكليل لمختصر خليل . لمحمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري. ج1/ص314  وما بعدها . ** وحاشية الصاوي على الشرح الصغير. ج1/ص290.
** وفقه العبادات على المذهب المالكي. للحاجّة كوكب عبيد . ص88 ** وأحكام الطهارة   للدكتور موسى إسماعيل . من ص 252 إلى 270.
[27] أبو داود : ج 1 / كتاب الطهارة باب 48 / 101
[28] وهو تقديم العضو الأيمن على الأيسر ن والشق الأيمن على الشق الأيسر.
[29] مسلم : ج 1 / كتاب الطهارة باب 19 / 67
[30] مسلم . ج 1 / كتاب الطهارة باب 6 / رقم 576 .
[31] مسلم . ج 1 / كتاب الطهارة باب 6 / رقم 576 .
[32] أو ينوي رفع الحدث الأكبر ، أو ينوي أداء فرض الغسل ، أو ينوي استباحة ما منعه الحدث الأكبر.
[33] الإلطاف : أن تدخل أصبعها في فرجها.
[34] ولو اقتصر على غَسلة واحدة أجزأه.
[35] أنظره: في مستحبات الغسل ص 46

هناك 5 تعليقات:

  1. لماذا يطلق على الغسل الوضوء الكبرى

    ردحذف
  2. يطلق على الغسل الطاهرة الكبرى لأنه يشتمل غلى غسل الجسد كله

    ردحذف
  3. متى يكون الغسل واجبا ومتى يكون مستحبا ؟

    ردحذف
  4. متى يكون الغسل واجبا ومتى يكون مستحبا ؟

    ردحذف
  5. انتم ليس لديكم فائدة

    ردحذف