......................................................................... ..... ..................................كل الحقوق محفوظة لمؤلف المدونة

بحث في هذه المدونة

الخميس، 21 مارس 2013

حديث عن النصر بمناسبة يوم النصر 19 مارس 1962

محامد
الحمد لله حق حمده ، الحمد لله الذي بحمده يبلغ ذو القصد تمام قصده ، نحمده تعالى على تفضله وإنعامه ، ولطفه وإحسانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدا عبد الله و رسوله  ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد/
مقدمة
في  التاسع عشر من شهر مارس 1962 صدر قرار بتوقيف القتال بين جيش التحرير الجزائري  والجيوش الفرنسية الغازية ، فوضعت الحرب أوزارها وتوالت البشائر بالنصر المبين ، بعد تلك التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا في سبيل عقيدته وحريته ، فكان هذا اليوم الأغر الأزهر فاصلا بين مرحلتين ، مرحلة القهر و الاستعمار ، ومرحلة السيادة والانتصار ، و لذلك  سمي هذا اليوم بيوم النصر  .
 والنصر – أيها الإخوة - قضية عظيمة ، في سبيلها تبذل الأرواح والأموال ...و قد جبلت النفوس على محبتها والفرح والابتهاج بها ... كما قال الله تعالى: "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّه" [الروم(4)]   
مفهوم النصر وأنواعه
 والنصر يعني:  الفوز والنجاح والتفوق في مختلف المجالات ، و لا يقتصر على الانتصار في المعركة فحسب ، بل يشمل انتصار  الإنسان على نفسه وشهواته ورغباته وما يحيط به من الظروف القاسية............كما يشمل انتصار  الإنسان على عدوه .  فمن انتصر على نفسه ُعد منتصراً، ومن انتصر على الظروف التي تعيق نجاحه عد منتصراً، ومن انتصر على شهواته التي تحجبه عن الله عد منتصراً، ومن انتصر على عدوه في ساحة المعركة عد منتصراً.
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
والنصر بمختلف أنواعه هو بيد الله وحده ، فليس هناك قوة في الكون تستطيع أن تمنح النصر إلا الله ، قال تعالى :"وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " " فأي نصر و أي نجاح و أي تفوق في الأرض لا يتحقق إلا بتوفيق من الله تعالى ، فمن نصره الله فلا غالب له ، ومن خذله الله فلا ناصر له ، قال تعالى: " إ ِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"
عوامل النصر
حقا أن النصر من عند الله وحده ، ولكن  له أسباب وعوامل ؛  فتى وجدت تلك الأسباب تحقق النصر بإذن الله تعالى ، ومن أسباب النصر وعوامله :
1الإيمان الصادق والعمل الصالح. يقول الله تعالى : "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا "[النور(53)]    ففي بداية الآية قال تعالى:"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" ثم قال:      " َعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا "  وإذن : فلابد من إيمان صادق و لابد عمل صالح و لا بد من إخلاص العبودية لله وحده ليتحقق وعد الله بالنصر والتمكين.
2 التوكل على الله والاستنصار به . مثلما كان يفعل نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ففي غزوة بدر استقبل الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ و جَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّه  قائلا:ِ "  اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ" فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ وستغيثه ، وَ يدَاه ممدودتان إلى السماء حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ...والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما استغرق في التضرع والاستغاثة لم يكن شاكا في تحقق ما وعده الله به من النصر ، وإنما ليبين لأمته أن التضرع لله والاستنصار به  هو وظيفة ينبغي أن يقوم بها المسلم في سائر أحواله .
3  الصبر والثبات والإكثار من ذكر الله .  فالنصر لا يمكن أن يتحقق إلا بعد الابتلاءات والتمحيص ، فإذا صبر المؤمنون وثبتوا  جاءهم  نصر الله ، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا..." [الأنفال(46)]. و قال سبحانه وتعالى : "فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"[ الأنفال (67)] فاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، و من كان الله معه فلا غالب له .
4   الائتلاف وعدم الاختلاف. وهذا عامل هام ؛ لأنه إذا كانت الأمة مفرقة ومشتتة ، فلن يكون النصر حليفها أبدا، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة : "و لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"( الأنفال47) أي ؛ تذهب هيبتكم وقوتكم .
5  إعداد العدة والأخذ بالأسباب . قال الله: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ..." ( الأنفال61)  فكل ما تستطيع إعداده  من أسباب القوة، فأعده صغيراً كان أو كبيراً.
لكن الناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يجد أنهم قد ضيعوا كل هذه الأسباب التي أشرنا إليها ، إلا من رحم الله وقليل ما هم ، لذلك لا بد من مراجعة دقيقة لأنفسنا وأحوالنا ، لأننا بتركنا لهذه الأسباب موقوفون على الخطر ؛فالنصر كما نسعى ونضحي من أجل تحقيقه ،  يجب أن نسعى – أيضا – إلى المحافظة عليه بعد إحرازه ، وذلك بأن نحقق هذه العوامل والأسباب في أنفسنا وواقع حياتنا .
موانع النصر
واعلموا - أيها الإخوة الأعزاء - أن النصر كما له أسباب ، فإن له موانعا تمنع حصوله ، أو تمنع استمراره بعد إحرازه ، منها :
1 معصية الله تعالى . قال جل ثناؤه – على لسان أحد أنبيائه - : " قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ"( هود62) و معنى ذلك أن الإنسان إذا عصى الله عز وجل، فمعصيته لله عز وجل تمنع عنه النصر. وقد فقه الصحابة الكرام هذه الحقيقة جيدا ، فكانوا يتواصون بالاحتراز من المعاصي أكثر من الاحتراز من العدو ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي سعد بن أبي وقاص ومن معه من الجند فيقول له: "أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله عز وجل، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي، فإنها أضرُّ عليكم من عدوكم، وإنما تُنصرون بمعصية عدوكم لله، فإن استويتم معه في المعصية، كان لهم الفضل عليكم بالقوة ". 
  2 الغرور والاعتداد بالذات . قال تعالى : " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " ( التوبة 25) فالإنسان حينما لا يفتقر إلى الله و لا يخضع له، وحينما يعجب بنفسه و يعتدُّ بقوته و بماله، فإن هذا الاعتداد و هذا العجب و هذا الغرور  يمنع عنه النصر، (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) و بالمقابل: " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (آل عمران 123)                                     
 3  الركون إلى الظلمة ."وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ "( هود 113)ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) إذا ركن المسلمون  إلى الكافرين أي مالوا إليهم واطمأنوا إلى عقيدتهم و  مبادئهم و قيمهم  و أفكارهم و نمط سلوكهم ....وتشبهوا بهم وقلدوهم..........فالنتيجة :  أنك متى  ركنت إلى الكافر مستك النار  ولن تنصر أبدا .
فانظروا إلى أولاد المسلمين اليوم  كيف راحوا يسارعون إلى تقليد الكافرين ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه معهم ، كما تنبأ بذلك الصادق المصدوق ، وهذا عين الركون إلى الظلمة ، والنتيجة : غير خافية عليكم ، فقد أصبح المسلمون اليوم كالأيتام على مأدبة اللئام ................................!! والله المستعان .
4  عدم الإنابة إلى الله . (وهي الرجوع إلى الله والتوبة إليه والاستسلام لأمره) قال تعالى :  "وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ "( الزمر51) فإن لم نرجع إلى الله ، و لم نستسلم لأمره ، سيأتينا العذاب بغتةً ( فجأة ) ثم لا ننصر .
والبلايا التي تصيب المسلمين في أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأوطانهم لا تخرج عن أحد الأمرين :
- أولهما : أن تكون اختبارا  وتمحيصا ، وهذا أمر لا بد منه في الحياة ، فهو سنة جارية ، " ألم  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " (العنكبوت 1-2)وإنما يتميز الصادق عن الكاذب بالاختبار والتمحيص . 
- والثاني : أن يكون ذلك عقابا لهم بسبب ما اقترفوا من المعاصي ، وهو ما أشار إليه الباري جل جلاله بقوله : "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ "( الشورى28)
الختام
 وخلاصة الخطاب أيها الإخوة :أن النصر من عند وحده ، فمن نصره الله  فلا غالب له ومن خذله فلا ناصر له ، وقد جعل الله أسبابا  لحصول النصر ، كما جعل له موانعا  تمنع من حصوله أو استمراره بعد إحرازه .
                                                               أما أسبابه فمنها :
 الإيمان الصادق والعمل الصالح  ------ والتوكل على الله والاستنصار به -------- والصبر والثبات والإكثار من ذكر الله --------- ووحدة الصف وعدم التنازع    ------- و إعداد العدة والأخذ بالأسباب .
وأما موانعه فمنها : 
معصية الله تعالى والانحراف عن منهجه -------- والغرور والاعتداد بالذات ------ والركون إلى الظلمة------ و عدم الإنابة إلى الله تعالى.

ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن شعبنا و مجاهدينا في ثورة التحرير المباركة قد أخذوا بأسباب النصر واتقوا موانعه ، فاستحقوا بذلك نصر الله وتأييده ،  فلله الحمد والمنة على نعمة النصر والحرية والسيادة ، ورحم الله شهداءنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم فداء لدينهم وشعبهم و وطنهم  ، وكونوا يا أبناء اليوم خير خلف لخير سلف  ، وحافظوا على النصر الذي حققه آباؤكم وذلك بالمحافظة على أسبابه واتقاء موانعه .  " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )" الأحزاب 71( هذا وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله وتعظيما ، حيث أمركم بذلك فقال تعالى ولم يزل قائلا  عليمًا ، وآمرا حكيما : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ]الأحزاب: 56 [ اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمّد صاحب الحوض والشفاعة، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن سادتنا الفضلاء : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى بوم الدين .اللهم وفق المسلمين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم ، واجمع كلمتهم على الحق والدين ، وأمنا اللهم في أوطاننا ، ووحد بين صفوفنا ، ووفق ولاة أمورنا إلى ما تحبه وترضاه ، وانصرنا على من عادانا ، وكنا لنا و لا  تكن علينا ،وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.